األمان أسوار سورة ضوء على اإلنحراف من المجتمع صيانة

الحجرات

1

األمان أسوارالكتاب:الثقافية ةاإلسالمي المعارف جمعيةنشر:

والترجمة للتأليف نون مركزإعداد: اإلعداد

اإللكتروني: _اإلسالمية المعارف شبكة

www.almaaref.org الطبعةاألولى:

ه1435 – م2014

© محفوظة الطبع حقوق جميع

2

األمان أسوار سورة ضوء على اإلنحراف من المجتمع صيانة

الحجرات

والترجمة للتأليف نون مركز

3

4

الفهرس13 المقدمة17 الحجرات سورة على عامة إطاللة19 تمهيد19 بالسورة تعريف21 الحجرات سورة قراءة ثواب22 السورة هدف22 السورة محور23 السورة ومقاطع موضوعات26 السورة في األمان أسوار28 السورة خالل من اإلسالمي المجتمع معالم30 السورة منهج35 ورسوله بالله العالقة أساس االنقياد

وسلم وآله عليه الله صلى37 القرآني النص37 تمهيد38 اآلية مفردات شرح38 لآلية التفصيلي المعنى39 الله على التقدم معنى في المفسرين آراء

وسلم وآله عليه الله صلى ورسوله

5

39 التقدم لتفسير متعددة وآراء أقوال هناك40 الحكم دائرة عموم41 صلى الله رسول على التقدم وأشكال صور

وسلم وآله عليه الله42 اآلية حول بحث48 اآلية حول تأمالت48 القيادة مع األدب رعاية49 اآلية من المستفادة الدروس50 الله رسول على التقدم من تاريخية نماذج

وسلم وآله عليه الله صلى51 عليه الله صلى الرسول مخاطبة آداب

والتقوى الحبط بين وسلم وآله53 القرآني النص53 تمهيد54 اآليات مفردات شرح55 التفصيلي المعنى57 القلوب إمتحان59 اآلية حول بحث59 القرآن في الحبط61 القرآن في األعمال لحبط الموجبة الذنوب63 السنة في األعمال لحبط الموجبة الذنوب63 صلى الرسول مع للتأدب اإليجابية اآلثار

وسلم وآله عليه الله65 المستفادة الدروس69 وآله عليه الله صلى الله رسول رحمة

وسلم71 العقل عالمة األدب إلتزام73 القرآني النص73 تمهيد74 اآلية مفردات شرح74 التفصيلي المعنى78 اآلية حول بحث78 منظومة بناء في وأثره المعاملة آداب

االجتماعية العالقات

6

79 األدب معنى -180 اإلنساني األصل وحدة -281 العالقات لجميع األدب مفهوم اتساع -3

اإلنسانية83 األخالق عن اآلداب فرق -483 اإللهي األدب- 584 الرابعة اآليتين من المستفادة الدروس

والخامسة85 ( 5-1 )اآليات رسالة86 اإلسالمي المفهوم في المقدسات89 اآلداب أصول األخبار تلقي منهج

االجتماعية91 القرآني النص91 تمهيد92 اآلية مفردات شرح93 التفصيلي المعنى94 اآلية حول بحث94 الخبر بمضمون بالوثوق العبرة97 المجتمع على الفاسقين آخبار آثار98 ن؟ يعني ماذا التبي99 المجتمع على الجهالة خطر

100 النبأ آية من المستفادة الدروس102 ت ن التثب بالتربية وعالقته األخبار من والتبي

اإلسالمي للمجتمع األخالقية103 والشائعات الكاذبة األخبار خطورة105 الكفر وبغض اإليمان حب107 القرآني النص107 تمهيد108 اآلية مفردات شرح109 اإلجمالي المعنى111 التفصيلي المعنى111 وآله عليه الله صلى الله رسول وجود

لألمة رحمة وسلم112 اإليمان إليكم حبب الله

7

115 اآلية حول بحث115 والعصيان؟ والفسوق الكفر بين الفرق ما116 والنعمة الفضل بين الفرق ما119 الجبر بطالن120 اآلية من المستفادة الدروس124 القرآن آيات في الكالم آداب125 المؤمنين بين اإلصالح127 القرآني النص127 تمهيد128 اآلية مفردات شرح129 اإلجمالي المعنى130 التفصيلي المعنى133 باإلصالح؟ المأمورون هم من133 اآلية من المستفادة االجتماعية المبادئ136 اآلية حول بحث136 البغي أهل قتال139 الباغية الفئة حاالت140 اآلية من المستفادة الدروس143 في السالم عليه المؤمنين أمير وصايا

الحرب145 اإليمانية األخوة147 القرآني النص

8

147 تمهيد148 اآلية مفردات149 التفصيلي المعنى152 آية حول بحث152 والسنة الكريم القرآن في األخوة األخوة

الشريفة152 األخوة معنى- 1153 اجتماعية عالقة اإليمان- 2155 اإليماني المجتمع أركان من الوحدة- 3156 اإليمانية األخوة آثار- 4157 المنظومة بناء في التآخي أهمية

االجتماعية159 اإليمانية اإلخوة حقوق159 اإلخوان معرفة كيفية160 اآلية من المستفادة الدروس161 (واألخوة اإلصالح )اآلية رسالة163 المؤمن؟ أخيك حق تؤدي كيف167 السخرية المؤمن حرمة169 القرآني النص169 تمهيد169 اآلية مفردات شرح171 اإلجمالي المعنى173 التفصيلي المعنى180 اآلية حول بحث180 اإلسالمي المجتمع صيانة في ثالث قواعد180 طوائف بين السخرية عدم: األولى القاعدة

اإلسالمي المجتمع180 باآلخرين الطعن عدم: الثانية القاعدة181 السيئة باأللقاب التعيير: الثالثة القاعدة

المجتمع انحطاط على يدل181 والفوضى بالضعف المجتمع تهديد182 اآلية من المستفادة الدروس183 باآلخرين السخرية ومناشىء جذور

9

185 الظن سوء المؤمن حرمة والتجسس

187 القرآني النص187 تمهيد188 اآلية مفردات شرح188 التفصيلي المعنى191 اآلية حول بحث191 الظن سوء أقسام193 الكامل االجتماعي األمن194 التجسس حول بحث198 التجسس في االستثنائية الحاالت200 الكفر إلى أقرب التجسس200 التجسس؟ حكم201 الغيبة المؤمن حرمة203 القرآني النص203 تمهيد204 اآلية مفردات شرح204 التفصيلي المعنى205 اآلية حول بحث205 الغيبة بشاعة206 : االصطالح في الغيبة -1206 : الغيبة نطاق اتساع- 2207 : الغيبة أقسام -3209 : للغيبة المستمع حكم- 4

10

209 الغيبة حرمة مستثنيات211 الغيبة آثار212 الغيبة عالج212 اآلية من المستفادة الدروس214 بالمحور( 12 )و( 11 )اآلية ربط214 اآلية رسالة216 الغيبة في جامعة رواية217 التفاضل معيار التقوى219 القرآني النص219 تمهيد220 اآلية مفردات شرح221 التفصيلي المعنى221 التفاخر نفي223 العنصرية تنفي224 الصالح العمل على التسابق قيمة225 اإلسالم في التقوى وظيفة225 التقوى حقيقة- 1226 التقوى مراتب- 2226 القرآن في التقوى موارد من نماذج227 والتقوى العمل تالزم229 اآلية من المستفادة الدروس229 بالمحور التقوى آية ربط230 التقوى آية رسالة231 التقوى أهمية233 والصادقون األعراب235 القرآني النص235 تمهيد236 اآلية مفردات شرح239 التفصيلي المعنى239 اإليمان242 واإلسالم اإليمان حقيقة242 واإليمان اإلسالم بين الفرق

11

244 عليه الله رضوان الطباطبائي العالمة تحقيق واإليمان اإلسالم مراتب حول

248 اآلية حول بحث248 األعراب؟ هم من250 بالصادقين العالقة قيمة251 الكريمة اآلية حول تأمالت252 الفاضل المجتمع وبناء الصادقين اتباع253 للمؤمنين الحجرات سورة نداءات255 تعالى الله علم األسوار مظلة257 القرآني النص257 تمهيد258 اآلية مفردات شرح259 التفصيلي المعنى262 إلهية منة أعظم اإليمان264 اآلية حول بحث264 بعباده بصير الله265 المؤمن ببصيرة وعالقته البصير الله اسم266 واالصطالح اللغة في لبصيرا269 اآلية من المستفادة الدروس270 والبصيرة البصير

12

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرينوبعد.

تمثل سورة الحجرات نموذجا من النماذج اإلعجازية في القرآن الكريم، حيث تضمنت كما هائال من القوانين والسنن في مجاالت مختلفة، وتحتوي

بهذا الكم القليل من اآليات الشريفة على كثير من المبادىء الحقوقية، واالجتماعية، والتربوية، واألخالقية،... فقد أوضحت السورة حقيقة اإليمان،

وبينت تفاوته عن اإلسالم ومراتب كل واحد منهما.

وهي على قصره, إذ لم تتجاوز الثماني عشرة آية، تتضمن العديد من الحقائق الكونية والتشريعية والكثير من األسس والمبادىء والقوانين

الثابتة لبناء الحياة االجتماعية في مجاالتها الخلقية واالجتماعية.ولهذا تم اختيار هذه السورة لتكون المضمون الثقافي والتبليغي لهذا الكتاب، الذي

يمتاز بمجموعة من األمور على مستوى المنهج والمضمون والشكل، نشيرإليها باختصار:

"أسوار األمان: أطلقنا عليه اسم فعلى مستوى اسم الكتاب " نظرا إلى األهداف التي نتوقع تحقيقها من الكتاب، وهي صون المجتمع من االنحراف من خالل مراعاة الضوابط والقواعد التي تحدثنا عنها. وألن

حفظ األمن واألمان المجتمعي أعلى قيمة ينبغي المحافظة عليها.

يتضمن الكتاب تفسيرا كامال لسورةوعلى مستوى المضمون: الحجرات، اعتمدنا فيه على التحقيقات والجهود العلمية القيمة لعلمائنا األبرار في مجاالت متعددة لغوية، تفسيرية، عقدية، أخالقية، تربوية...، ومن المصادر التفسيرية التي اعتمدنا عليها: التبيان للطوسي، مجمع

البيان للطبرسي، الميزان للطباطبائي،

13

الفرقان للطهراني: وذلك ليتسنى لإلخوة األعزاء االطالع العلمي الرصين على هذه النتاجات العلمية بغية توظيفها في المجاالت العملية والحياتية، ألن المعرفة العلمية الدقيقة والصحيحة هي مقدمة ضرورية للنجاح في

مجال التطبيق للفرد والمجتمع.

( درسا بشكل13أما على مستوى المنهج: فقد قسمنا الكتاب إلى إطاللة ) استتنائي عن بقية كتب هذه السلسلة, ليضم كل الدروس المستفادة من

السورة. وقد اعتمدنا فيها المنهج اآلتي: - اعتمدنا على نظرية الوحدة الموضوعية للسور القرآنية واخترنا محورا

محددا للسورة.

- اعتمدنا تقسيم السورة المباركة إلى مقاطع، وكل مقطع إلى عدد من الدروس، وفي بعض األحيان قد يستوفي الدرس تمام المقطع. كل ذلك

مع مالحظة وحدة المحور في تمام الدروس.

- عند نهاية كل مقطع حاولنا ربطه بالمحور وختمنا المقطع بالرسالة التيتريد اآليات أو اآلية في بعض األحيان إيصالها إلينا.

- لدواع منهجية مرتبطة بطبيعة سلسلة المتون الثقافية إن من جهة تنوع مستويات الشريحة المستهدفة، وغزارة المادة التفسيرية من جهة أخرى، تعمدنا اختصار حجم الدروس قدر اإلمكان ليتمكن اإلخوة من ضبط المادة

بشكل مناسب ويستطيع األساتذة الكرام إعطاءها ضمن الوقت المحدد.

- اعتمدنا منهجية محددة في كل الدروس كانت على الشكل اآلتي:- تصدير الدرس باآلية أو اآليات مورد الشرح.1

- تمهيد يتناسب مع الدرس، هو اختصار للمدلول التفسيري العام لآلية أو2 اآليات، وذلك بهدف تهيئة ذهن الطالب للدخول إلى الدرس وتركيز المعنى

التفسيري بعبارات يمكن حفظها ويسهل على الطالب فهمها.

14

- اعتمدنا في فقرة شرح مفردات اآلية بشكل رئيس على التحقيقات3 "التحقيق فيالقيمة للعالمة الشيخ حسن المصطفوي في كتابه

" باإلضافة إلى كتب لغوية أخرى كمعجم مقاييسكلمات القرآن الكريم اللغة البن فارس، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب األصفهاني، وغير ذلك

من الكتب اللغوية ذات الصلة.

- المعنى التفصيلي هو توسعة في المدلول التفسيري لآلية أو اآليات من4 خالل التركيز على أهم اآلراء التفسيرية، والتربوية، واألخالقية، وغير ذلك.

وقد نذكر المعنى التفصيلي بشكل فقرة واحدة أشبه بالمعنى اإلجمالي ولكن بشكل أوسع وقد نذكرها على شكل نقاط وذلك حسب حجم

المعلومات المرتبطة باآلية.

- فقرة تأمالت حول اآلية ليست مطردة في كل الدروس وقد نذكرها5 لدواع إثرائية مرتبطة بمضمون اآلية ولكنها ال ترتقي إلى مستوى بحث

حول اآلية.

- فقرة بحث حول اآلية هي عبارة عن أبحاث مستلة من اآليات الكريمة6وال يستوعبها المعنى التفصيلي.

- الدروس المستفادة من اآليات هي الدروس والعبر والنتائج العلمية7التي نستنتجها من اآلية ومن األبحاث حولها.

- وضعنا ختام كل درس صفحة مطالعة تنسجم في أغلب مضامينها مع8مضمون الكتاب.

والحمد لله رب العالمينمركز نون للتأليف والترجمة

15

16

إطاللة عامة على سورة الحجرات

مفاهيم محورية:- تعريف بالسورة.

- فضيلة تالوتها.- هدف السورة.- محور السورة.

- موضوعات ومقاطع السورة.- أسوار األمان في السورة.

- معالم المجتمع اإلسالمي من خالل السورة.- منهج السورة.

17

18

تمهيد قبل البدء بتفسير السورة نلفت إلى الموضوعات اإلجمالية التي تناولتها 

اآليات إضافة إلى التعرف على منهج السورة ومحاورها وهدفها الرئيس،ر السورة بشكل أفضل. ألن ذلك يعيننا على فهم وتدب

تعريف بالسورة نزلت سورة الحجرات بعد سورة المجادلة، آياتها ثمانية عشرة آية بال

وهي قوله13. وهي مدنية إال اآلية 1 حرف1496 كلمة و 343خالف، mنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم﴿تعالى: يا أيها الناس إ

ند اللهm أتقاكم إmن الله mن أكرمكم عmتعارفوا إmل لmشعوبا وقبائ . 2﴾ وقال آخرون: كلها مدنيةعلmيم خبmير

وقد سميت بالحجرات بسبب ورود لفظ الحجرات في اآلية الرابعة من إmن الذmين ينادونك مmن وراء الحجراتm أكثرهم ال﴿قوله تعالى:

لون mأي ينادون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وراء الحجراتيعق ﴾ أي بيته.

.1، ص 18روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن )فارسي(، أبو الفتوح الرازي، ج 1.339، ص 9التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، ج  2

19

، ومباحث متنوعة ومن المباحث1وتضمنت السورة موضوعات متعددةالتي يمكن استخراجها من السورة ما يلي:

- الصفات اإللهية وأثرها على التربية األخالقية للفرد والمجتمع.1- منهج التعامل مع القيادة الربانية.2- اإليمان واإلسالم حقيقتهما ومراتبهما.3- أسس بناء المجتمع )األخوة والتقوى(.4

(. بالغفور1من هذه الموضوعات: أوصاف الذات اإللهية: توصيف الله تعالى: بالسميع والعليم )اآلية 1 (.16(.أنه بكل شيء عليم )اآلية 8(. توصيف الله تعالى بالعليم الحكيم )اآلية 14 و 5الرحيم )اآلية

(. بصير18(. يعلم غيب السموات واألرض )اآلية 9(. يحب المقسطين )اآلية 12تواب رحيم )اآلية (. حول الحضرة اإللهية:إن الله تعالى أخبر بأنه يحب اإليمان ويبغض18بسلوكيات وأعمال العباد )اآلية

(. ال ينبغي على المسلمين أن يعلموا الله دينه7الكفر، وقد حبب وزين اإليمان في قلوب الناس )اآلية (. حول رسول الله:17(.إن الله تعالى قد من على المسلمين وهداهم إلى نعمة اإليمان )اآلية 16)اآلية

(. رفع الصوت في1التقدم على الله ورسوله في القول والعمل أمر غير جائز على االطالق )اآلية (.مدح الله تعالى األشخاص الذين يحترمون2محضر النبي غير جائز ويؤدي إلى إحباط العمل )اآلية

(. كيفية وآداب معاشرة3الرسول ويغضون الصوت في محضره ووعدهم بالمغفرة واألجر العظيم )اآلية (.رسول الله عنده أوقات وبرامج خاصة لخلوته مع نفسه5)اآلية  النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(.ال ينبغي على المسلمين انتظار طاعة النبي لهم ألن مقامه أعلى منهم أي فوقهم ؛5وأسرته )اآلية (.17(.ال ينبغي على المسلمين أن يمنوا على رسول الله إسالمهم )اآلية 7فهم يطيعونه ال العكس )اآلية

(. حول اإلسالم واإليمان: تفاوت اإليمان واإلسالم11 و 6 و 2 و 1بطالن أصالة عدالة كل الصحابة )اآلية (. اإليمان وعالقته بالعمل14 و 7(. اإليمان في القلب )اآلية 15(. بيان حقيقة اإليمان )اآلية 14)اآلية (. قوانين الحياة االجتماعية: ال ينبغي على المؤمنين15(. كيفية ادخال الناس في اإليمان )اآلية 15)اآلية

(. إذا وقع صراع بين المؤمنين فإن االصالح بين6األخذ بقول الفاسق من دون تحقق من قوله )اآلية (. ال ينبغي على المسلمين أن يسخر بعضهم من بعض )اآلية9المتصارعين واجب على الجميع )اآلية

(. ال ينبغي استعمال األلقاب11(. ال ينبغي أن يقولوا لبعضهم قوال سيئا وقبيحا "اللمز " )اآلية 11 (. ال ينبغي على المسلمين سوء الظن ببعضهم )اآلية11القبيحة في حق بعضهم "التنابز باأللقاب")اآلية

(.12(.ال ينبغي أن يغتاب بعضهم بعضا )اآلية 12(.ال ينبغي أن يتجسس بعضهم على بعض )اآلية 12 (. ينبغي على المؤمنين أن تحكمهم12ينبغي أن يكون دافع العمل عند المسلمين هو التقوى )اآلية

(. مباحث حقوقية: قاعدة القضاء هي من أجل إحقاق الحق ال لفصل10عالقات األخوة اإليمانية )اآلية (. إن13(. ال فرق بين أفراد البشر وهم متساوون أمام الله وأمام أنفسهم )اآلية 9الخصومة )اآلية

(. ينبغي إلغاء الطبقية13االختالفات العرقية وغيرها بين أبناء البشر وجدت بغية التعارف بينهم )اآلية (. األفراد متساوون في الحقوق13بين أبناء البشر فال فرق بين أبيض وأسود وال عربي وعجمي )اآلية

(. المساواة درجتان10(. إن تساوي المسلمين بين بعضهم هو في األخوة )اآلية 13وأمام القانون )اآلية (. ينبغي أن ال نتوقع أي شيء أو نفسر أي أمر متعلق بالنبوة قبل أن13 و 10األخوة واإلنسانية )آيات

(. مباحث عقائدية: علم5يقوم النبي بذلك وينبغي علينا االنتظار حتى يحدد ويبين ويوضح هو ذلك )اآلية (. إن قبول18 و 7(. بطالن الجبر في األفعال )اآلية 18 و 16الله تعالى بالكائنات علم حضوري )اآلية

(.2(. إحباط العمل )اآلية 17اإلسالم هو أمر اختياري وليس جبري )اآلية

20

- قواعد وآدب السلوك االجتماعي.5- منهج تلقي األخبار.6- إحباط العمل في القرآن.7- اإلصالح االجتماعي بين المؤمنين.8

ثواب قراءة سورة الحجرات من قرأعن الحسين بن أبي العالء عن أبي عبد الله عليه السالم قال: "

سورة الحجرات في كل ليلة أو في كل يوم كان من زوار. 1محمد صلى الله عليه وآله وسلم"

ومن الواضح أن كل هذه الحسنات التي هي بعدد المطيعين والعاصين إنما تكون في صورة ما لو أخذنا بنظر االعتبار كال من الفريقين وأن نفكر جيدا

فنجعل مسيرنا وفقا لمنهج المطيعين ونبتعد عن منهج العاصين.

: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم2وروي في كتاب )خواص القرآن( "من قرأ هذه السورة أعطي من األجر بعدد من أطاع اللهقال:

تعالى وعدد من عصاه عشر مرات، ومن كتبها وعلقها عليه في قتال أو خصومة أمن خوف ذلك، وفتح الله تعالى على

.3"يديه باب كل خير

.115 ثواب األعمال، الصدوق، ثواب قراءة سورة الحجرات، ص 1 خواص القرآن تعني باختصار تأثير القرآن أو بعض سوره وآياته على الموجودات ومنها اإلنسان سواء 2

على جسده أو روحه. وهناك تعبير أكثر شيوعأ في كتب التفسير وهو فضائل السور أو ثواب قراءتها وهو وعن أهل البيت عليهم السالم في كتب ما نراه من أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

التفسير كالتبيان للطوسي، ومجمع البيان للطبرسي، والكتب التفسيرية الروائية:كالقمي، والعياشي، وفرات الكوفي، الثقلين، البرهان، وغيرها من الكتب. ومن الواضح أن هناك ارتباطا بين خواص القرآن وفضائله وقد يظهر هذا االرتباط الوثيق بينهما فقد يقال إن خواص القرآن جزء من فضائله ألنها توضح

وتبين بركة القرآن وفضله ومزاياه ؛ في جلب النعم، ورفع النقم. ولكن جملة من العلماء أفردوا )الخواص القرآنية( عن الفضائل القرآنية، فأصبح لخواص القرآن تعريفا مستقال، ومؤلفات خاصة وصار

عندنا علم باسم "علم خواص القرآن" أو"أسرار القرآن" أو" أسرار ومنافع القرآن " وهذه كلها تسميات متعددة لمعنى واحد. ومن جملة المؤلفات هو كتاب "خواص القرآن العظيم" الذي نقل عنه المحدث

السيد هاشم البحراني وهو كتاب منسوب إلى اإلمام الصادق عليه السالم. هذا الكتاب كتبه الشيخ عفيف الدين أو أبوعبد الله أسعد اليافعي اليمني بعنوان "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم" ذكر

خواص كل سورة وخواص كل آية منها بالخصوص من خالل ما ورد عن اإلمام أبو عبد الله الصادق عليه السالم وغيره من المعصومين. وهناك كتب أخرى حول خواص القرآن للسيوطي، والشافعي، والغزالي،

والجيالني وغيرهم..99، ص 2، ح5البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني، ج 3

21

"من كتبها وعلقها عليهوعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: .1في قتال أو خصومة، نصره الله تعالى وفتح له باب كل خير"

هدف السورة تهدف سورة الحجرات إلى بناء منظومة مفاهيم عقائدية وشبكة عالقات إنسانية تحكمها اآلداب العامة والخاصة وتسودها أصول أخالقية اجتماعية من أجل بناء المجتمع اإلسالمي الخالص وصيانته من االنحراف وذلك من

خالل تطبيق التوجيهات والقوانين الواردة في السورة والمجتمع الذي ينبغي جعله نموذجا يحتذى به وهو المجتمع النبوي المتمثل بالنبي صلى

الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السالم. وبعبارة أوضح: بناء المجتمع اإلسالمي على ضوء التربية األخالقية التي تضمنتها سورة الحجرات

واالقتداء بالقرآن الناطق وهم محمد وآل محمد صلى الله عليه وآلهوسلم.

محور السورة " ترتبطمحمد والفتح والحجراتهناك ثالثة سور في القرآن وهي: "

بمحور واحد هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ففي سورة محمد كان الهدف اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي سورة الفتح

مواصفات أتباعه، وفي سورة الحجرات أدب التعامل معه صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أساس في التعامل مع أفراد المجتمع اإلسالمي, ألن

من تسقط عنده شخصية كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن يحترم أي قانون أو أي فرد في المجتمع وسيكون مثاال في االنحطاط األخالقي، ومن تسمو عنده شخصية كرسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم فإنه سيحاول بكل ما أوتي من قوة أن يتماهي مع هذه الشخصية في المجتمع وتكون هي العنوان األساس في كل عالقاته الدينية واإلنسانية

مع اآلخرين.

ومن خالل االستعراض الدقيق والتحليل المنهجي لمضمون السورة ومالحظة القضايا والقوانين المختلفة التي تعرضت لها، سندرك أنها تدور

حول محور رئيس

.99، ص 3، ح5البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني، ج 1

22

" وهو بالتالي ما تدورالتربية األخالقية للمجتمع اإلسالميوهو "حوله كل آيات ومقاطع السورة المباركة.

وهذا ما نلحظه من خالل الحديث عن القيادة اإللهية وآداب التعامل مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والطاعة المطلقة للقيادة،

وآداب وضوابط وقواعد تلقي األخبار، حقيقة وقيمة اإليمان، حرمة المؤمن عند الله تعالى، وذلك من خالل عدة من النواهي التي ذكرتها السورة من حرمة الغيبة، التجسس، االستهزاء، وغير ذلك من اآلداب األخالقية، وبيان

خطورة التنازع بين أفراد المجتمع اإلسالمي ورفض هذا الخالف وكيفيةاإلصالح بين المؤمنين إلى آخر ما تضمنته السورة.

موضوعات ومقاطع السورة إن األمن واألمان والسالم من التطلعات الكبرى لإلنسانية جمعاء، فكل شخص يولد ويولد معه األمل والتطلع إلى الحياة اآلمنة والسالمة، فهو

يريد أن يعيش في سالم وأمان مع نفسه، ومع اآلخرين، ومع مجتمعه وهذا " من أسوار أمان نفسيسورة الحجراتبالتحديد ما ترسمه وتحدده "

وديني واجتماعي لتحقيق السالم في دار الدنيا قبل اآلخرة.

فترسم السورة أسوارا في التعامل مع القيادة اإللهية ألنها هي المرجع األساس في حال تعرضت وحدة المجتمع وأمنه وسالمه للخطر, وبعد أن ترسي احترام القيادة وآداب التعامل معها، وطبيعة العالقة معهــا، تأمر

ت السورة المؤمنين بالتثب في أمورهم، وعدم االسترسال مع أنباء الفاسقين، فهي تؤسس منهجا في

التعاطي مع األخبار وترسم سور أمان جديد يمنع من إثارة الفتنة وشيوعت قد يصيبون بذلك قوما بجهالة الفوضى في المجتمع، ألنهم من دون تثب

ثم يندمون على ذلك.

في سياق حديثها عن عالقة المسلمين بعضهم بالبعض تأمرنا في حال نشوب اقتتال بين فئتين منهم إرجاعهما إلى سور األمان وهو اإلصالح

بينهما مقدمة

23

إلرساء العدالة، وفي حال بغت إحداهما على األخرى ولم تقبل بالرجوع إلى سور األمان، فوظيفتنا إرجاعها إليه ولو بالقوة، ألن حفظ األمن

واألمان المجتمعي أعلى قيمة ينبغي المحافظة عليها ألنه من دونها ال يمكن تحقيق العدالة في األرض، فيجب محاربة الفئة الباغية، حتى تفيء

إلى أمر الله وتقبل الصلح والتحاكم الى الشريعة المقدسة، فإن فاءتتقوم األمة بنشر العدالة في أوساطها والقسط.

ثم ترسي سورا مهما في العالقة بين المؤمنين وهو سور األخوة ليكونمحورا أساسيا للعالقة بينهم.

ثم ترسي لنا مجموعة أسوار ال بد من الرجوع إليها، من خالل جمعها "، فينبغي أن ال يحكم عالقتنا سوء الظن،"سور حرمة المؤمنبعنوان:

".حرمة المؤمنوال الغيبة، وال السخرية واالستهزاء، فهذا هو سور "

ثم ترسي لنا سور اإلنسانية والذي يؤكد األصل الواحد للبشرية فاألب آدم عليه السالم واألم حواء عليها السالم، ترفض أي نوع من التمييز المادي

والعنصري بين البشر، وتبين أن الحكمة من جعلنا شعوبا وقبائل هو التعارف واالنفتاح والتالقي وليس التدابر واالنغالق والتحارب، ألنه اذا

عرف بعضهم بعضا ضبطت المسؤوليات والحقوق وتهيأت أرضية إقامةالعدالة.

نعم إن هناك تمايزا واحدا هو سور التقوى. فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم. ومن معاني التقوى سالمة الفكر واستقامة السلوك، وبذلك يكون

التنافس على إيصال المجتمع إلى أمنه وسالمه، فالتقوى هي المحققةألهداف الله تعالى على األرض.

وتختم السورة الكريمة بمظلة األسوار إن صح التعبير أي الضابط لتطبيق كل األسوار السابقة والموجد للدافع الذاتي لتطبيق آداب السورة وتحقيق

"بصير وأن الله "علم الله بغيب السموات واألرض"أسوارها وهو "بأعمال عباده.

وما ينتج من خالل تطبيق هذه األسوار التي دعت لها السورة هو السالم،فالله

24

تعالى يدعو إلى دار السالم في الدنيا، وإلى دار السالم في اآلخرة, السالممع النفس، مع اآلخرين، مع المجتمع.

فالسالم أشبه بشجرة مثمرة، جذورها وأصولها في القلب وثمارها وفروعها في المجتمع, فعندما يتحقق السالم واالطمئنان في النفس،

فستخرج من النفس كل األضداد واألغيار فال حسد، وال حقد، وال ضغينة، وال عصبية وحمية جاهلية، فعند ذلك ستبدأ أسوار سورة الحجرات

بالتحقق في المجتمع.

فإذا كان القلب يغمره السالم واألمن، كانت تصرفات اإلنسان وسكناتهمعبرة عن االرتياح واالطمئنان الذاتي فنجد بأنه:

- يبحث لنفسه عما يصلحها وينفعها ويدفعها إلى التطور.ر وسوء الظن - وسيعاشر من حوله بسالم خال من البغي والظلم والتكب

والتجسس والغيبة... - وستراه ينشر بأقواله وأفعاله تفاصيل األمن والسالم ويحقق كما قلنا

أسوار األمان في المجتمع بل قد يقاتل من أجل تحقيقها.

25

أسوار األمان في السورة لقد توزعت هذه األسوار على آيات السورة ضمن مقاطع على الشكل

التالي: (: سور التعامل مع القيادة: 5-1- المقطع األول: من اآلية )

تبين هذه اآليات طريقة التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآدابها وما ينبغي على المسلمين مراعاته من أصول في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تعلمنا على كل حال آداب التعامل مع

القيادة وتقنن طريقة التعامل مع القيادة الصالحة المتوازنة عندما يتعايش معها الفرد المسلم. ويتحرك في إطارها وفي ظل أوامرها ونواهيها،

لتخلق الرابط الوثيق مع تلك القيادة الربانية فتحدد آداب التعامل معها. بالشكل الذي يحفظ لها قداستها ومقامها العظيم ألن السر في االستجابة

للقائد اإللهي هو مدى احترامه وتقديسه وتوقيره لدى الرعية. وعندمايحصل هذا الترابط ستكتسب القيادة قوة التأثير والفاعلية في األمة.

(: سور أصول األخالق12-6- المقطع الثاني: اآليات )االجتماعية:

""األخالق االجتماعيةبينت السورة في هذا المقطع سلسلة من أصول الهامة التي إن عمل بها وعلى هداها حفظت المحبة والصفاء واألمن

واالتحاد في المجتمع اإلسالمي، وعلى العكس من ذلك لو أهملت تكون سببا للشقاء والنفاق والتفرق وعدم األمن. وقد حددت السورة هذه

األصول على الشكل التالي: : منهج تلقي األخبار: بينت السورة في اآلية السادسةاألصل األول

المنهج القرآني في كيفية التعاطي مع األخبار وكيفية تلقيها وأهمية الدقةفي أخذها ونقلها.

اإلصالح بين المؤمنين: عرضت السورة جملة من األوامراألصل الثاني: اإلرشادية المتعلقة بكيفية مواجهة االختالفات والتنازع أو القتال الذي قد

يقع بين المسلمين أحيانا.

26

األصل الثالث: األخوة بين المؤمنين: لفتت السورة إلى أصل أساس ال بد من توافره في بناء العالقات اإلنسانية بين أفراد المجتمع وهو أن:

. نون إmخوة.. mالمؤم﴾ ﴿

األصل الرابع: رعاية حرمة المؤمنين: اشتملت السورة الكريمة على جملة من األوامر والنواهي اإللهية التي اذا لم تتم مراعاتها في المجتمع فهذا

السيؤدي إلى تحطيم وانهيار العالقات االجتماعية وهي ست عناوين :﴿ , اجتنmبوا mاأللقابmزوا أنفسكم , وال تنابزوا ب mيسخر قوم , وال تلم

سوا وال يغتب بعضكم بعضا ن الظن , وال تجس ﴾.كثmيرا م

: سور التقوى.13- المقطع الثالث: اآلية تتحدث عن معيار قيمة اإلنسان عند الله وهو التقوى.

(: سور اإليمان.15-14- المقطع الرابع: اآليتان ) تعالج هذه اآليات قضية مركزية في طبيعة العالقة بين اإليمان والعمل وهو

أن اإليمان ليس بالقول فحسب بل ال بد من ظهور آثاره في أعمال اإلنسان والجهاد بالمال والنفس، إضافة إلى االعتقاد في القلب ـ كما تبين أن اإليمان واإلسالم هما هدية إلهية للمؤمنين وبدال من أن يمنوا باإلسالم أو اإليمان ينبغي أن يشكروا الله على هذه الهدية إذ شملهم بها. تتحدث

بشكل عام عن الصفات اإللهية التي يجب أن يتحلى بها الفرد المسلموالذي يتكون المجتمع اإلسالمي منه.

: علم الله تعالى:18- المقطع السادس: اآلية في هذا المقطع تتحدث عن علم الله واطالعه على جميع أسرار الوجود

الخفية وأعمال اإلنسان، وهذا القسم بمثابة الضامن لتنفيذ جميع هذهاألقسام الواردة في هذه السورة!

27

معالم المجتمع اإلسالمي من خالل السورة تتضمن السورة مسائل من شرائع الدين بها تتم الحياة السعيدة للفرد

ويستقر النظام الصالح الطيب في المجتمع، منها ما هو أدب جميل للعبد مع الله سبحانه ومع رسوله كما في اآليات الخمس في مفتتح السورة،

ومنها ما يتعلق باالنسان مع أمثاله من حيث وقوعهم في المجتمع الحيوي، ومنها ما يتعلق بتفاضل األفراد وهو من أهم ما ينتظم به االجتماع المدني ويهدي االنسان إلى الحياة السعيدة والعيش الطيب الهنيء ويتميز به دين

الحق من غيره من السنن االجتماعية القانونية وغيرها، وتختتم السورة باإلشارة إلى حقيقة اإليمان واإلسالم وامتنانه تعالى بما يفيضه من نور

. إن صورة المجتمع اإلسالمي الذي تريد بناءه سورة الحجرات هو1اإليمانعلى الشكل التالي:

- مجتمع رفيع كريم نظيف سليم متضمنة القواعد واألصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم والتي تكفل قيامه أوال، وصيانته

أخيرا.

- مجتمع يصدر عن الله، ويتجه إلى الله، ويليق أن ينتسب إلى الله.

- مجتمع نقي القلب، نظيف المشاعر، عف اللسان، وقبل ذلك عفالسريرة.

- مجتمع له أدب مع الله، وأدب مع رسوله، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره. أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه. وفي الوقت ذاته

له شرائعه المنظمة ألوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته. يتمثل هذاغ عن األدب في إدراك حدود العبد أمام الرب، وأمام الرسول الذي يبل

الرب. فال يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي، وال يقترح عليه في قضاء أو حكم وال يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه وال يجعل لنفسه إرادة أو

رأيا مع خالقه.. تقوى منه وخشية، وحياء منه وأدبا.

.305، ص 18محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، ج  1

28

ت من األقوال واألفعال، واالستيثاق من مجتمع له منهجه في التثبمصدرها، قبل الحكم عليها. يستند هذا المنهج إلى تقوى الله تعالى.

- مجتمع له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خالف وفتن وقالقل واندفاعات، تخلخل كيانه لو تركت بغير عالج. وهو يواجهها

بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة األخوة بين المؤمنين، ومن حقيقةالعدل واإلصالح، ومن تقوى الله والرجاء في رحمته ورضاه.

- مجتمع له آدابه النفسية في مشاعره تجاه بعضه البعض وله آدابه يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر﴿السلوكية في معامالته بعضه مع بعض:

نهم وال نmساء من نساء قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا مزوا أنفسكم وال تنابزوا mنهن وال تلم عسى أن يكن خيرا م

mيمانmسم الفسوق بعد اإلmئس االmب mاأللقابmب.﴿ ومن لم يتب﴾﴾. فأولئmك هم الظالmمون

- مجتمع نظيف المشاعر، مكفول الحرمات، مصون الغيبة والحضرة، ال يؤخذ فيه أحد بظنة، وال تتبع فيه العورات، وال يتعرض أمن الناس

وكرامتهم وحريتهم فيه ألدنى مساس.

- مجتمع له فكرته الكاملة عن وحدة اإلنسانية المختلفة األجناس المتعددة الشعوب وله ميزانه الواحد الذي يقوم به الجميع. إنه ميزان الله المبرأ

mنا خلقناكم من ذكرمن شوائب الهوى واالضطراب: ﴿يا أيها الناس إmند الله mن أكرمكم عmتعارفوا إmل لmوأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائ

﴾. أتقاكم إmن الله علmيم خبmير

والسورة بعد عرض تلك الحقائق التي تكاد تستقل برسم معالم ذلك المجتمع الرفيع الكريم النظيف السليم، تحدد معالم اإليمان، الذي باسمه

دعي المؤمنون إلى إقامة ذلك المجتمع. وباسمه هتف لهم ليلبوا دعوة الله الذي يدعوهم إلى تكاليفه بهذا الوصف الجميل، الحافز إلى التلبية

.والتسليم: ﴾يا أيها الذmين آمنوا ذلك النداء الحبيب الذي يخجل من﴿يدعى به من الله أن ال يجيب والذي ييسر كل تكليف ويهون كل

29

قالتm األعراب آمنا قل﴿مشقة، ويشوق كل قلب فيسمع ويستجيب: ا يدخلm اإلmيمان فmي قلوبmكم نوا ولكmن قولوا أسلمنا ولم mلم تؤم

ن أعمالmكم شيئا إmن الله وإmن تطmيعوا الله ورسوله ال يلmتكم منون الذmين آمنوا بmاللهm ورسولmهm ثم لم mنما المؤمm يم * إ mح غفور رم فmي سبmيلm اللهm أولئmك هم mه mم وأنفس mهmأموالmيرتابوا وجاهدوا ب

ادmقون * قل أتعلمون الله بmدmينmكم والله يعلم ما فmي الصماواتm وما فmي األرضm والله بmكل شيء علmيم ﴾. الس

أما في ختامها فتكشف السورة عن ضخامة الهبة اإللهية للبشر. هبة اإليمان التي يمن بها على من يشاء، وفق ما يعلمه فيه من استحقاق:

يمنون عليك أن أسلموا قل ال تمنوا علي إmسالمكم بلm الله﴿ين * إmن الله يعلم mقmن كنتم صادmإ mيمانmإلmيمن عليكم أن هداكم ل

ير بmما تعملون mوالله بص mواألرض mماوات .1﴾غيب الس

منهج السورة اشتملت السورة على القواعد واآلداب األخالقية لتربية المجتمع اإلسالمي ولكي تصل إلى هذه األهداف التي رسمتها فقد انتهجت منهجا خاصا في

تقرير آداب وضوابط المجتمع اإلسالمي:

ولقد تعددت وسائل التوجيه التربوي في هذه السورة الكريمة، ولم يكن هذا التعدد مجرد تنويع لغرض التنويع، وإنما غاية التوافق بين الغاية

التربوية والطبيعة البشرية وفيما يلي إشارات لجملة من تلك الوسائل: : إذا تأملنا مجموع اآليات التي ضمت اآلدابأ- الترغيب والترهيب

والضوابط المتقدمة ظهرت لنا مجموعة من إشارات الترهيب والترغيب التي تذيل تلك اآليات بحيث تعمل مجتمعة على تحقيق منظومة متزنة من الدوافع والموانع التي تدفع الفرد المسلم والمجتمع نحو السلوك المرغوب

فيه وتحجزه عن السلوك المرغوب عنه.

. )بتصرف3337 - 3335، ص 6راجع: سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي، في ظالل القرآن، ج 1وتلخيص(.

30

أن تحبط أعمالكم وأنتم ال﴿فعلى صعيد الترهيب تجد قوله تعالى: على الله ورسوله صلى1﴾, تحذير وترهيب من عواقب االفتئاتتشعرون

الله عليه وآله وسلم، وفي مقابل ذلك قوله تعالى ترغيبا في حال الملتزمين بأدب التوقف بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

رة وأجر عظmيم﴿ mغف ﴾. لهم م

ب- التذكير بنعمة الله وفضله: وهذا التذكير بالفضل مدعاة االلتزام بالهدي اإللهي والوقوف عند توجيهاته، تأمل على سبيل المثال، قوله تعالى:

mليكم﴿ ه إ mليكم اإلmيمان وزينه فmي قلوبmكم وكر ولكmن الله حبب إدون mاش ﴾ فجعل العصيانالكفر والفسوق والعmصيان أولئmك هم الر

والفسوق والكفر في مقابل نعمة اإليمان بحيث يرغب من استقر اإليمانفي قلبه عن أن يجمع إليه من النقائض ما يكون كفرا بنعمة الله عز وجل.

ج- عواقب عدم التزام هذه اآلداب: لقد جاءت اآليات في هذه السورة بجملة من التنبيهات على خطورة العواقب المترتبة على ترك التزام

ت في األخبار منظومة األخالق القرآنية المعروضة، ففي سياق األمر بالتثبن، ت وتبي جاء التحذير من عاقبة الندم المترتبة على التصرف بغير علم وتثب

ين﴿فقال تعالى: mمmحوا على ما فعلتم نادmوفي سياق النهيفتصب ،﴾ عن القبائح االجتماعية - كالسخرية والتنابز واللمز- جاء التحذير من وقوع

الظلم بين أفراد المجتمع نتيجة االستهزاء بالغير واالفتراء عليه ومبالغة ومن لم﴿الغير في الرد على تلك السخرية واالفتراءات، فقال تعالى:

وهكذا... ﴾يتب فأولئmك هم الظالmمون

د- تنمية الوازع النفسي لاللتزام بهذه األخالق: إن أحدا ال يستطيع أن يفرض التزام مبدأ من المبادئ أو خلقا من األخالق بقوة خارجية أو سلطة

قانون، فها

رماه به كذبا افتأت عليه الباطل ومن الكلمات القريبة افتراه، اختلقه، افتات،  افتأت عليه القول 1إفتأت عليه الباطل: اختلقه. - إفتأت برأيه: انفرد واستبد به. إفتراء، تضليل، تزييف، تلفيق، كذب.

31

هي الدول اليوم تعيش تحت سلطة قوانين وضعية ونظم قضائية وشرطة وقوات عسكرية لكنها لم تستطع أبدا أن تحقق أي التزام حقيقي باألخالق

- إن صح أن يسمى ما عندهم أخالقا - ولهذا كان ال بد من حل هذه اإلشكالية في منظومة األخالق اإلسالمية، وليس أقدر على ذلك من قوله

ماواتm واألرضm﴿تعالى في ختام هذه السورة: إmن الله يعلم غيب السير بmما تعملون mإذ أن استشعار هذه الرقابة الدائمة من اللهوالله بص ،﴾

عز وجل كفيل بتنمية الوازع النفسي في كل فرد بما يحقق التزامه بهذه األخالق واآلداب ولو كان في خلوة من الناس أو معزل عن بطش

السلطان وقهر السلطة والقانون، وبهذا فقط تنضبط منظومة األخالق فيالمجتمع.

﴿هـ- تكرار النداء بقوله ﴿: إن خطاب يا أيها الذmين آمنوا يا أيها الذmين﴾ ﴾ قد تكرر في سورة الحجرات خمس مرات وقد يكون هذا مؤشرآمنوا

على أن كل قسم سبقه هذا الخطاب فهو دستور إلهي مستقل ينبغي مراعاته لضمان أمان المجتمع وصيانته من التحريف. وإن عدم االلتزام

بهذه الدساتير اإللهية سيؤدي إلى هدم أسوار األمان وهذه النداءات هيالتالية:

يا أيها الذmين آمنوا ال تقدموا بين يديm اللهm ورسولmهm واتقوا﴿- يع علmيم mن الله سمmاآلية األولى. الله إ .﴾

يا أيها الذmين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوتm النبmي وال﴿- كم لmبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم mبعض mكجهر mالقولmتجهروا له ب

. من اآلية الثانية إلى اآلية الخامسة.﴾ال تشعرونيا يبوا﴿- mنبأ فتبينوا أن تصmق ب mن جاءكم فاسmين آمنوا إmأيها الذ

ين mمmحوا على ما فعلتم نادmجهالة فتصبmمن اآلية السادسةقوما ب .﴾ إلى اآلية العاشرة.

32

يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا﴿- نهن وال نهم وال نmساء من نساء عسى أن يكن خيرا م خيرا م

زوا أنفسكم وال تنابزوا بmاأللقابm بmئس االmسم الفسوق بعد mتلم ﴾. اآلية الحادية عشر. اإلmيمانm ومن لم يتب فأولئmك هم الظالmمون

ن الظن إmن بعض الظن- يا أيها الذmين آمنوا اجتنmبوا كثmيرا م ﴿ سوا وال يغتب بعضكم بعضا أيحmب أحدكم أن يأكل mثم وال تجس إ

يم mح اب ر يهm ميتا فكرmهتموه واتقوا الله إmن الله تو mمنلحم أخ .﴾ اآلية الثانية عشر إلى آخر السورة.

33

للمطالعة إذا تأملنا في القوانين اإللهية الواردة في سورة الحجرات سنجد أن عدم

مراعاتها سيحطم سور األمان للمجتمع ويقضي على وحدته وتماسكه كما سنبين في طيات مباحث التفسير. ونشير إليها إجماال في الرسم التالي:

عدم مراعاتها يؤدي إلى:القوانين اإللهية التقدم على الله وعلى رسوله,

وعد احترام القيادة. تحطيم سور القيادة وهي أداة نظم

المجتمع ومرجعيته. تحطيم بنية المجتمع وتفكيكه من خاللعدم الدقة في نقل األخبار

نشر الفوضى وبث الفتنة.تحطيم حرمة المؤمن.السخرية, واللمز, والتنابز.

تحطيم العالقات اإلجتماعية واإلنسانية.سوء الظن, التجسس, الغيبة.

34

الدرس األول: االنقياد أساس العالقة بالله ورسوله صلى اللهعليه وآله وسلم

مفاهيم محورية:- معنى التقدم على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

- آراء المفسرين في معنى التقدم على الله ورسوله صلى الله عليه وآلهوسلم.

- صور وأشكال التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. - مصاديق من التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في

المجال التشريعي.- االنضباط في رعاية األدب مع القيادة.

- الدروس المستفادة من اآلية.

35

36

النص القرآني يا أيها الذmين آمنوا ال تقدموا بين يديm اللهm﴿قال الله تعالى:

يع علmيم mن الله سمmواتقوا الله إ mهmورسول.﴾

تمهيد اآلية الكريمة باختصار هي خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين اعترفوا 

بتوحيده وإخالص عبادته وأقروا بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ينهاهم أن يتقدموا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يفعلوا خالف ما أمر به، أو يقولوا في األحكام قبل أن يقول، أو يخالفوا أوقات

العبادة، فإن جميع ذلك تقدم بين يديه، وأمرهم أن يتقوا الله بأن يجتنبوا معاصيه ويفعلوا طاعاته ثم بين لهم الرقابة اإللهية التي تدعو إلى الرقابة

" بما"عليم" لما يقولونه إن الله سميعالذاتية وهي قوله تعالى "ينطوون عليه ويضمرونه.

فاآلية الكريمة تدريب للمؤمنين على أخالقية المالئكة ألن هوالء ال يسبقون ال﴿الله تعالى بقول وال بأمر وهم بأمر الله تعالى يعملون، كما قال تعالى:

﴾. وهكذا ينبغي على المؤمنينيسبmقونه بmالقولm وهم بmأمرmهm يعملون أن يكونوا مجتمعا منقادا ومطيعا لله ورسوله. ولذا صدرت السورة

﴿يا أيها الذmين الكريمة بخطاب:

37

﴾ لبيان أن هذه السورة الكريمة جاءت لبيان معالم وأسس المجتمعآمنوااإليماني، أي تحقيق األمن الذي أشرنا إليه.

شرح مفردات اآلية﴾.يقدم قومه﴿قدم: بمعنى تقدم من قدمه إذا تقدمه، كقوله تعالى:  ﴿mهmورسول mالله mال تعجلوا﴾ أي تتقدموا، وقيل: "ال تقدموا بين يدي

.1"بأمر ونهي قبله

المعنى التفصيلي لآلية ﴾ سواء في سورةيا أيها الذmين آمنوا﴿إن تصدير خطاب بعض اآليات بـ

يختزن دالالت عديدة أهمها:2الحجرات أم في غيرها من السور - أن النداء: فيه تنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير1

يستدعي اعتناءهم بشأنه، وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته.

- أن وصفهم باإليمان لتنشيطهم، واإليذان بأنه داع إلى المحافظة عليه2 ووازع عن اإلخالل به. ثم بعد ذلك يأتي توصيفهم بأي وصف يتناسب مع

مضمون اآلية.

﴾ أي: الال تقدموا﴿- بعد النداء والوصف باإليمان جاء قوله تعالى: 3 تفعلوا التقديم، على ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل من غير اعتبار

تعلقه بأمر من األمور، على طريقة قولهم: فالن يعطي ويمنع، أو: ال تقدموا أمورا من األمور، على حذف المفعول، للعموم. أو: يكون التقديم

" الالزم، ومنه: مقدمة الجيش، للجماعةقدمبمعنى التقدم، من "المتقدمة.

.516تفسير غريب القرآن، فخر الدين الطريحي، ص 1" وتضمنت الحديث عن المسائل والقضايا 2 ذين آمنوا ها ال يا أي ﴾هناك ثالث سور قرآنية افتتحت بقوله ﴿

الحكومتية واالجتماعية واألخالقية والتربوية وهي: المائدة، الحجرات، الممتحنه.ها يا أي ، وفي سورة الممتحنة: ذين آمنوا أوفوا بالعقود ها ال يا أي ﴿ففي بداية سورة المائدة قال تعالى: ﴾ ﴿ ذين آمنوا ال تقدموا بين يدي ها ال يا أي . وفي هذه السورة" خذوا عدوي وعدوكم أولياء ذين آمنوا ال تت ﴿ال ﴾

. ه ورسوله ﴾الل

38

آراء المفسرين في معنى التقدم على الله ورسوله صلى اللهعليه وآله وسلم:

هناك أقوال وآراء متعددة لتفسير التقدم: : ال تعجلوا باألمر والنهي دون الله ورسوله، وال تقطعوا باألمر والنهيمنها

دون الله ورسوله.

: أن المراد النهي عن التكلم قبل رسول الله صلى الله عليه وآلهومنها وسلم أي إذا كنتم في مجلسه وسئل عن شيء فال تسبقوه بالجواب حتى

يجيب هو أوال.

: ال تقدموا أقوالكم وأفعالكم على قول النبي صلى الله عليه وآلهمنهاوسلم وفعله وال تمكنوا أحدا يمشي أمامه.

والرأي األرجح في تفسير التقدم على الله ورسوله هو النهي عن التقديم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط في هذه الوجوه

الثالثة األخيرة مبني على حملهم ذكر الله تعالى مع رسوله في اآلية على نوع من التشريف كقوله: أعجبني زيد وكرمه فيكون ذكره تعالى لإلشارة

إلى أن السبقة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أي حال فيمعنى السبقة على الله سبحانه.

الظاهر في أن المراد بما بين يدي الله ورسوله هو المقام الذي يربط المؤمنين المتقين بالله ورسوله وهو مقام الحكم الذي يأخذون منه

أحكامهم االعتقادية والعملية.

﴾ تقديم شيء ما من الحكمال تقدموا﴿وبذلك يظهر أن المراد بقوله: قبال حكم الله ورسوله، إما باالستباق إلى قول قبل أن يأخذوا القول فيه

من الله ورسوله، أو إلى فعل قبل أن يتلقوا األمر به من الله ورسوله،يع علmيملكن تذييله تعالى النهي بقوله: mن الله سمmإ﴾ يناسب تقديم﴿

القول دون تقديم الفعل ودون األعم الشامل للقول والفعل وإال لقيل: إن الله سميع بصير ليحاذي بالسميع القول وبالبصير الفعل، كما يأتي تعالى

ير﴿في كثير من موارد الفعل بمثل قوله: mما تعملون بصmوالله ب﴾، فمحصل

39

المعنى: أن ال تحكموا فيما لله ولرسوله فيه حكم إال بعد حكم الله ورسوله أي ال تحكموا إال بحكم الله ورسوله ولتكن عليكم سمة االتباع

واالقتفاء.

عموم دائرة الحكم: لكن بالنظر إلى أن كل فعل وترك من اإلنسان ال يخلو من حكم له فيه

وكذلك العزم واإلرادة إلى فعل أو ترك يدخل األفعال والتروك وكذا إرادتها والعزم عليها في حكم االتباع، ويفيد النهي عن التقديم بين يدي الله

ورسوله النهي عن المبادرة واإلقدام إلى قول لم يسمع من الله ورسوله، وإلى فعل أو ترك أو عزم وإرادة بالنسبة إلى شيء منهما قبل تلقي

الحكم من الله ورسوله. فتكون اآلية قريبة المعنى من قوله تعالى فيباد مكرمون * ال يسبmقونه بmالقولm وهم﴿صفة المالئكة: mبل ع

. ﴾بmأمرmهm يعملون

﴾ال تقدموا بين يديm اللهm ورسولmهm﴿وهذا االتباع المندوب إليه بقوله: هو الدخول في والية الله والوقوف في موقف العبودية والسير في

مسيرها بجعل العبد مشيته تابعة لمشية الله في مرحلة التشريع كما أنها وما تشاؤون إmال أن يشاء﴿تابعة لها في مرحلة التكوين قال تعالى:

﴿، وقال: الله نmين﴾ mي المؤمmوقال: والله ول ﴿ ين﴾ mي المتقmوالله ول.﴾

مهم أصول مخاطبة فالله تعالى يؤدب في هذه اآلية عباده المؤمنين، ويعلعامل معه، وتوفيته حقه من سول صلى الله عليه وآله وسلم والت الر

وقير واالحترام. فيقول للمؤمنين: " ال تسرعوا في القضاءm في أمرالتما mهmقضائmالله ورسوله، وكونوا تبعا ل mيه mي لكم ف mقبل أن يقض

سول على وأمرmهما، وال تتكلموا في أمر قبل أن يأتmي الرسول، واتقوا الله عال قبل أن يفعله الر mوال تفعلوا ف ،mيه mف mالكالم

يع لما تقولون، علmيم بmما تفعلون mنه سمm نون، فإ m1"يا أيها المؤم.

)بتصرف(.  .307 ، ص 18راجع: تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج 1

40

صور وأشكال التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم:

إن التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأي معنى أخذ قديلحظ ببعدين:

- البعد األدبي األخالقي.- البعد القانوني التشريعي.

والداعي لهذا التقسيم هو شخص النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ألنه تارة نلحظ الشخصية المباركة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

فإن للكالم معه، ولألكل، وللمشي وألي حركة معه آداب ال بد من مراعاتها. وعلى كل حال الجنبة األدبية واألخالقية هي نوع من التقنين

األدبي في العالقة معه صلى الله عليه وآله وسلم. فالله تعالى يريد أن يأدب عباده بضرورة مراعاة األدب مع رسوله، وهي بالتالي مراعاة أدب

مع الله تعالى في كل مالقاة وعالقة معه فلمجلسه خصوصية وقدسيةولكالمه ومنامه وخلوته وكل ما يتصل بوجوده المبارك.

وتارة نلحظ ما يصدر منه ببعده التشريعي ونحن نعلم أن قول وفعل وتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة وكاشف عن مراد ورضا الله

تعالى بال زيادة وال نقيصة. وفي هذا البعد التشريعي ال يجوز التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأي شكل من األشكال ولو على

نحو اقتراح تشريعي ألن أحكام وقوانين السماء تصل إلينا بطريقين: : كتاب الله تعالى: وهنا ال يحق لنا تغيير حرف واحد من حروفاألول

األحكام القرآنية فضال عن الحكم ككل. : السنة النبوية الشريفة: وهي قوله وفعله وتقريره. وهذه السنةالثاني

تبين وتشرح القرآن الكريم أيضا ولها نفس حكم القرآن من ناحية عدمجواز تحريفها وتبديلها وما شابه ذلك.

41

وما ينطmق عنm﴿قال تعالى في شأن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: وما آتاكم﴿. وفي آية أخرى: 1﴾الهوى * إmن هو إmال وحي يوحى

سول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إmن الله الرmقابmيد العmوفي آية ثالثة: 2﴾شد .﴿mالله mي رسولmلقد كان لكم ف

ر وذكر الله mأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم اآلخ . إلى غيرها من اآليات الشريفة.3﴾كثmيرا

إن تكليف المسلمين تجاه هذه الجنبة القانونية والتشريعية هو التسليمواالنقياد المطلق ألوامر الله ورسوله وال يحق لهم أي تدخل على اإلطالق.

بحث حول اآليةمصاديق من التقدم على رسول الله في المجال التشريعي:

البدعة في الدين من المعاصي الكبيرة : - البدعة في الدين1 والمحرمات العظيمة، التي دل على حرمتها الكتاب والسنة، كما وأوعد صاحبها النار على لسان النبي األكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك

ألن المبتدع ينازع سلطان الله تبارك وتعالى في التشريع والتقنين، عه، فيزيد عليه شيئا وينقص منه شيئا ع ما لم يشر ويتدخل في دينه ويشر

في مجالي العقيدة والشريعة، كل ذلك افتراء على الله.

:4وهناك تعاريف متعددة للبدعة نذكر منها البدعة: الزيادة في الدين أوقال السيد المرتضى رضوان الله عليه: "

". نقصان منه من إسناد إلى الدين

 .4- 3سورة النجم، اآليتان 1.7سورة الحشر، اآلية 2.21سورة األحزاب، اآلية 3 من هذه الكتب: البدع والنهي عنها، البن وضاح القرطبي،الحوادث والبدع، للطرطوشي، االعتصام، 4

ألبي إسحاق الشاطبي الغرناطي في جزءين وقد أسهب الكالم فيها، البدعة أنواعها وأحكامها، لصالح بن فوزان بن عبد الله فوزان طبع الرياض، البدعة تحديدها وموقف اإلسالم منها، تأليف الدكتور عبد الملك

السعدي طبع بغداد، البدعة في مفهومها اإلسالمي الدقيق، تأليف الدكتور عبد الملك السعدي طبع هـ وطبع باسم االستغاثة،352بغداد، البدع المحدثة، للشريف أبو القاسم الكوفي المتوفى بفسا سنة

في النجف األشرف،البدع، تأليف الدكتور الشيخ جعفر الباقري، وهي دراسة موضوعية لمفهوم البدعةوتطبيقاتها على ضوء منهج أهل البيت.

42

البدعة في الشرع: ماوقال العالمة المجلسي رضوان الله عليه: " حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نص على الخصوص، وال يكون

داخال في بعض العمومات، أو ورد نهي عنه خصوصا أو عموما فال تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس

وأمثالها، الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية، وكاأللبسة التي لم تكن في عهد

واألطعمة المحدثة, فإنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخلة في عمومات الحلية، ولم يرد فيها نهي. وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان

بدعة... وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص ثم ذكربدعة، سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة"

كالم الشهيد عن قواعده. وعلى كل حال مقوم البدعة هو التصرف في الدين عقيدة وتشريعا, بإدخال ما لم يعلم أنه من الدين فيه، فضال عما

علم أنه ليس منه قطعا. وتشمل البدعة صورة النقص كحذف شيء من. 1أجزاء الفرائض

القياس المراد هنا هو التمثيل في مصطلح لقياس واالستحسان: -2 علماء المنطق "التمثيل هو: أن ينتقل الذهن من حكم أحد الشيئين إلى الحكم على اآلخر لجهة مشتركة بينهما. وبعبارة أخرى هو: إثبات الحكم

في جزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له. والتمثيل هو المسمى في " ويرفض اإلمامية حجيته واالعتماد عليه في"القياسعرف الفقهاء بـ

فهم الشريعة.

إذا ثبت عندنا أن النبيذ يشابه الخمر في تأثير السكرمثاله: " على شاربه، وقد ثبت عندنا أن حكم الخمر هو الحرمة، فلنا أن

نستنبط أن النبيذ أيضا حرام، أو على األقل محتمل الحرمة،.2"لالشتراك بينهما في جهة اإلسكار

.)بتصرف(.26-18راجع: البدعة وآثارها الموبقة،جعفر السبحاني، ص 1.315المنطق، محمد رضا المظفر، التمثيل تعريفه، ص 2

43

: إن الفتوى من دون فحص كامل في- الفتوى من دون فحص3 الكتاب والروايات الشريفة، وتحقيق في المباني الفقهية هو نوع من

ال بد للمجتهد في مقام االستنباط،التقدم على الله ورسوله. " وتشخيص وظيفته ووظيفة العامي، من استفراغ الوسع في الفحص عن األدلة، والمعارضات، والقرائن الدخيلة في تعيين مفاد الدليل. وليس له االكتفاء بما وصل له من األدلة، فضال

عن الرجوع لألصل من دون فحص عن الدليل لو لم يطلع.1عليه..."

من معاني االستخفاف لغة: االستهانة،- توهين األحكام الدينية:4 يقال: استخف به إذا استهان به وأهانه، واستخفه خالف استثقله أي رآه

خفيفا، كما قد يكون االستخفاف بمعنى التهاون. وال يخرج االستعمال الفقهي عن ذلك. وقد يعبر عن االستخفاف - بالمعنى األول - باالستحقار

واالحتقار واالنتقاص واالزدراء.

واالستخفاف له صور متعددة والمراد به هنا االستخفاف بالدين واألحكامالدينية ونذكر نموذجا قد يوضح الموضوع.

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السالم قال: أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن، أو زيت، فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر

عليه السالم: ال تأكله، فقال له الرجل؟ الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال له أبو جعفر عليه السالم: إنك لم تستخف

.2بالفأرة، وإنما استخففت بدينك، إن الله حرم الميتة من كل شيء

- اتباع الذوق ال الشريعة: )العبادة نموذجا(. على اإلنسان أن يتبع ما5تمليه وتأمر به الشريعة في كل خطواته وال يتقدم

عليها حتى في تنفيذ األوامر والبرامج اإللهية، فالشريعة كل متكامل تراعيكل الجوانب االجتماعية في تشريعاتها فال

.671، محمد سعيد الحكيم، خاتمة في وجوب الفحص، ص 2الكافي في اصول الفقه، ج 1 ، باب نجاسة المضاف بمالقاة النجاسة وإن كان كثيرا...،1وسائل الشيعة )آل البيت(، الحر العاملي، ج 2

.206ص

44

يحق للمؤمن وبحجة توافقه النفسي مع العبادة أن ينعزل عن المجتمع ويتعبد ويترك عيلولة عياله فهذا النوع من العبادة هو نوع من التقدم على

الله ورسوله.

وطلبا فmيوفي نهج البالغة قال اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم: "جا عن طمع . 1"حالل - ونشاطا فmي هدى - وتحر

لعل الهدف من إيراد هذا الكالم من اإلمام سواء بعض الروايات المنقولة عنه أم ما ورد في النهج هو دفع توهم قد يرد في ذهن القارىء عندما يراجع كالم اإلمام وخصوصا عند مطالعة الفقرات السابقة لهذا الكالم حيث ركز أمير المؤمنين عليه السالم على أوصاف المتقين المرتبطة

بعبادتهم وهي كونهم أهل عبادة في الليل والنهار وأجسامهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة إلى آخر المواصفات، واذا نظر إليه الناظر يحسبهم مرضى، فقد يظن أن ذهنهم مشغول بالعبادة وهمهم

الذكر وال طاقة لهم على الكسب والعيش باعتبار أن طاقتهم تالشت في الذكر والعبادة وما شاكل ذلك، وعليه سيكون تأمين حياتهم من قبل

غيرهم، واإلمام كأنه أراد دفع هذا الدخل المقدر وهو أن شيعته أصحاب همة ونشاط وفعالية في الحياة االجتماعية، وأصحاب كسب حالل سواء كانوا تجارا أم كسبة، على أن ما يميزهم عن أهل الدنيا أنهم ال يطمعون

فيها كما هو حال الناس العاديين.

على كل حال اإلمام عليه السالم سواء في حياته العملية أم في خطبه ومواعظه يرفض رفضا باتا الرهبنة والتنسك بمعنى االبتعاد عن العمل

والحياة االجتماعية، وأن يصبح اإلنسان عالة على اآلخرين أي يعتمد على غيره فيما يحتاج إليه من طعام وكساء وغيرهما متطفال عليهم. كما هو

حال بعض المتصوفة. فقد ورد في نهج البالغة كالما يبين هذه الحقيقة قال مخاطبا "العالء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه -عليه السالم

mه الدارmهذ mعة mسmيعوده، فلما رأى سعة داره قال: ما كنت تصنع ب فmي

.193نهج البالغة، الخطبة 1 

45

ئت بلغت mن شmكنت أحوج - وبلى إ mرة mي اآلخmليها فm الدنيا - وأنت إم - وتطلmع mح يها الر mل ف mيف وتص يها الض mي فmرة - تقر mها اآلخmب

رة - فقال mها اآلخmذا أنت قد بلغت بmعها - فإmنها الحقوق مطال mم م بن زmياد - mي عاصmليك أخm نmين أشكو إ mير المؤم mله العالء - يا أم

قال وما له - قال لبmس العباءة وتخلى عنm الدنيا - قال علي بmهه لقدm استهام بmك الخبmيث - أما mا جاء قال - يا عدي نفس فلم

مت أهلك وولدك - أترى الله أحل لك الطيباتm وهو يكره أن mرح نmين - mير المؤم mك - قال يا أمmن ذل mتأخذها - أنت أهون على الله م

mني ك وجشوبةm مأكلmك - قال... إ mملبس mي خشونةmهذا أنت ف ةm - العدلm أن يقدروا لست كأنت - إmن الله تعالى فرض على أئmم

يرm فقره mالفقmكيال يتبيغ ب - mالناس mضعفةm1"أنفسهم ب.

"ففي هذه القصة نرى اإلمام عليه السالم يلوم العالء على سعة داره، ويتخذ لومه سبيال إلى بيان وجوه االنتفاع بها، فيشير إلى أنه ال حرج على

المرء في أن يجمع بين الدنيا واآلخرة، فيمتع نفسه في الدنيا بمباهجها،ويبلغ في اآلخرة عليا الدرجات.

ثم يؤنب عاصما على فعله حين هجر الدنيا ولبس العباءة، فبين له أنه بفعله هذا أناني يعمل لنفسه، إذ أن جدوى عمله لو استطاعه ووااله ال

ترجع إال إليه، وأما غيره من الناس فال يصيب منه نفعا وخاصة أهله وولده وهم ألصق الناس به، وبين أن من الخير له أن يجمع بين العمل لنفسه

والعمل لغيره، وأن يجمع بين الدنيا واآلخرة. والطيبات.؟ هل حرمها الله؟ كال إن االنسان مدعو ألن يصيب منها شريطة أال يستغرق فيها على نحو

يلهيه عن الغاية الرفيعة لوجوده.

ال حرج على اإلنسان أن يطلب الدنيا ويسعى إليها ويصيب من لذاتها، ولكن عليه أن يطلب الدنيا من طريق الحالل، ويصيب من لذتها ما يحل

ويجمل، ثم ال يتهالك على الدنيا ولذاتها على نحو غير إنساني، بحيث ينقلبمن إنسان ذي مشاعر نبيلة، وإمكانات رفيعة عالية

ومن كالم له عليه السالم بالبصرة - وقد دخل على العالء بن زياد209نهج البالغة )تحقيق صالح(، 1.325الحارثي، ص

46

إلى مجرد آلة. آلة لجمع النقود وتكديسها، لتنفق في وجوه غير إنسانية. إن هذا ليس جديرا باالنسان أن يفعله، أجمmل في

.1"الطلب لتعطي لنفسك حقها ولربك حقه

"والحاصل أن ترك الدنيا بالكلية ليس هو مطلوب الشارع من الزهد فيها والتخلي عنها ألن الشارع يراعى نظام العالم

باشتراك الخلق في عمارة الدنيا وتعاونهم على المصالح بقاء النوع اإلنساني وترك الدنيا وإهمالها بالكلية يعدم ذلك النظام وينافيه بل الذي يأمر به الشارع القصد في الدنيا واستعمال متاعها على القوانين التي وردت بها الرسل والوقوف فيها

عند الحدود المضروبة في شرايعهم دون تعديها، كما أشار إليه عليه السالم من منع هذا الرجل...، فأما اعتراض عاصم على علي عليه السالم في نهيه له، فحاصله أنه قاس نفسه في

ترك الدنيا عليه، وتقديره إنك إذا نهيتني عن ذلك فكيف بك: أي فكيف بما أرى من هذه الحال وأنت المقتدى به، أو فكيف أصنع بك مع الحال التي أنت عليها، وإنما ينبغي لي أن أقتدي

بك، فأجابه عليه السالم بجواب إقناعي بين فيه الفرق بينه وبينه، وهو إني إنما فعلت ذلك لكوني إماما وكل إمام فرض الله عليه أن يقدر نفسه بضعفة الناس: أي ليسويها بهم في

حالهم كيال يهيج بالفقير فقره فيضعف عن حلمه فيكفر أو يفسق، وقد كان عليه السالم قبل الخالفة كذلك، والجواب

المحقق هو ما قلناه من كون هذه الطريق أسلم، وأما الفرق بينهما فيرجع إلى أن عاصما سلك على غير علم بكيفية

السلوك مع ترك الحقوق التي تلزمه ألهله وولده فكانت حالة. 2"التي فارقها أولى به

دراسات في نهج البالغة، محمد مهدي شمس الدين، موقف اإلمام من العمل للدنيا موقفة من الفقر، 1.232ص

.19، ص 4شرح نهج البالغة، ابن ميثم البحراني، ج 2

47

تأمالت حول اآلية

رعاية األدب مع القيادة: اآلية تبين أن الذي يتقدم الله ورسوله يوجد الخلل واالضطراب في

المجتمع. وأن األمن واألمان في المجتمع يكون في ظل الطاعة واالنقياد المطلق للقيادة اإللهية. ألن في علم اإلدارة يقال, إن مسألة المديرية ال تتم بدون رعاية االنضباط، وإذا أريد للناس العمل تحت مديرية وقيادة -

حسب رغبتهم، فإن اتساق األعمال سينعدم عندئذ وإن كان المديرون والقادة جديرين. وكثير من األحداث والنواقص التي نالحظها تحدث عن

هذا الطريق، فكم من هزيمة أصابت جيشا قويا أو نقصا حدث في أمر يهم جماعة وما إلى ذلك كان سببه ما ذكرناه آنفا... ولقد ذاق المسلمون أيضا

مرارة مخالفة هذه التعاليم مرارا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بعده، ومن أوضح األمور قصة هزيمة المسلمين في معركة أحد

لعدم االنضباط من قبل جماعة قليلة من المقاتلين.

والقرآن يثير هذه المسألة المهمة في عبارة موجزة في اآلية اآلنفة يا أيها الذmين آمنوا ال تقدموا بين﴿وبأسلوب جامع طريف إذ يقول:

mهmورسول mالله m1﴾يدي.

فالقيادة لها خصوصياتها فال بد من رعاية تلك الخصوصيات والتأدب معها بما يتناسب مع موقع تلك القيادة فـإن مسؤولية انضباط السائرين إزاء

القادة وخاصة إزاء القادة اإللهيين تقتضي أال يتقدموا عليهم في أي عملوقول وال يعجل أحد عندهم.

وبالطبع فإن هذا الكالم ال يعني بأنه ال يجوز لهم أن يتشاوروا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان لديهم شيء يجدر بيانه، بل المراد منه

أال يعجلوا ويبادروا بالتصميم قبل أن يوافق النبي على ذلك! حتى أنه ال ينبغي أن تثار أسئلة ومناقشات أكثر مما يلزم في شأن المسائل، بل

ينبغي أن يترك األمر للقائد نفسه أن يبين المسائل في حينها، ال سيما إذا كان القائد معصوما الذي ال يغفل عن أي شيء! كما أنه لو سئل المعصوم

.521، ص 16األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 1

48

أيضا، ال يحق لآلخرين أن يجيبوا السائل قبل أن يرد عليه المعصوم، وفيالحقيقة إن اآلية جمعت كل هذه المعاني في طيها.

الدروس المستفادة من اآلية - ألجل تطبيق األوامر اإللهية في المجتمع ال بد من إيجاد حالة من

﴾يا أيها الذmين آمنوا﴿االستعداد الروحي والنفسي في الناس لتقبل ذلك تحقيق حالة اإليمان في الفرد والمجتمع.

- إن عدم التقدم على الله ورسوله هو نوع من األدب الراقي.

- تحليل الحرام وتحريم الحالل، من التقدم على الله ورسوله. - البدع، والوضع والتزوير والتحريف، والمبالغات وإدخال ما ليس من الدين

فيه باسم الدين... هذا كله من التقدم على الله ورسوله. - مبادئ فقهنا وسلوكنا ومفاهيمنا الحياتية يجب أن تؤخذ من القرآن

الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السالم.- التجاوز على أوامر الله ورسوله هو نوع من عدم التقوى.

- الحرية الخاطئة وتجاوز حقوق اآلخرين هو من التقدم على الله ورسوله.- ألداء الواجبات يحتاج اإلنسان إلى أمرين مهمين: اإليمان والتقوى. - االلتزام العملي بأوامر الله ورسوله يجب أن يكون متضمنا للتقوى

قوا الله. الداخلية )السلوك يعبر عن الباطن(. ال تقدموا... وات - األشخاص الذين يفضلون عاداتهم وأعرافهم االجتماعية على أوامر الله

ورسوله هم بعيدون عن اإليمان والتقوى.ف واالنقياد للقيادة اإللهية ألن الله - يجب على المجتمع اإليماني نبذ التطر

ال تقدموا...﴿تعالى يع علmيم mسم﴿ ﴾ . يع علmيم mن الله سمmإ﴾

49

للمطالعة

نماذج تاريخية من التقدم على رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم

حين تحرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة كان ذلك في شهر رمضان وكان معه جماعة كثيرة، منهم الفرسان

ومنهم المشاة، ولما بلغ )منزل( كراع الغميم أمر بإناء ماء، فتناول منهالرسول وأفطر ثم أفطر

" ولمتقدم على النبيمن كان معه، إال أن العجيب أن جماعة منهم "يوافقوا على اإلفطار وبقوا صائمين فسماهم النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بالعصاة".

ما حدث في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة حيث أمر النبي أن "من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة،ينادي المنادي:

ثم يؤدي مناسك الحجومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه" وأن من جاء بالهدي )وحجه حج إفراد( فعليه أن يبقى على إحرامه... ثم

"لوال أني سقت الهدي ألحللت،قال صلى الله عليه وآله وسلم: . إال أن جماعة أبواوجعلتها عمرة، فمن لم يسق هديا فليحل"

وقالوا كيف يمكننا أن نحل وما يزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم محرما أليس قبيحا أن نمضي للحج بعد أداء العمرة ويسيل منا ماء الغسل

من الجنابة. فساء النبي ما قالوا ووبخهم والمهم.

50

الدرس الثاني: آداب مخاطبة الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم بين الحبط والتقوى

مفاهيم محورية:- الحبط في القرآن.

- العمل بين الحبط والتقوى.- الذنوب الموجبة لحبط األعمال في القرآن.

- معنى امتحن الله قلويهم.- فئات المجتمع اإلسالمي بحسب اآلية.

- الدروس المستفادة من اآلية.

51

52

النص القرآني يا أيها الذmين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق﴿قال الله تعالى:

كم لmبعض أن mبعض mكجهر mالقولmي وال تجهروا له بmالنب mصوت ون أصواتهم تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون * إmن الذmين يغضند رسولm اللهm أولئmك الذmين امتحن الله قلوبهم لmلتقوى لهم mع

رة وأجر عظmيم mغف .1﴾م

تمهيد القرآن الكريم يكشف لنا في هذه اآلية وفي غيرها أن هناك مجموعة أسلموا وآمنوا بالله وبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم لم

يدركوا قداسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومدى دائرة وجوب طاعته، إذ كانوا يعاملونه في بعض األحيان كأدون الناس شأنا، وكانوا يعارضونه ويعترضون عليه ويرفعون أصواتهم فوق صوته، وقد عالج

القرآن أمثال هذه السلوكيات الخطيرة ومنها ما ورد في اآلية المباركة وفيها تصريح أنهم آمنوا بالله ورسوله ولكنهم كانوا يرفعون أصواتهم في

محضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا ينادونه بما يكشف عن أنهم النبي صلى الله عليه كانوا ال يلتزمون بما يقتضيه شأن النبوة، وال يعتبرون

د بما وآله وسلم إال شخصا عاديا مثلهم، فال حاجة إذن وال ضرورة للتعبيقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم

.3-2سورة الحجرات، اآليتان: 1

53

. بخالف من يعتقد1كنبي، وهذا ما أوجب التهديد لهم باإلحباط ألعمالهم.﴾أولئmك الذmين امتحن الله قلوبهم لmلتقوى﴿برسالته

فإن اآلية الكريمة تنهى المؤمنين بالله ورسوله أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك عند مخاطبته وتكليمه صلى

الله عليه وآله وسلم وأن يكون صوتهم أرفع من صوته وأجهر، ألن في ذلك كما قيل أحد شيئين: إما نوع استخفاف به وهو الكفر، وإما إساءة األدب بالنسبة إلى مقامه وهو خالف التعظيم والتوقير المأمور به وهو

موجب لحبط العمل.

شرح مفردات اآليات الجهر هو ظهور الصوت بقوة االعتماد ومنه الجهارة"الجهر:

في المنطق وجاهر باألمر مجاهرة ويقال جهارا ونقيض الجهر.2"الهمس

: الحط من منزلة على وجه التصغير له بحالة، يقال: غض فالن عنالغض فالن إذا ضعف حاله عن حال من هو أرفع منه، وغض بصره إذا ضعف عن

"هو كف في خفض. .3حدة النظر، وغض صوته إذا ضعف عن الجهر ومن مصاديقه: الكف مع خفض في الصوت، وفي النظر، وغير

.4ذلك..."

هو السقوط مع المحو، كما أن الحط والحت معناهما السقوطالحبط: المطلق، والبطالن ما كان على خالف شرائط الصحة وخصوصياتها وهو

في مقابل الحق. والهدر ما لم يكن له نتيجة وال عائدة. والفساد ما يكون.5فاقدا لشرط الصحة حتى يفسد

 .15، ص2راجع: وضوء النبي، علي الشهرستاني، ج 1.232تفسير غريب القرآن، فخر الدين الطريحي، ص 2.341، ص 9التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، ج 3.235، ص 7التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 4.159، ص 2التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج  5

54

المعنى التفصيلي اآلية الكريمة هي استمرار للسورة في تحديد النهج السلوكي األدبي

األخالقي مع القيادة، فتثير نقطة أخرى حين تمنع عن واحد من سلبيات التخاطب بين الناس، فضال عن سلبيته إذا كان تخاطبا مع القيادة.. فكيف

إذا تمثلت القيادة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

﴿وهنا تكرر اآلية النداء ﴾.. من خالل إثارة النزعةيا أيها الذmين آمنوا اإليمانية.. التي يحملها المسلم في داخله لتوحي له بضرورة التزامه بمستلزمات اإليمان.. التي من ضروراتها حسن التعامل مع القيادة..

والتخاطب معها باألسلوب المهذب الهادئ.. بل التخاطب مع الناس بشكل عام.. إذ أن القرآن يشدد في بعض المواضع.. على التزام األسلوب الهادئ

في التعامل والتخاطب.. ألن رفع الصوت.. من تأثيرات حالة العنف التي يعيشها المتكلم غالبا.. وهي حالة يرفضها اإلسالم.. كخلق وطريقة حياة..

ادفع﴿حتى عندما يواجه اإلنسان أخطاء اآلخرين معه.. وإساءتهم له.. فون mما يصmيئة نحن أعلم ب ي أحسن الس mي هmالتmفاإلسالم أراد1﴾ب ،

لإلنسان أن يكون موضوعيا في تفكيره.. وفي معالجته للقضايا مع اآلخرين.. انطالقا من أن هدوء األسلوب.. أقرب إلقناع الخصم.. بالرأي المطلوب إيصاله.. والفكرة المطلوب تبنيها والدفاع عنها.. ثم إن العنف

في أكثر األحيان.. يثير العنف المقابل لدى اآلخرين. وفضال عن كونه أسلوبا مؤذيا.. وانطالقا من هذا.. نهى القرآن عن رفع الصوت.. وأعطاه

واغضض﴿الصورة المقيتة، حين ذكر على لسان لقمان ما يعظ به ولده.. mير mلصوت الحم mن أنكر األصواتmك إmن صوتm2﴾م.

.96سورة المؤمنون، اآلية   1.19سورة لقمان، اآلية 2

55

إن خفض الصوت من آثار حالة الرفق التي يدعو إليها اإلسالم.. كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن زرارة عن أبي جعفر عليه

"قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إmنالسالم قال: ن شيء إmال mع مmال زانه وال نزmفق لم يوضع على شيء إ الر

"قال رسول الله. وعن جابر عن أبي جعفر عليه السالم قال: 1شانه"ا م mفق خلقا يرى ما كان م صلى الله عليه وآله وسلم لو كان الر

نه m2"خلق الله شيء أحسن م.

المهم.. أن اآلية تشير إلى جانب آخر من حاالت األدب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومع القيادة اإلسالمية الشرعية فتفرض التعامل بأسلوب االحترام واألدب إذ ال بد من حفظ حرمة القيادة.. ليكون لها

تأثيرها في الوسط الشخصي واالجتماعي.. فال يتم التعامل معها.. بأسلوب التعالي عليها ولو من خالل رفع الصوت.. بالطريقة التي يتعامل بها

﴿والاإلنسان مع أمثاله ونظرائه من حيث الموقع االجتماعي أو العلمي.. . كم لmبعض mبعض mكجهر mالقولmتجهروا له ب﴾

كما أن األسلوب الخارجي للتعامل.. يعكس حالة التأثر النفسي بالقضية أو بصاحب القضية فإن من مؤشرات التقديس والتعظيم واالحترام

للشخص.. غض الصوت والتزام جانب الهدوء واللياقة في حضرته.. ثم إنه من الطبيعي.. أن تقديس الرسالة.. ينعكس عفويا.. تقديسا للرسول،

وتقديسه النفسي ال بد أن ينطبع على السلوك والتعامل الخارجي معه.

ثم تشير اآلية إلى نقطة أخرى..حين تحذر من إهدار قيمة العمل الذي قدمه اإلنسان بسوء التعامل مع القيادة المتمثلة بالرسول صلى الله عليه

وآله وسلم.. وبعدم التزام هذا الجانب األدبي وحين تحذر من إحباط وإبطال األجر والحسنات التي اكتسبها الفرد من خالل عمله اإليماني

أي ﴾﴿أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرونالمتقدم فتقول:

.119، ص 6، باب الرفق، ح2الكافي، الكليني، ج 1.120، ص 13، باب الرفق، ح2الكافي، الكليني، ج 2

56

كراهة أن تحبط، لكي ال تحبط، والحبوط هو البطالن واإلسقاط الذي قد يحصل دون شعور من اإلنسان مما يعني تضييع األجر والحسنات التي

. 1يحتاجها عندما يواجه حساب الله سبحانه

إمتحان القلوب:ند رسولm اللهm﴿وفي قوله تعالى: mون أصواتهم ع إmن الذmين يغض

رة وأجر mغف أولئmك الذmين امتحن الله قلوبهم لmلتقوى لهم منقاط ينبغي االلتفات إليها، منها:﴾عظmيم

" مشتقة من االمتحان، واألصل في استعمالها إذابة الذهبامتحن- " وتطهيره من غير الخالص، كما أنها تستعمل في بسط الجلد المعد للدبغ، ثم استعملت بعدئذ في مطلق االختبار كما هي الحال بالنسبة لآلية محل

البحث، ونتيجة ذلك خلوص القلب وبسطه لقبول التقوى... وهدف االمتحان واالختبار إنما يكون لتحصيل العلم بحال الشيء المجهول قبل

ذلك، وهذا المعنى مستحيل في حقه تعالى فالمراد به هنا التمرينوالتعويد - كما قيل - أو حمل المحنة والمشقة على القلب ليعتاد بالتقوى.

للتعظيم واألهمية... أي إن الله يجعل نصيبهممغفرة"- ونكرت كلمة " المغفرة الكبرى والتامة، وبعد تطهيرهم من الذنب يرزقهم األجر العظيم،

ألنه ال بد من التطهير من الذنب أوال، ثم االنتفاع من األجر العظيم من قبل..2الله

- اآلية مسوقة للوعد الجميل على غض الصوت عند رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم بعد توصيفهم

م في محضر 1 والمعروف بين الفقهاء من الفريقين، وبين المفسرين والمحدثين، أن رفع الصوت محر الرسول حيا وميتا، فكما ال يجوز للمؤمن أن يرفع صوته في محضر الرسول صلى الله عليه وآله

وهو حي، كذلك ال يجوز له أن يرفع صوته عند قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالحكم وسلم بالحرمة ثابت في حياته ومماته على حد سواء.

.514، ص 16راجع: األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج  2

57

بأن قلوبهم ممتحنة للتقوى والذي امتحنهم لذلك هو الله سبحانه، وفيه.1تأكيد وتقوية لمضمون اآلية السابقة وتشويق لالنتهاء بما فيها من النهي

- في التعبير عنه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه اآلية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد التعبير عنه في اآلية السابقة بالنبي إشارة

إلى مالك الحكم... وتعظيمه وتوقيره تعظيم لمرسله وتوقير له، فغض الصوت عند رسول الله تعظيم وتكبير لله سبحانه، والمداومة واالستمرار

ون﴿على ذلك - كما يستفاد من قوله: ﴾ المفيد لالستمرار - كاشفيغض.2عن تخلقهم بالتقوى وامتحانه تعالى قلوبهم للتقوى

إشارة إلى أن﴾الذmين امتحن الله قلوبهم لmلتقوى﴿- وقوله تعالى: قلوب هؤالء المؤمنين الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد أعدها الله سبحانه وتعالى وأرادها لتكون مستقرا ومستودعا للتقوى، وهذا هو

" مع أن"لmلتقوى بالالم، في قوله تعالى امتحن"السر في تعدية الفعل " "امتحنه بكذا، الاألصل في فعل االمتحان أن يتعدى بالباء، فيقال:

. وفي هذا ما يشير إلى أن تلك القلوب التي يغض أصحابها أبصارهملكذا" عند رسول الله، قد امتحنت فعال بالتقوى، وقد نجحت في هذا االمتحان، فأصبحت قابلة للتقوى، متجاوبة معها.. فقد يمتحن اإلنسان بالشيء، وال يقبله، وال يتجاوب معه.. أما إذا امتحن للشيء، واختير له، فإن ذلك يعني أنه أهل لهذا االمتحان، وخاصة إذا كان المتخير له، هو الحكيم العليم، رب

﴿الذmين امتحن الله قلوبهمالعالمين.. ولهذا، فإن قوله تعالى: ﴿ هو خبر لقوله تعالى: لmلتقوى ند﴾ mون أصواتهم ع إmن الذmين يغض

mالله mبمعنى أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم منرسول ﴾ أهل التقوى.. فهذا هو حكمهم عند الله.

.310، ص 18تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج 1.310، ص 18تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج 2

58

رة وأجر عظmيم﴿- وقوله تعالى: mغف ﴿ خبر ثان لقوله تعالى: لهم م إmن﴾mالله mند رسول mون أصواتهم ع ﴾ بمعنى أنهم أهل التقوى،الذmين يغض

وأنهم مجزيون من الله سبحانه وتعالى بالمغفرة واألجر العظيم.

قال بعض المفسرين:.. وفي التعبير عن خفض الصوت بالغض الذي هو من شأن النظر، إذ يقال غض فالن بصره وال يقال غض صوته - في هذا التعبير إعجاز من إعجاز النظم القرآني، الذي تحمله كلمات الله متحدية

الجن واإلنس جميعا. ذلك أن خفض الصوت إنما يكون عن مشاعر الحياء، التي من شأنها أن تنكسر معها حدة البصر، فال يستطيع المرء أن يمأل

عينيه ممن يهابه، ويجله، ويوقره.. فهو إذا نظر غض بصره، وإن هذا الغض من البصر يستولي على مخارج الصوت أيضا، فيحبس الصوت عن أن ينطلق إلى غاياته، بل يكسر حدته، كما كسر حدة النظر.. ففي قوله

ون أصواتهمتعالى: ﴾ إشارة ضمنية إلى غض البصر حياء، وأن﴿يغض سلطان الحياء هو المتحكم في هذا المقام. وهكذا يتسلط الغض على

.1األبصار، واألفواه جميعا

بحث حول اآليةالحبط في القرآن:

إن مراعاة اآلداب في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست مجرد آداب تحسن مراعاتها أو تجب، بل إن عدم مراعاتها وإساءة

األدب في محضره لها آثار على أعمال اإلنسان وهو ما ذكرته اآلية بعنوان: " والحبط أو إحباط العمل يقابل مصطلح آخر وهو التكفير فما"الحبط

معنى الحبط والتكفير؟

.436، ص 13التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب، ج 1 

59

: من المسائل التي تطرح حول عالقةأ- العمل بين الحبط والتقوى اإليمان والعمل الصالح بالسعادة األخروية، وكذلك حول عالقة الكفر والعصيان بالشقاء األبدي، ما يلي: هل أن العالقة بين كل لحظة من

لحظات اإليمان والكفر مع نتيجتها األخروية، وكذلك العالقة بين كل عمل حسن أو سيء مع ثوابه وعقابه، هل هذه العالقة حتمية وثابتة ال تقبل

التغير، أم أنها قابلة للتغير؟ فمن باب المثال: هل من الممكن جبران أثر المعصية بالعمل الصالح؟ وكذلك العكس فهل من الممكن إزالة أثر العمل الصالح بالمعصية؟ وكذلك هل يمكن القول بأن أولئك الذين قضوا شطرا

من عمرهم في الكفر والعصيان، وشطرا آخر في اإليمان والطاعة، سوف يتعرضون للعقاب فترة، وللثواب فترة أخرى، أو أنه يوازن بين أعمالهم

ويجبر أحدهما باآلخر، ونتيجة لذلك يتعين مصير اإلنسان، إما إلى السعادةوإما إلى الشقاء في العالم األبدي الخالد؟ أم أن األمر بشكل آخر؟

ومن﴿وهذه المسألة في واقعها هي مسألة )الحبط والتكفير( قال تعالى: دm الله غفورا mالله يج mر mم نفسه ثم يستغفmيعمل سوءا أو يظل

هm وكان الله mبه على نفس mنما يكسm mثما فإ ب إ mيما * ومن يكس mح رmيئا فقدmبر mهmب mثما ثم يرمm ب خطmيئة أو إ mيما * ومن يكسmيما حكmعل

بmينا mثما م التي بحث فيها ومنذ زمان قديم المتكلمون1﴾احتمل بهتانا وإ من األشاعرة والمعتزلة، ونحن هنا نستعرض رأي الشيعة في هذا المجال

بإيجاز.

: هو سقوط ثواب العمل الصالح بالمعصية المتأخرة،ب- معنى الحبطوالتكفير عكسه أي سقوط الذنوب المتقدمة بالطاعة المتأخرة.

إن مرجع هذه الفكرة هو معرفة مدى التأثير المتبادل بين األعمال الحسنة واألعمال السيئة فهل يمحو أقواهما أضعفهما؟ أم أن كال من أعمال الخير

وأعمال الشر سيحفظ في موضعه دون أن يمحو أحدهما تأثير اآلخرفتكون

، سورة135. وانظر أيضا: السور االتالية: سورة آل عمران، اآلية 112 - 110سورة النساء، اآليات   1.53، سورة الزمر،اآلية 25، سورة الشورى،اآلية 54االنعام،اآلية

60

أعمال الخير وأعمال الشر التي فعلها اإلنسان في الدنيا مشهودة له بأجمعها يوم القيامة بحيث يحصل على الثواب والعقاب في إزاء كل عمل

من تلك األعمال، وعند مراجعة اآلراء المختلفة في هذه االمسألة نجد عدةآراء وهي:

: أعمال الخير وأعمال الشر محفوظة في مواضعها دون أنالرأي األول يؤثر أحدها في اآلخر أدنى تأثير أي ال يمكن أن يكون لهما فعل وانفعال مع

بعضهما.

جميع األعمال لها تأثير على بعضها أي هناك تأثير وتأثرالرأي الثاني: وحبط وتكفير بصورة مستمرة، فإن بقيت آثار األعمال اإليجابية في نهاية المطاف كان اإلنسان من أصحاب الجنة وإن تخلفت آثار األعمال السلبية

صار من أصحاب الجحيم.

القول بوجود تأثير في بعض األعمال حبطا وتكفيرا وفي :الرأي الثالث موارد أخرى ال يوجد حبط وتكفير، وهذا ال يمكن معرفته إال من خالل

مراجعة نصوص الشريعة فالقاعدة األساسية ال حبط وال تكفير فإذا بدرت من اإلنسان أعمال صار لكل منها وجود وأثر في عالم التكوين وفي

النفس، وذلك يقتضي بقاء األعمال وثبوتها وإن أي عمل ال يمكنه دونما دليل إحباط العمل أو تكفيره، وعليه يكون ما ورد في القرآن الكريم

والروايات خروج عن القاعدة المشار إليها فنأخذ بمقدار البيان الشرعيوال نتعدى إلى غيره.

الذنوب الموجبة لحبط األعمال في القرآن وبغض النظر عن النقاشات التي وردت حول هذا البحث فقد ورد في

القرآن الكريم ذنوب متعددة توجب حبط العمل أي من آثارها حبطاألعمال نذكر منها:

﴿ومن يرتدmد مmنكم عن قال الله تعالى: :- االرتداد عن اإلسالم1ر فأولئmك حبmطت أعمالهم فmي الدنيا mفيمت وهو كاف mهmينmد

يها خالmدون mهم ف mك أصحاب النارmوأولئ mرة m1﴾واآلخ.

.217سورة البقرة، اآلية   1

61

فاالرتداد عن الدين يحبط ما سبق وما لحق.واآلية كما هو واضح مشروطة.1بالموت على الكفر أولئك حبطت أعمالهم شرط في اإلحباط الموت

.2هذا يعني أنه إذا لم يمت على الكفر، بل تاب قبل موته لم تحبط أعماله

ما كان لmلمشرmكmين﴿ قال الله تعالى: - الشرك المقارن بالعمل:2م بmالكفرm أولئmك mه mين على أنفسmد mد الله شاه mأن يعمروا مساج

﴾.حبmطت أعمالهم وفmي النارm هم خالmدون

كان المشركون يزعمون أن العمل الصالح بنفسه موجب للثواب، غير أن القرآن ألغى هذه الفكرة، وصرح بأن الثواب إنما يترتب على العمل

mنما﴿الصالح، إذا صدر من فاعل مؤمن، وألجل ذلك أتبع اآلية بقوله: إmر mاآلخ mواليوم mاللهmمن آمن ب mد الله m3﴾يعمر مساج.

﴿إmن الذmين كفروا: قال تعالى: - مجادلة الرسول ومشاقته3سول مmن بعدm ما تبين لهم وا الر وصدوا عن سبmيلm اللهm وشاق

وا الله شيئا وسيحبmط أعمالهم .4﴾الهدى لن يضر

إن هذه العوامل إما هي عوامل مستقلة في اإلحباط أي الكفر والصد عن سبيل الله تعالى ومشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإما هي

ترجع إلى عامل واحد وهو الكفر.

وفي بعض الروايات فسر معنى المشاقة بما نقل عن أمير المؤمنين عليه " أي قطعوه في أهل بيته بعد أخذه الميثاقوشاقوا الرسولالسالم: ".5عليهم له

إmن الذmين﴿ قال تعالى: - قتل اآلمرين بالقسط من الناس:4 يكفرون بmآياتm اللهm ويقتلون النبmيين بmغيرm حق ويقتلون الذmين

ن mم mسط mالقmيأمرون ب

.279، ص1راجع: منتهى المطلب، جمال الدين الحسن بن يوسف الحلي، ج 1، ص2راجع: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية،، زين الدين الجبعي العاملي )الشهيد الثاني(، ج 2

175. .18سورة التوبة،اآلية 3.32سورة محمد،اآلية   4.164، ص30بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 5

62

رهم بmعذاب ألmيم * أولئmك الذmين حبmطت أعمالهم فmي الناسm فبشرmين mوما لهم من ناص mرة m1﴾الدنيا واآلخ.

قال الله- إساءة األدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:5 يا أيها الذmين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوتm النبmي﴿تعالى:

كم لmبعض أن تحبط أعمالكم mبعض mكجهر mالقولmوال تجهروا له ب . 2﴾وأنتم ال تشعرون

قد يفهم أن رفع الصوت ليس عامال مستقال في اإلحباط وبالتالي يكشف عن كفر الذين يرفعون أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وآله وسلم ألن

اآلية تخاطبهم بـ يا أيها الذين آمنوا والتي ال يفهم منها شأنية اإليمان بلفعليته.

فالذي يوجب إحباط العمل هو اإلساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تعتبر هتكا في نظر العامة وتنزيال من شأنه صلى الله عليه وآله وسلم في أوساط المسلمين، كما هو الظاهر، من أسباب النزول

التي ذكرت لآلية الكريمة.

الذنوب الموجبة لحبط األعمال في السنة: إن ما تقدم هي األعمال التي توجب الحبط حسبما ذكر في القرآن

الكريم وإذا راجعنا الروايات الشريفة فنجد مجموعة من األعمال موجبة للحبط أيضا منها: عقوق الوالدين، الحسد، عدم إطاعة حاكم الشرع، ظلم

.3المستضعفين، وغيرها...

اآلثار اإليجابية للتأدب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: هذا كله في جانب إساءة األدب مع رسول الله أما في الجانب اآلخر فإن

امتحن الله قلوبهمالتأدب معه له آثار في الدنيا واآلخرة وأصحابه "" فما معنى هذه الجملة؟لmلتقوى

.22-21سورة آل عمران، اآليتان 1.2سورة الحجرات،اآلية   2 ال بد من لفت النظر أن الكالم هنا عن موجب الحبط ال عن فعليته فلو تحققت التوبة النصوح، فإن  3

ذلك سيؤدي إلى غفران الذنوب وتكفيرها.

63

إذا راجعنا المعاجم اللغوية فكلمة االمتحان من أحد معانيها هو االستعالم، فحين يقال: امتحن الرجل قبل مصاحبته فمعناه هو استعلم حاله لتقف

على واقعه وحقيقة أمره قبل مصاحبته. ولالمتحان وسائل عديدة تختلف باختالف الغرض من االمتحان وتختلف باختالف الممتحن والممتحن. قال

ص ما فmي قلوبmكم﴿تعالى: ولmيبتلmي الله ما فmي صدورmكم ولmيمحmدور . ثم إن استعالم الله عز وجل ليس ألنه لم1﴾والله علmيم بmذاتm الص

يكن عالما بالواقع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل إن الغرض من االمتحان هو إيقاف اإلنسان على واقعه أو إيقاف الناس على واقع هذا

اإلنسان الممتحن. فالله تعالى امتحن هؤالء في أدب التخاطب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنهم من ظهرت جرأته على الله ورسوله ومنهم من ظهرت طاعته لله ورسوله ويبدو من الخطاب أنهم فعال امتحن

الله قلوبهم للتقوى وهم القدوة في التعاطي مع رسول الله.

فالله تعالى يبتلي عباده بأنواع المحن ليتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر، فمن تذكر وصبر استخلصه الله وهداه سواء السبيل، وأنعم عليه بالغفران

وأجور الصابرين، وتومئ اآلية إلى أن الخطاب المهذب واألسلوب الالئق - ولقد قال رسول اللهمن اإليمان، قال اإلمام علي عليه السالم: "

يم إmيمان عبد حتى mصلى الله عليه وآله وسلم - ال يستق mسانه - فمنmيم ل mيم قلبه حتى يستق mيم قلبه - وال يستق mيستق

mماءmن د mم mاحة ي الر mنكم أن يلقى الله تعالى - وهو نق mاستطاع م م فليفعل mه mن أعراض mم mيم اللسانmم - سل mهmين وأموال mمm2"المسل.

وإذا دققنا في اآليات والروايات سنجد أن الطاعة للولي هي االمتحان الذي ابتلي به الجن واإلنس, إلن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تمثل روح وجوهر العبادة وهي حقيقة االمتحان الذي سقط فيه إبليس.

بلة التmي كنت عليها إmال لmنعلم من يتبmع ﴿قال تعالى: mوما جعلنا الق

.154سورة آل عمران، اآلية 1.254نهج البالغة، خطب اإلمام علي عليه السالم )تحقيق صالح(، نصائح للناس، ص  2

64

بيهm وإmن كانت لكبmيرة إmال على mب على عقmمن ينقلmسول م الر . واآلية الكريمة من مالحم اآليات في تبيان حقيقة1﴾الذmين هدى الله

العبادة والقبلة والصالة، حيث بين تعالى أن غاية جعل القبلة السابقة في الصالة هو اتباع الرسول وطاعته، وليحصل التمحيص بين المطيع وبين من

ينقلب على عقبيه، وال يخفى ما لصعوبة هذا االمتحان، حيث تم تبديل القبلة من البيت الحرام إلى بيت المقدس، أي إلى قبلة اليهود والنصارى،

وشرعت بعدما كان البيت الحرام في أوائل البعثة في مكة - هو القبلة، وهو من الخطورة بمكان, حيث إن القبلة في العبادة والدين من النواميس

العظيمة.

وال سيما وأن قبلة البيت الحرام قد توارثتها قريش من ملة إبراهيم وإسماعيل الحنيف، وكان البيت الحرام هو محور النسك والمناسك

المختلفة العبادية في الصالة والطواف والذبائح والقرابين، وتبديل القبلة حينئذ - التي هي معلم رئيس في الدين يدل على مدى موقعية الرسول

وواليته وطاعته في الديانة، وأن الديانة وطريق العبودية لله تعالى هو باتباع وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأن قوام القبلة

والعبادة باتباع الرسول وطاعته، فكانت محنة هذا االمتحان عظيمة جداليتقرر معنى الديانة والدين.

والنتيجة: أن االنقياد والطاعة والتسليم المطلق للرسول صلى الله عليهوآله وسلم وألهل البيت عليهم السالم يجسد روح

وحقيقة العبادة لله تعالى ولذا أي تقدم أو إساءة أدب مع رسول الله هو في الحقيقة خروج عن عبادة الله تعالى وهذا بالدقة االمتحان الذي سقط

فيه إبليس.

الدروس المستفادة األدب الثاني مع النبي صلى الله عليه وآله- التأدب مع القيادة:1

وسلم هو أدبهم معه في الحديث والخطاب, وتوقيرهم له في قلوبهم،توقيرا ينعكس على نبراتهم وأصواتهم, ويميز شخص

.143سورة البقرة، اآلية 1

65

رسول الله بينهم، ويميز مجلسه فيهم, والله يدعوهم إليه بذلك النداء أن تحبط أعمالكم وأنتم ال﴿الحبيب, ويحذرهم من مخالفة ذلك بـ

. ﴾تشعرون

أما مبررات وأسباب األدب مع القيادة فكثيرة فال يشك عاقل من أنه يوجد عدة مبررات لألدب مع القيادة خصوصا القيادة اإللهية، وهنا نشير إلى أهم

تلك المبررات:ألجل مقامها العالي وفضائلها. -ألجل المصلحة العامة. -

فقد تكون القيادة ممن يتصف بصفاتأما فيما يرجع إلى األول: مكارم األخالق كما في األنبياء واألئمة واألولياء عليهم السالم وحينئذ فإن

من األمور الطبيعية أن من له الصفات الخيرة ويمتلك الملكات العالية الفاضلة من العلم والشجاعة والسخاء والتقوى وبقية مكارم األخالق فإن

مثل هؤالء األشخاص يجب أن يقدروا ويحترموا لفضائلهم ومواصفاتهم ويدل على ذلك العقل قبل النقل وأن النفس تميل وتحترم صاحب الخلق

الحسن.

: فال يخفى على العاقل اللبيب ما للترابطوأما فيما يرجع إلى الثانية الوثيق المهم بين القيادة على تعدد أصنافها وبين األمة على اختالف قوتها وضعفها وتقدمها وتأخرها وحاجة األمة إلى القيادة الواعية التي تسهر على

مصالح األمة وقيادتها إلى شاطئ األمان، وحاجة القيادة لألمة الواعية المنقادة لها وتكون رهن إشارتها، وبما أن مصالح األمة مرهونة ومربوطة،

بقوة القيادة وحنكتها وتماسكها مع األمة، واستجابة األمة لها والسمع والطاعة لها في مختلف الميادين وأن مثل هذه األمور ال تتم إال باحترام

القاعدة الشعبية من األمة لتلك القيادة وتقديرها والتأدب معها.

66

وينقسم المجتمع حسب مفهوم اآلية إلى ثالث فئات: فئة الملتزمين والمؤدبين مع الله ورسوله ومن اقتدى بهم فهؤالءاألولى:

رة وأجر عظmيم﴿قد مدحهم القرآن mغف ﴾. وهؤالء هم الذين امتحنلهم مالله قلوبهم للتقوى.

: فئة الذين لم يراعوا آداب العالقة مع رسول الله صلى الله عليهالثانية وآله وسلم بل أساءوا األدب معه في حياته وبعد مماته فهوالء ذمهم

القرآن الكريم وهم من الذين أحبط الله تعالى أعمالهم.

: فئة مسكوت عنها، وتأخذ الحكم المناسب حسب مراعاتها أوالثالثةعدم مراعاتها لآلداب مع الله ورسوله.

- مراعاة اآلداب اللحظية واآلنية ال يدل على عمق التقوى بل ال بد من2 االستمرار في اآلداب مع الله تعالى ورسوله، ألن الله تعالى يقول:

ون أصواتهم﴿ ﴾ وهي فعل مضارع يدل على الدوام واالستمراريةيغضبلحاظ الزمان ويشمل حال حياته وما بعد مماته.

- الهدوء بالخطاب ونبرات الصوت بشكل عام هو أدب ينبغي مراعاته في3 كل كالم، ألنه يؤثر على قيمة الكالم والمتكلم ألن الهدوء في الكالم

ينعكس على شخصية المخاطب فيؤثر في فهم المخاطب، وهناك بعض موارد االستثناء تحدد بحسبها كالحرب وإظهار القوة وإرعاب العدو وما

شابه ذلك ولكن يبقى األساس هو الهدوء والرزانة في الكالم.

- إن التقوى واإليمان ال تالزم االمتناع والعصمة عن المعصية - نعم بعض4 مراتب التقوى تالزم ذلك كالمرتبة المختصة بالمعصوم وهي خارجة عن مورد اآلية-ولكن هؤالء لو ارتكبوا ذنبا فإنهم سرعان ما يتوبون ويرجعون

رة﴿إلى الله تعالى: mغف ﴾.لهم م

67

رة﴿- في اآليات القرآنية أينما وردت لفظة 5 mغف ﴿ وم ﴾ تكونوأجر﴾ المغفرة سابقة لألجر، ألن اإلنسان إذا لم يتطهر من ذنوبه ال يمكن أن

يكون موردا للعناية والرحمة اإللهية المتمثلة باألجر، وهذا يؤكد على فكرة أهمية التوبة وديمومتها في كل األعمال حتى ال تكون ذنوبنا من موانع

تلقي الرحمة والفيض اإللهي.

68

للمطالعة

رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اإلمام العسكري عليه السالم: "قال موسى بن جعفر عليهما السالم:

إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة كثر حوله المهاجرون واألنصار، وكثرت عليه المسائل، وكانوا يخاطبونه بالخطاب

يا أيها﴿الشريف العظيم الذي يليق به، وذلك أن الله تعالى كان قال لهم: الذmين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوتm النبmي وال تجهروا له

كم لmبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال mبعض mكجهر mالقولmب ﴾.تشعرون

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم رحيما، وعليهم عطوفا، وفي إزالة اآلثام عنهم مجتهدا، حتى أنه كان ينظر إلى كل من كان يخاطبه فيعمد على أن يكون صوته صلى الله عليه وآله وسلم مرتفعا على صوته، ليزيل عنه ما توعده الله به من إحباط أعماله، حتى أن رجال أعرابيا ناداه

يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه بأرفع من صوته،يريد أن ال يأثم األعرابي بارتفاع صوته.

فقال له األعرابي: أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أخا العرب، إن بابها مفتوح البن آدم، ال ينسد حتى تطلع الشمس من مغربها وذلك قوله عز وجل:

هل ينظرون إmال أن تأتmيهم المآلئmكة أو يأتmي ربك أو يأتmي بعض﴿mوهو طلوع الشمس من مغربها ال ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت1﴾آيات

.2من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا

.2سورة االنعام، اآلية 1.298، ص 1البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني، ج 2

69

70

الدرس الثالث: إلتزام األدب عالمة العقل

مفاهيم محورية: - آداب المعاملة وأثره في بناء منظومة العالقات االجتماعية.

- وحدة األصل اإلنساني.- اتساع مفهوم األدب لجميع العالقات اإلنسانية.

- فرق األدب عن األخالق.- األدب اإللهي.

- الدروس المستفادة من اآليتين الرابعة والخامسة. - آداب التعامل مع القيادة والتربية األخالقية للمجتمع.

 

71

72

النص القرآني إmن الذmين ينادونك مmن وراء الحجراتm أكثرهم ال﴿قال الله تعالى:

لون mيعق.﴾

تمهيد قال بعض الملوك لبعض وزرائه: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال فإن عدمه، قال: أدب يتحلى به، قال: فإن عدمه، قال مال يستتر

.1به، قال: فإن عدمه، قال: صاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبالد

عندما نسأل ما خير ما يرزقه العبد في هذه الدنيا ويكون دليله على اآلخرة؟ سيكون الجواب حتما هو العقل، العقل تلك القوة النورانية التي

أودعها الله تعالى في عباده والتي تهديهم إلى الخير والصالح وتنير لهم ظلمات دربهم في الحياة تلك الحياة المعبدة بكثير من المتاهات

والتعرجات الحادة التي ال تدع ألحد موطىء قدم على اإلطالق، فالعقل هو البوصلة الحقيقية التي يهتدي بها اإلنسان.وعليه ال يمكن أن نتصور حياة

المرء بدون عقل راجح.  

.188، ص 18شرح نهج البالغة، ابن أبي الحديد، ج 1

73

واآلية الكريمة هي استمرار لموضوع اآلداب الذي نزلت سورة الحجرات من أجل إرسائه في المجتمع، وهذه اآلية هي أدب من اآلداب االجتماعية

مع القيادة اإللهية، وهي من اآلداب االجتماعية المهمة في عالقة الناس معم لكان﴿وقوله تعالى: بعضهم. mليهm ولو أنهم صبروا حتى تخرج إ

﴾خيرا لهم... أي حتى يخرج إليهم بطبعه واختياره، لكان الصبر أدبا وتعظيما لشأنه صلوات الله عليه وآله، فيثابون لذلك ويؤجرون. وهذه هي

حقيقة الخير الذي هو مفيد لهم في دنياهم ألنهم يوصفون فيها بالعقلواألدب، وفي آخرتهم بنيل الثواب الجزيل.

شرح مفردات اآلية: mوهي القطعة من األرض"والحجرات جمع حجرة الحجرات ."

المحجورة بحائط يحوط عليها. ولذلك يقال لحظيرة اإلبل: حجرة. وهي فعلة بمعنى مفعول، كالغرفة والقبضة. والمراد حجرات نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت لكل منهن حجرة. ومناداتهم من ورائها بأنهم

أتوها حجرة فنادوه من ورائها. أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له،.1فأسند فعل األبعاض إلى الكل

المعنى التفصيليفي هذه اآلية عدة نقاط:

- تشير إلى جهل أولئك الذين يجعلون أمر الله وراء ظهورهم، وعدم ﴿إmن الذmين ينادونك مmن وراء الحجراتm أكثرهم التعقلهم فتقول:

لون mفأي عقل يدفع اإلنسان إلى أن ينادي برفيع صوته أمام أعظم ﴾يعق سفير إلهي فال يلتفت الى آداب النداء كما فعلت قبيلة بني تميم، فنادت

النبي بصوت مزعج يا محمد يا محمد أخرج إلينا، وهو مركز المحبة والعطف اإللهي؟! وأساسا كلما ترقى عقل اإلنسان زيد في أدبه فيعرف

القيم األخالقية بصورة أحسن.  

.414، ص 6 زبدة التفاسير، فتح الله الكاشاني، ج 1 

74

ومن هنا فإن إساءة األدب دليل على عدم العقل، أو بتعبير آخر إن إساءةاألدب عمل الحيوان، أما األدب أو رعاية األدب فهو من عمل اإلنسان.

- اآلية استخدمت تعبير النداء دون أي لفظ آخر كالدعوى وما شابه ذلك، ألن النداء فيه خصوصية غير موجودة في الكلمات القريبة من النداء، فهو

.1كالم يقتضي استمرار الخطاب ولو بزمان قليل، بخالف مطلق الدعوة

- وراء الحجرات: من خارجها خلفها أو قدامها على أن وراء من المواراة واالستتار فما استتر عنك فهو وراء خلفا كان أو قداما إذا لم تره فإذا رأيته

ال يكون وراءك، فالوراء بالنسبة إلى من في الحجرات ما كان خارجها لتواريه عمن فيها. والحجرات جمع حجرة على وزن فعلة بضم الفاء وسكون العين وهي القطعة من األرض المحجورة أي الممنوعة عن

الدخول فيها بحائط والمراد هنا حجرات نسائه صلى الله عليه وآله وسلم.

في لغة العرب يطلق أحيانا بمعنى"األكثر"- جملة )أكثرهم ال يعقلون( الجميع، وإنما استعمل هذا اللفظ رعاية لالحتياط في األدب حتى لو أن

واحدا أستثني من الشمول ال يضيع حقه عند التعبير باألكثر، فكأن الله يريد أن يقول: إني أنا الله الذي أحطت بكل شيء علما، عند الكالم على مثل

هذه األمور أراعي األدب في ذلك فعالم ال تراعون في كالمكم هذه الناحية؟! أو ألنه يوجد فيهم أناس يعقلون حقا، ولعادة الناس وعدم

التفاتهم في رفع الصوت يريد القرآن أن يحذرهم بهذا األسلوب أن ال . يقول2ينسوا األدب وأن يستعملوا عقولهم وأفكارهم عند الكالم...

"واإلخبار عن أكثرهم بأنهم ال يعقلون: يحتمل أنالزمخشري: يكون فيهم من قصد بالمحاشاة. ويحتمل أن يكون الحكم بقلة

 

.72، ص 12ينظر: التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 1.515، ص 16 األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 2

75

العقالء فيهم قصدا إلى نفي أن يكون فيهم من يعقل، فإن. 1القلة تقع موقع النفي في كالمهم"

-﴿: م mليهm لو حرف شرط واذا دخلت﴾ولو أنهم صبروا حتى تخرج إ على الفعل الماضي أفادت امتناع الشرط المتناع الجزاء. والصبر حبس

النفس عن أن تنازع إلى هواها.

م﴿ mليهm ﴾ هل من فرق بين حتى تخرج وإلى أن تخرج؟حتى تخرج إ مختصة بالغاية المضروبة. تقول: أكلت السمكة حتى"حتى" الجواب: إن

" عامة في كلإلىرأسها، ولو قلت: حتى نصفها، أو صدرها: لم يجز، و" بوضعها: أن خروج رسول الله صلى الله عليه"حتى"غاية، فقد أفادت

 وآله وسلم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم، فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون االنتهاء إليه. فإن قلت: فأي فائدة في قوله إليهم؟ قلت: فيه أنه لو

خرج ولم يكن خروجه إليهم وألجلهم، للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن إما ضمير فاعل الفعل المضمر"كان"خروجه إليهم، لكان خيرا لهم في

بعد لو، وإما ضمير مصدر صبروا، كقولهم: من كذب كان شرا له والله غفور رحيم بليغ الغفران والرحمة واسعهما، فلن يضيق غفرانه ورحمته

.2عن هؤالء إن تابوا وأنابوا

- مجيء اآلية على النمط الذي وردت عليه فيه ما ال يخفى على الناظر،من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإجالله.

: مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به بالسفه والجهل لمامنهاأقدموا عليه.

لفظ الحجرات، وإيقاعها كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعضومنها:نسائه.

 

،4الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، ج 1.357ص

)م.ن(. 2

76

ومنها: المرور على لفظها باالقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم. يعني: لم يصف الحجرات بأنها موضع خلوة ومقيل، بل اقتصر على

الحجرات.

التعريف بالالم دون اإلضافة.ومنها:

أن شفع ذمهم في خاتمة اآلية باستجفائهم، واستدراك عقولهم،ومنها:ة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات، تهوينا للخطب على رسول وقل

الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتسلية له، وإماطة لما تداخله من إيحاشسوء أدبهم.

وهلم جرا من أول السورة إلى آخر هذه اآلية. فتأمل كيف ابتدأ بإيجاب أنها، من تي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على األمور كل تكون األمور ال غير حصر وال تقييد. ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم، من

رفع الصوت والجهر، كأن األول بساط للثاني ووطاء لذكره. ثم ذكر ما هوذين تحاموا ذلك فغضوا أصواتهم، داللة على عظيم موقعه عند ثناء على ال الله. ثم جيء على عقب ذلك بما هو أطم وهجنته أتم، من الصياح برسول الله في حال خلوته ببعض حرماته من وراء الجدر، كما يصاح بأهون الناس

قدرا، لينبه على فظاعة ما أجروا إليه وجسروا عليه، ألن من رفع اللهة المهاجرين واألنصار بأخي قدره عن أن يجهر له بالقول، حتى خاطبه جل

السرار، كان صنيع هؤالء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغا. ومنهذا وأمثاله يقتطف ثمر األلباب، وتقتبس محاسن اآلداب.

﴾ في محل الرفع علىولو أنهم صبروا﴿ثم أدبهم الله تعالى بقوله: وإن دلت بما في حيزها"أن"الفاعلية، ألن المعنى: ولو ثبت صبرهم، فإن

على المصدر، دلت بنفسها على الثبوت، ولذلك وجب إضمار الفعل. واصبmر﴿والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها. قال الله تعالى:

﴾. وهاهنا المفعول محذوف. والتقدير:نفسك مع الذmين يدعون ربهم ولو ثبت حبسهم أنفسهم عما تنازع إلى هواها من المناداة وراء الحجرات

م﴿ mليهm ﴾ أي: الصبر مغيا بخروجه. حتى تخرج إ 

77

﴾ من االستعجال، لما فيه من حفظ األدب﴿خيرا لهم- )لكان( الصبر وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب، واإلسعاف بالمسؤول، إذ روي أنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر كما مر، فأطلق النصف وفادى

هم بغير فداء. النصف، فلو أنهم صبروا ألطلق كل

يم﴿-   mح ﴾ بليغ الغفران والرحمة، حيث اقتصر على النصحوالله غفور ر والتقريع لهؤالء المسيئين لألدب، التاركين تعظيم الرسول صلى الله عليه

.1وآله وسلم، فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤالء إن تابوا وأنابوا

بحث حول اآلية:آداب المعاملة وأثره في بناء منظومة العالقات االجتماعية:

"سورة اآلداب واألخالقإن سورة الحجرات كما تقدم اشتهرت باسم " لما تضمنته من آداب راقية، وأخالق سامية في التعامل مع أفراد المجتمع.

ولذا نجد اإلسالم اهتم اهتماما كبيرا بمسألة رعاية األدب، والتعامل معاآلخرين مقرونا باالحترام واألدب سواء مع الفرد أم الجماعة.

فإننا حين نقرأ تأريخ حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واألئمة عليهم السالم ونمعن النظر فيها نالحظ أنهم يراعون أهم النقاط الحساسة

واللطائف الدقيقة في األخالق واآلداب حتى مع األناس البسطاء، وأساسا فإن الدين مجموعة من اآلداب، األدب بين يدي الله واألدب بين يدي

الرسول واألئمة المعصومين، واألدب بين يدي األستاذ والمعلم، أو األب واألم والعالم والمفكر...ولذا ينبغي من باب المقدمة شرح مبسط لمفهوم

اآلداب وأهميتها في الحياة االجتماعية وذلك لكون آيات السورة المباركةتدور حول هذا الموضوع.

 

.416 -415، ص 6زبدة التفاسير، فتح الله الكاشاني، ج 1

78

- معنى األدب:1 إن األدب له معنى عاما وجامعا ألنواعه المختلفة من آداب الكالم، وآداب 

المشي، واألكل، والنوم، إلى آخره... واألدب بهذا المعنى خلق عام يتناول كثيرا من التصرفات والسلوكيات، إال أنه أفضل وأكثر ما يكون في

الخطاب.

الخطاب الذي هو واسطة التفاهم والتعارف بين الناس، ألن اإلنسان مدني بطبعه، وال يمكنه أن يعيش منعزال عن اآلخرين، وال يستغني عن إقامة

العالقات معهم ومحادثتهم في شؤون الحياة. فمن خالل الخطاب والكالم تحدد معالم شخصية اإلنسان، ويكشف عن مكنوناتها، والساكت مجهول

ر عن نفسه، وأبان عن شخصيته. الهوية، فإذا تكلم عب

ولذا الكلمات التي ينطق بها اإلنسان تسطر وتكتب عليه، ويراها فيظ مmن قول إmال لديهmصحائف أعماله يوم القيامة. قال تعالى: mما يلف﴿

يب عتmيد mفالقرآن الكريم يقرر مبدأ محاسبة اإلنسان على كل قول1﴾رق . ينطق به.

وقد عني القرآن الكريم بأدب الخطاب، فالناظر في سوره وآياته، يجده شديد الحرص على األسلوب الذي يؤدى به الكالم، والطريقة التي يطرح

ه كثيرا ما يوجه نحو الكلمة الطيبة والقول الحسن في بها، ويجد أنى. مناسبات شت

لم تر كيف ضرب الله مثال كلmمة طيبة كشجرة طيبة﴿قال تعالى: mذنmإmين ب mي أكلها كل حmماء * تؤت أصلها ثابmت وفرعها فmي الس

رون * ومثل كلmمة ربها ويضرmب الله األمثال لmلناسm لعلهم يتذك خبmيثة كشجرة خبmيثة اجتثت مmن فوقm األرضm ما لها مmن قرار *

يثبت الله الذmين آمنوا بmالقولm الثابmتm فmي الحياةm الدنيا وفmيين ويفعل الله ما يشاء mمmل الله الظال mويض mرة m2﴾اآلخ.

 

.18سورة ق، اآلية 1.27 - 24سورة ابراهيم، اآليات 2

79

فالكلمة الطيبة نفحة روحانية تصل ما بين القلوب وتربطها برباط المودة والتآلف. أما الكلمة الخبيثة فهي معول للهدم والتفريق، يعمل تخريبا في

أوصال المجتمع فيهد كيانه. والكلمة الطيبة تزهر في النفس لتتفتح بأجمل أزهار الخير والحب التي يعبق شذاها فواحا في كل زمان ومكان. والكلمة

الخبيثة نتنة الرائحة، تصدر عن بؤر نفسية عفنة.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ما أثمره القول اللين من نجاح دعوة النبي فبmما﴿محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتأثيرها في الناس. قال تعالى:

وا ن اللهm لmنت لهم ولو كنت فظا غلmيظ القلبm النفض رحمة من حولmك mلم يكن فظا, . فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 1﴾م

خشن الكالم، ولم يكن غليظ القلب, أي قاسيه وشديده. بل كان صلى اللهفق يحرم عليه وآله وسلم رفيقا داعيا إلى الرفق، فقال: من يحرم الر

الخير.

- وحدة األصل اإلنساني:2 وإذا رجعنا إلى بينات سورة الحجرات وغيرها من السور المباركة نجد أنها

يا﴿تؤكد وحدة األصل اإلنساني، فكثيرا ما تتكرر في القرآن صيغ النداء بـ ﴾، مما يشير إلى أن الله سبحانه كرم هذا﴿يا بنmي آدمو ﴾أيها الناس

اإلنسان وفضله على كثير من خلقه، معلنا بذلك مبدأ المساواة بين البشر،فال فضل لجنس على آخر باعتبار اللون والعنصر والنشأة.

وفي سورة الحجرات بين لنا نقطة أخرى في تحديده لوحدة األصلعت عنه الشعوب والقبائل واألمم، وأن اإلنساني وهو أن هذا األصل تفر

الهدف من هذا التنوع بين الناس هو التواصل والتفاهم والتعارف فيماmنا خلقناكم من ذكر وأنثى :بينهم. قال تعالى ﴿يا أيها الناس إ

ند اللهm أتقاكم mن أكرمكم عmتعارفوا إmل لmوجعلناكم شعوبا وقبائ .2﴾إmن الله علmيم خبmير

.159سورة آل عمران، اآلية 1.13سورة الحجرات، اآلية 2

80

فاألصل في دين اإلسالم أنه دين تجمع وألفة، ال دين عزلة وفرار من تكاليف الحياة، ولم يأت القرآن ليدعو المسلمين إلى االنقطاع في دير، أو

العبادة في صومعة، بعيدا عن مشاكل الحياة ومتطلباتها. بل إن نزعة. 1التعرف إلى الناس واالختالط بهم أصيلة في تعاليم هذا الدين

فقد بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن الفضل لمن خالطف عليهم ولم يتقوقع على نفسه، وذلك في قوله: " المؤمناآلخرين وتعر

الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي.2"ال يخالط الناس وال يصبر على أذاهم

- اتساع مفهوم األدب لجميع العالقات اإلنسانية:3 والحقيقة أن أدب التعامل مع اآلخرين لـه مفهوم شامل، يتسع اتساع

العالقات اإلنسانية بين بني البشر. والروابط التي تجمع بين الناس كثيرة، فمن رابطة الدم، إلى رابطة الفكرة والمبدأ، ورابطة العمل والوظيفة، ورابطة الصداقة والصحبة، ورابطة الجنس والعرق، والرابطة التجارية

واالقتصادية، ورابطة العقيدة التي تعد من أقوى الروابط وأمتنها. ولكن قوة رابطة العقيدة، ال تعني أن أدب التعامل مع اآلخرين ال يدور إال في

نطاقها، وال يشمل التعامل مع أصحاب العقائد األخرى من غير المسلمين،ها. بل إن أدب التعامل يتسع ليشمل اإلنسانية كل

وال بد لنا في هذا السياق من التفريق بين أدب التعامل مع اآلخرين وبين الوالء لهم. فإن الوالء للقيادة الربانية وللمسلمين مختلف عن اآلداب مع

اآلخرين. فالتبرؤ من أعداء الله ال يعني اإلساءة في معاملتهم، أو أكل حقوقهم، أو سبهم والفحش معهم في القول، أو عدم مالطفتهم. فالوالء

هو سلوك الباطن، والمحبة القلبية، وما يترتب على ذلك من نصرة وإعانةوانقياد للقائد، ومن هنا تكون اآلداب أهم وأعظم

 

.172ينظر: خلق المسلم، محمد الغزالي، ص 1.337مشكاة األنوار في غرر األخبار، علي الطبرسي، الفصل الثاني: في آداب المعاشرة، ص 2

81

في من يربطني بيني وبينهم عالقة الوالء فكيف اذا كان هذا الشخص هو الرسول األعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي تجب طاعته واالنقياد له بالمطلق وبأعلى الدرجات المتصورة فينبغي أن تكون اآلداب في العالقةمعه بأعلى الدرجات الممكنه أما عكسها فهو دليل حقيقي على الالعقل.

فالتعامل الحسن, هو سلوك الجوارح والعالقة الظاهرية ويكون مع كل البشر. أما الوالء فهو بين المسلمين خاصة. ولعل ما ورد في سورة

الممتحنة، هو من أوضح اآليات التي تميز بين الوالء وبين البر وحسن ﴿ال ينهاكم الله عنm الذmين لم يقاتmلوكم فmيالتعامل، يقول تعالى:

م mليهm طوا إ mوهم وتقس الدينm ولم يخرmجوكم من دmيارmكم أن تبرطmين * mب المقسmن الله يحmين قاتلوكم إmالذ mنما ينهاكم الله عنm إ

كم أن mخراجm فmي الدينm وأخرجوكم من دmيارmكم وظاهروا على إ.1﴾تولوهم ومن يتولهم فأولئmك هم الظالmمون

وعلى كل حال هناك تعاريف متعددة لألدب فهو ما يتولد من صفاء القلب وحضوره. أو كما عند بعضهم هو مجالسة الخلق على بساط الصدق

.2ومطالعة الحقايق بقطع العاليق. أو هو وضع األشياء موضعها

وعرفه العالمة الطباطبائي رضوان الله عليه بأنه: الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليه الفعل المشروع إما في الدين أو عند العقالء في

مجتمعهم كآداب الدعاء وآداب مالقاة األصدقاء.

وال يكون إال في األمور المشروعة غير الممنوعة، فال أدب في الظلم والخيانة والكذب وال أدب في األعمال الشنيعة والقبيحة، وال يتحقق أيضا إال في األفعال االختيارية التي لها هيئات مختلفة فوق الواحدة حتى يكون

بعضها متلبسا باألدب دون بعض، كأدب األكل مثال في اإلسالم، وهو أن يبدأفيه باسم الله ويختم بحمد

 

.9- 8سورة الممتحنة، اآليتان: 1.292، ص 1راجع، شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني، ج 2 

82

الله ويأكل دون الشبع إلى غير ذلك، وأدب الجلوس في الصالة، وهو التورك على طمأنينة ووضع الكفين على الوركين فوق الركبتين والنظر

إلى حجره ونحو ذلك.

وإذا كان األدب هو الهيئة الحسنة في األفعال االختيارية والحسن وإن كان بحسب أصل معناه وهو الموافقة لغرض الحياة مما ال يختلف فيه أنظار المجتمعات، لكنه بحسب مصاديقه مما يقع فيه أشد الخالف، وبحسب اختالف األقوام واألمم واألديان والمذاهب وحتى المجتمعات الصغيرة

المنزلية وغيرها في تشخيص الحسن والقبح يقع االختالف بينهم في آداباألفعال.

- فرق اآلداب عن األخالق:4 اآلداب ليست هي األخالق، فاألخالق هي الملكات الراسخة التي تتلبس بها

النفوس، واآلداب هي هيئات حسنة مختلفة تتلبس بها األعمال الصادرةعن اإلنسان عن صفات مختلفة نفسية، وبين األمرين بون بعيد.

فاآلداب من منشئات األخالق، واألخالق من مقتضيات االجتماع بخصوصه بحسب غايته الخاصة. فالغاية المطلوبة لإلنسان في حياته هي التي

تشخص أدبه في أعماله، وترسم لنفسه خطا ال يتعداه إذا أتى بعمل فيمسير حياته والتقرب من غايته.

 

83

- األدب اإللهي:5 وإذ كان األدب يتبع في خصوصيته الغاية المطلوبة في الحياة فاألدب

اإللهي الذي أدب الله سبحانه به أنبياءه ورسله عليهم السالم هو الهيئة الحسنة في األعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته، وهو العبودية

على اختالف األديان الحقة بحسب كثرة موادها وقلتها وبحسب مراتبها فيالكمال والرقي.

واإلسالم لما كان من شأنه التعرض لجميع جهات الحياة اإلنسانية بحيث ال يشذ عنه شيء من شؤونها يسير أو خطير دقيق أو جليل فلذلك وسع

الحياة أدبا، ورسم في كل عمل هيئة حسنة تحاكي غايته.

وليس له غاية عامة إال توحيد الله سبحانه في مرحلتي االعتقاد والعملجميعا، أي أن يعتقد اإلنسان أن له إلها هو الذي

منه بدأ كل شيء وإليه يعود كل شيء، له األسماء الحسنى واألمثال العليا، ثم يجري في الحياة ويعيش بأعمال تحاكي بنفسها عبوديته وعبودية كل

شيء عنده لله الحق عز اسمه، وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره، وتظهر العبودية المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهورا ال

ستر عليه وال حجاب يغطيه. فاألدب اإللهي - أو أدب النبوة - هي هيئة.1التوحيد في الفعل

. ومعنى2""اآلداب حلل مجددةيقول اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم: "اى ال يبلى، بل يزدادكالمه عليه السالم أن اآلداب حلل مجددة

بكثرة التجارب والممارسة كل وقت جدة. وعنى باآلداب هاهنا.3"آداب الشرع التى هي مكارم االخالق

والمحصل من كالمه كما أن الشخص يتزين بالحلل كذلك يتزين باآلدابمثل العلم وما يتبعه من حسن المجاورة والمعاشرة وأمثالها.

الدروس المستفادة من اآليتين الرابعة والخامسة. الذmين ينادونك..﴿- العمل باألدب عالمة العقل، 1 لون mال يعق﴾

- إن سوء األدب في التعامل مع القادة اإللهيين هو مورد ذم من قبل الله2.تعالى: لون mين ينادونك... ال يعقmالذ﴾ ﴿

- إن البيت واألسرة لهم حرمتهم الخاصة وال يحق ألحد انتهاكها حتى ولو3 برفع الصوت من خارج البيت فكيف إذا كانت هذه البيوت بيوت األنبياء

لونعليهم السالم. mأكثرهم ال يعق mن وراء الحجراتmينادونك م﴿.﴾ 

، كالم في معنى األدب، وهو بحث تفصيلي حول6ينظر: تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج 1.297- 256األدب الذي أدب الله به أنبياءه ورسله عليهم السالم ويقع في عدة فصول، ص

.40عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 2.399معارج نهج البالغة، علي بن زيد البيهقي، ص 3

84

- ينبغي احترام أوقات الخلوة والراحة لآلخرين. فالنبي صلى الله عليه4 وآله وسلم يحتاج إلى أوقات للراحة والهدوء وينبغي على اآلخرين احترام

﴾.ولو أنهم صبروا﴿هذه الخصوصيات.

- إن المسؤولية االجتماعية مهما تعاظمت ال ينبغي أن تضعف االهتمام5م﴿باألسرة. mليهm ﴾.صبروا حتى تخرج إ

- ينبغي علينا أن ال نيأس من معالجة األشخاص الذين يسيؤون األدب مع6 اآلخرين. ألن الله تعالى مع كل تقريعه وتوبيخه للذين أساءوا األدب معر في رسوله طرح إمكانية المغفرة والرحمة لهم وهذا قد يؤدي إلى تغي

سلوكهم، وهذا األمر ينبغي أن نضعه في الحسبان عندما نقوم بتأديبيم﴿اآلخرين. mح ﴾.ولو أنهم صبروا ... والله غفور ر

(:5-1رسالة اآليات ) إن ما يجب علينا القيام به هو أن نربط هذه اآليات بواقعنا المعاصر فما

أحوجنا إلى التخلق بهذه اآلداب، فال نقع بما يخالف هذه اآلداب العظيمة، بأن نسستهزء بسنته وتعاليمه الشريفة أو ال نتمسك بها، ألن حقيقة تجسيد األدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته أو بعد مماته هو

في التمسك بسنته الشريفة والتمسك بالثقلين وهما القرآن الكريم والعترة الطاهرة وبذلك نكون قد حققنا المقطع األول من سورة

الحجرات.

 

85

للمطالعة

المقدسات في المفهوم اإلسالمي اآلية الكريمة تبين أحد أبرز المقدسات عند المسلمين وهي شخصية الرسول األكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعندما نتحدث عن

المقدسات فنحن نتحدث عن أمور لها آداب تعاطي خاصة تفرضها طبيعتها المقدسة ومصطلح المقدسات الدينية مصطلح واسع، ويتضمن كل من الشخصيات اإللهية العظيمة كاألنبياء عليهم السالم، واألماكن المقدسة، كالمساجد، ومراقد األنبياء واألئمة المعصومين عليهم السالم، واألشياء

المقدسة كالقرآن الكريم واألوقات الزمنية الخاصة وغيرها. وإن انتهاك حرمة المقدسات الدينية واإلساءة اليها لها أبعادها الوسيعة الخاصة بها

أيضا.

إن جذور القداسة في المفهوم القرآني تنطلق من قرب الشيء إلى الله تعالى فكلما كان الشيء إلى الله أقرب كانت قداسته أشد وأعظم وهذا

يفترض احتراما وتعامال خاصا معه، والصورة التي يرسمها القرآن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تظهر أنه أقرب الموجودات إلى الله

تعالى، وعليه فهو أقدس الموجودات بعد الله تعالى بل في كثير من اآليات ومنها اآلية األولى في الحجرات قرنت بين ذاته صلى الله عليه وآله وسلم والذات اإللهية وبما أنه ال تشابه بين الذات اإللهية وأي ذات أخرى بما فيها

الذات النبوية، فهذا يعني الشؤون التي يمثلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت هذه الحيثية هي الحكم فحكمه هو حكم الله، وإن كانت الطاعة فهي طاعة الله تعالى، وهكذا ألنه يمثل الله, فقداسته واحترامه وتوقيره وتبجيله هي من تقديس وتوقير واحترام الله تعالى. وعلى كل

حال المقدسات في اإلسالم متعددة نشير إلى أهمها:

الله تعالى هو أعلى ذات مقدسة في- الذات اإللهية المقدسة:1 التصور القرآني واإلسالمي، بل هو مصدر القداسة كما قلنا والمشركون

كانوا يحاولون دائما مساواة بعض الموجودات بالله تعالى، كما قال تعالى:ين ﴿ mرب العالمmذ نسويكم بmإ

86

. والقرآن الكريم ذكر في كثير من آياته1﴾* وما أضلنا إmال المجرmمون الشريفة التسبيح والتنزيه، وذلك ليعلمنا أنه ينبغي علينا تنزيه الذات اإللهية عن أي عيب ونقص نتصوره بل حتى اسمه تعالى فضال عن ذاته ينبغي لنا

.2﴾﴿سبحm اسم ربك األعلىتنزيهه

آتيناك ولقد﴿ فالله تعالى يصف كتابه بأنه عظيم: - القرآن الكريم:2ن المثانmي والقرآن العظmيم . وهذا يعني أنه ينبغي علينا3﴾سبعا م

mنه لقرآن كرmيم * فmي كmتاب﴿تعظيمه. وفي آية أخرى بأنه كريم: إرون ه إmال المطه وهذا يعني أيضا أنه ينبغي علينا4﴾مكنون * ال يمس

يدmتكريمه. وفي آية ثالثة بأنه مجيد: mالمج mوهذا يعني أنه5﴾﴿ق والقرآن . ينبغي علينا تمجيده.

كاألنبياء واألولياء واألئمة فالعالقة مع هؤالء لهاالقادة اإللهيون: -3 أداب خاصة، ومن أعاظم هؤالء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فله آداب

خاصة قد أشرنا لبعضها، ومن هذه اآلداب التصدق قبل التحدث معه.

إن لإلنسان المؤمن في اإلسالم حرمة وقداسة خاصة عند- المؤمن:4 الله تعالى تفوق حرمة الكعبة ولهذه الحرمة الخاصة أحكام حددتها

الشريعة ومنها ما جاء في سورة الحجرات.

.99- 98سورة الشعراء، اآليتان 1.1سورة األعلى، اآلية 2.87سورة الحجر، اآلية 3.79 - 77سورة الواقعة، اآليات 4.1 سورة ق، اآلية 5

87

88

الدرس الرابع: منهج تلقي األخبار أصول اآلداب االجتماعية

مفاهيم محورية- العبرة بالوثوق بمضمون الخبر.

ن بالنبأ. - هل اآلية مختصة بالنبأ, أي هل يختص وجوب التبي- لماذا تحدثت اآلية عن خصوص الفاسق؟

- الدروس المستفادة اآلية.ن من األخبار وعالقته بالتربية األخالقية للمجتمع اإلسالمي. ت والتبي - التثب

89

90

النص القرآنيق بmنبأ فتبينواقال الله تعالى: mن جاءكم فاسmين آمنوا إmيا أيها الذ﴿

ين mمmحوا على ما فعلتم نادmجهالة فتصبmيبوا قوما ب mأن تص﴾

تمهيد رة على بنية المجتمع، تتحدث هذه اآلية عن أهم اآلداب الجماعية والمؤث

وهو تلقي األنباء واألخبار وتناقلها فيما بينهم، وهنا يجب أن تؤخذ هذه األنباء من مصادرها الموثوق بها وأما إذا كانت من فاسق أو لم تكن مما

يوثق به فال يمكن الركون إليه واألخذ منه. ولذا ينبغي االستقصاء عند نقل يا أيها﴿الخبر. وإذا الحظنا هذه اآلية مع ما تقدم فقد كان النداء األول:

لتقرير جهة القيادة ومصدر التلقي. وكان النداء الثاني﴾الذmين آمنوا لتقرير ما ينبغي من أدب للقيادة وتوقير. وكان هذا وذلك هو األساس

لكافة التوجيهات والتشريعات في السورة. فال بد من وضوح المصدر الذي يتلقى عنه المؤمنون، ومن تقرير مكان القيادة وتوقيرها، لتصبح للتوجيهات

بعد ذلك قيمتها ووزنها وطاعتها. ومن ثم جاء هذا النداء الثالث يبينت للمؤمنين كيف يتلقون األنباء وكيف يتصرفون بها, ويقرر ضرورة التثب

.1من مصدرها

.3341، ص 6ينظر: في ظالل القرآن، سيد قطب، ج 1

91

اآلية خطاب من الله - عز وجل - للمؤمنين بأنه إذا جاءكم فاسق وهو أي بخبر عظيم الشأنبنبأ"الخارج من طاعة الله إلى معصيته "

"أن تصيبوا صدقه من كذبه وال تبادروا إلى العمل بما تضمنه فتبينوا""" النه ربما كان كاذبا وخبره كذبا، فيعمل به فال يؤمن بذلك.قوما بجهالة

شرح مفردات اآلية بنبأ: هو نقل حديث أو شيء آخر من موضع إلى موضع آخر. - وفي اآلية -

يراد حكاية من مجارى األمور الماضية وتالوة مما سبق من األحاديث.1والقضايا الجارية

نوا: )بين( وهو بعد الشيء وانكشافه. فالبين الفراق, وبان الشيء فتبي.﴿وأبان إذا اتضح وانكشف ق بmنبأ mن جاءكم فاسmي﴿ ﴾إmذا ضربتم فmإ

. كونوا على حال االنكشاف وتكون الوقائع واألمور2﴾سبmيلm اللهm فتبينوا.3منكشفة عندكم

بجهالة: الجهل هو ما يخالف العلم، وفقدان العلم إما بالنسبة إلى المعارف اإللهية، أو علوم ظاهرية، أو بالنسبة إلى تكاليف شخصية، وكل منها إما

في موضوع كلي، أو جزئي. وخصوصيات مفهوم الجهالة تختلف باختالف الصيغ والموارد: يقال: جهل جهالة، وإذا أريد اإلشارة إلى إدامة الجهل

فيقال: جاهل، وفي مورد أريد قبول جاهل فيقال: تجاهل. وإذا أريد الطلب فيقال: استجهل. ثم إن الجهل يالزم االضطراب، كما أن العلم واليقين يالزمان الطمأنينة، فتفسير الجهل بالحركة واالضطراب تفسير بالالزم

.4واألثر

. 5نادمين: ندم إذا حزن أو فعل شيئا ثم كرهه

ر رأي في أمر فائت. قال تعالى: حسر من تغي دامة: الت دم والن فأصبح﴿النين mمmن الناد m6﴾م.

 .14، ص 12التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 1.94سورة النساء، اآلية 2.368، ص 1التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 3.132، ص 2التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 4.598، ص 2المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد المقري الفيومي، ج 5.796مفردات ألفاظ القرآن، الراغب األصفهاني، ص 6

92

المعنى التفصيلي يا أيهايقول العالمة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه ومعنى اآلية: "

الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بخبر ذي شأن فتبينوا خبره بالبحث والفحص للوقوف على حقيقته حذر أن تصيبوا قوما

بجهالة فتصيروا نادمين على ما فعلتم بهم".

وقد أمضى الله سبحانه في هذه اآلية أصل العمل بالخبر وهو من األصولن العقالئية التي يبتني عليه أساس الحياة االجتماعية اإلنسانية، وأمر بالتبي في خبر الفاسق وهو في معنى النهي عن العمل بخبره، وحقيقته الكشف عن عدم اعتبار حجيته وهذا أيضا كاإلمضاء لما بنى عليه العقالء من عدم

حجية الخبر الذي ال يوثق بمن يخبر به وعدم ترتيب األثر على خبره.

: أن حياة اإلنسان حياة علمية يبني فيها سلوكه طريق الحياةتوضيح ذلك على ما يشاهده من الخير والشر والنافع والضار والرأي الذي يأخذ به فيه، وال يتيسر له ذلك إال فيما هو بمرأى منه ومشهد، وما غاب عنه مما تتعلق به حياته ومعاشه أكثر مما يحضره وأكثر، فاضطر إلى تتميم ما عنده من العلم بما هو عند غيره من العلم الحاصل بالمشاهدة والنظر، وال طريق

إليه إال السمع وهو الخبر.

فالركون إلى الخبر بمعنى ترتيب األثر عليه عمال ومعاملة مضمونة معاملة العلم الحاصل لإلنسان من طريق المشاهدة والنظر في الجملة مما يتوقف عليه حياة اإلنسان االجتماعية توقفا ابتدائيا، وعليه بناء العقالء

ومدار العمل.

فالخبر إن كان متواترا أو محفوفا بقرائن قطعية توجب قطعية مضمونه كان حجة معتبرة من غير توقف فيها، فإن لم يكن متواترا وال محفوفا بما يفيد قطعية مضمونه وهو المسمى بخبر الواحد اصطالحا كان المعتبر منه عندهم ما هو الموثوق به بحسب نوعه، وإن لم يفده بحسب شخصه، وكل

ذلك ألنهم ال يعملون إال بما يرونه علما وهو العلم الحقيقي أو الوثوقوالظن االطمئناني المعدود علما عادة.

93

ن في خبر الفاسق: أن﴿إذا تمهد هذا فقوله تعالى في تعليل األمر بالتبييبوا قوما بmجهالة mإلخ، يفيد أن المأمور به هو رفع الجهالة وحصولتص ﴾

العلم بمضمون الخبر عند ما يراد العمل به وترتيب األثر عليه، ففي اآلية.1إثبات ما أثبته العقالء ونفي ما نفوه في هذا الباب، وهو إمضاء ال تأسيس

بحث حول اآليةالعبرة بالوثوق بمضمون الخبر:

والجدير بالذكر أن المسألة المهمة هنا هي الوثوق واالعتماد على الخبر ذاته، غاية ما في األمر قد يحصل هذا الوثوق من جهة االعتماد على الشخص المخبر تارة، وتارة من القرائن الخارجية... ولذلك فإننا قد

فاسقا... فعلى هذا"المخبرm"" أحيانا وإن كان "الخبرنطمئن إلى األساس، فإن هذا الوثوق أو االعتماد كيف ما حصل، سواء عن طريق العدالة والتقوى وصدق القائل، أم عن طريق القرائن الخارجية، فهو معتبر، وسيرة العقالء التي أمضاها الشارع اإلسالمي مبنية على هذا

األساس.

ر للجماعة فما قررته اآلية هو سور األمان للمجتمع فهو أدب جماعي، يقر المؤمنة كيف يتلقون األنباء، فإنهم ال يشاهدون جمعاء حضور المباشرة،

اللهم اال قلة قليلة، ومن ثم تبقى الكثرة الكثيرة غائبة عن اإلدراك المباشر ومن المستحيالت في الحياة االجتماعية االستقالل بما يشاهده اإلنسان،

دون استغالل لما يشاهده غيره فيشهد به، وهذه اآلية كعديد أمثالها، تنهى عن الركون إلى أنباء الفاسقين إال إذا تبين فيها صدق يجعله علما كسائر

العلم، الذي يعتمد عليه المؤمنون العقالء، والعقالء المؤمنون.

.312، ص 18الميزان فى تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، ج 1

94

إن األخذ والرفض في األنباء ليسا فوضى دون حساب، وإنما لكل ميزان عادل، فال يؤخذ خبر الفاسق إال أن يتبين صدقه، وال يرفض خبر العادل إال

إن تبين خطأه، ثم لنا بين األخذ والرفض وقفة لو لم يتبين ال صدق وال كذب، ليس ذكر الفاسق هنا إال ألنه أظهر مظان الكذب، فليشمل الجاهل

والناسي والساهي وأضرابهم ممن يتطرق إلى إنبائهم خالف الصدق وإن كانوا غير عامدين أو أن الفاسق يشملهم كلهم، ألنه خروج عما يحق من

طاعة الله، علما أو عمال، نقال لألنباء أو تنقال أم ماذا، فمن يجهل صحة النبأ ثم ينقله كنبأ صادق، إنه فاسق علميا ولو كان زاهدا، بل وعمليا إذ ال يجوز هكذا نقل مغر لمن يتقي الله، وكذلك من ينسى أو يسهو، أو يتقبل األنباءن، فإنه فاسق في نقله إال أن يبين حقيقة الحال، فيتبين للمنقول دون تبي

له أنه ينقله مراعيا شرائط الوثوق مجانبا كل جوانب الفسوق في نقلهيبوا﴿هذا النبأ، واال فتبينوا بغية حصول العلم واالطمئنان، مخافة: mأن تص

ين mمmحوا على ما فعلتم نادmجهالة فتصبm1﴾"!قوما ب.

- هل اآلية مختصة بالنبأ أي هل يختص وجوب التبين بالنبأ؟ بالخبر العظيم1 الشأن، الذي جاء به فاسق، إذا كان في اتباعه دون تبين إصابة قوم

بجهالة فندم على هذه اإلصابة؟

كما نلمح من هذه اآلية، فال يجب - إذا - تبين في األخبار غير العظيمة، أو في العظيمة التي يجيء بها المجهول فسقه أو عدله، أو التي يجيء بها فاسق وليست فيها إصابة قوم بجهالة أم ماذا! في الحق إن آية النبأ ال

تنبئ إال عما أنبأت، لكنما اآليات في حرمة اتباع الظن واقتفاء ما ليس لكن حتى يحصل العلم واالطمئنان أيا كان الخبر به علم، تعمم وجوب التبي ومن أي، إال إذا كان االطمئنان - أو النوعي منه - حاصال باإلخبار ووجوبن في آيتنا في مورد ال ينفي عدمه في سواه، لنزول اآلية في مورد التبي

.2خاص بالغ األهمية، ثم اآليات األخرى تعم فال تناحر في البين

.229، ص 27ينظر: الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج 1.230، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج 2

95

ن قد تشمل2 ت والتبي - لماذا تحدثت اآلية عن الفاسق مع أن وجوب التثبغيره كما تقدم؟.

لعل اآلية خصصت الفاسق ألنه مظنة الكذب. وحتى ال يشيع الشك بين الجماعة المسلمة في كل ما ينقله أفرادها من أنباء، فيقع ما يشبه الشلل

في معلوماتها. فاألصل في الجماعة المؤمنة أن يكون أفرادها موضع ثقتها، وأن تكون أنباؤهم مصدقة مأخوذا بها. فأما الفاسق فهو موضع الشك حتى يثبت خبره. وبذلك يستقيم أمر الجماعة وسطا بين األخذ

والرفض لما يصل إليها من أنباء. وال تعجل الجماعة في تصرف بناء علىع. فتندم على ارتكابها ما خبر فاسق. فتصيب قوما بظلم عن جهالة تسر

. ولعل ورود كلمة "فاسق"1يغضب الله، ويجانب الحق والعدل في اندفاع إشارة إلى أن المقولة إنما ينظر فيها إلى صاحبها الذي وردت منه، فإن كان من أهل اإليمان والثقة استمع لقوله، وأخذ به، وإن كان ممن يتهم،

استمع إليه ووضع قوله موضع التمحيص، فال يحكم على قوله بالرد ابتداء،فقد يكون فى قوله صدق، أو شيء من الصدق ينتفع به المسلمون.

وإن دوافع الفاسق ومنطلقاته شيطانية فقد يكذب أو يمشي بنميم أو ينقل جانبا من الحقيقة ويسكت عن سائر الجوانب، فإذا قبلناه على عالته

فسوف نقع في أخطاء جسيمة، أبرزها إثارة الفتن في المجتمع.

- من هو الفاسق؟ هو باختصار الذي تجاوز الحدود االلهية وهذا ال يمكنه3 أن يكون موجها لألمة، ومجرد االستماع إلى نبأه دون تحقيق وتثبيت يجعله

في مقام التوجيه.

وردت في القرآن الكريم أربع وخمسون مرة ضمنفسق"إن مفردة ".2موضوعات ومصاديق مختلفة منها

.3342، ص 6ينظر: في ظالل القرآن، سيد قطب، ج 1 . سورة العنكبوت، اآلية4. سورة النور، اآلية 47. سورة المائدة، اآلية 12يراجع سورة النمل، اآلية 2

.24. سورة التوبة، اآلية 3. سورة المائدة، اآلية 34

96

والنتيجة: أن الفسق: هو الخروج عن مقررات دينية أو عقلية أو طبيعية الزمة. ومن مصاديقه: خروج العبد عن أمر الرب، وعن طاعته، وعن

مة كالحسد األحكام والمقررات اإلسالمية، وعن المقررات األخالقية المسل والبخل والتكبر والطمع إذا كانت صريحة واضحة، وعن ضوابط طبيعية

.1الزمة كما في الرطبة الخارجة عن القشر...

آثار آخبار الفاسقين على المجتمع: إن أكثر الصراعات االجتماعية التي تعصف بالمؤمنين منشؤها الفاسقون الذين ال تروق لهم وحدة المؤمنين فيثيرون الفتنة بينهم. وحين نتفكر في

واقع المسلمين اليوم نجد أن الذين يذكون نار الصراع بينهم هم في األغلب أبعد الناس عن القيم، وقد تكون سوابقهم السيئة وأحقادهم ضد

فهم ضد هذه الطائفة اإلسالم، وخشيتهم من الفضيحة هو السبب في تطر أو تلك. وإذا استطاع المؤمنون إبعاد أثر الفسقة عن تجمعاتهم قدروا على

سد أكبر ثغرة تهدد كيانهم!.

واليوم حيث يتعرض المسلمون لغزو ثقافي وهجمة إعالمية عبر ألوف المؤسسات الدعائية المتنوعة ترانا أحوج مما مضى إلى تنفيذ هذه الوصية

اإللهية، أن نتبين ما يقولون ألنهم فسقة ال يتقون الله فيما يقولون، هذه الوكاالت الخبرية التي تمولها وتقودها الرساميل واألنظمة هل تلتزم

بالصدق؟ هذه الصحف الصفراء التي تنطق باسم المترفين والطغاة هل ترعى جانب الحق؟ هذه اإلذاعات التي تصب في آذاننا وأذهاننا كل يوم

شالال من المعلومات المختلطة هل نضمن صدقها؟ كال.. إذا ال بد منت، ولكن كيف؟ ألن حجم األفكار واألخبار التي تبث عبر أجهزة الدعاية التثب

كبير، فإن قدرة األفراد

.89، ص 9التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 1

97

ت منها محدودة، فال بد إذا من وجود مؤسسات موثوق بها تقوم على التثب بدور المصفاة وتنتقي السمين وتقدمه للمؤمنين.هذه المؤسسات قد تكون

معاهد ومراكز للدراسات والبحوث، وقد تكون تنظيمات دينية، وقد تكون خبراء أكفاء يرجع إليهم المؤمنون في توثيق المعلومات، وقد تكون

مؤسسات إعالمية بديلة، إذاعة صادقة، صحيفة ملتزمة أو وكالة لألنباءموثوق بها.

إن خبر العادل حجة. قالوا بالرغم من أن اآلية ال تدل على حجية خبر العادل صراحة وبصورة مباشرة، بل بما يسمى لديهم بمفهوم الوصف

الذي ال حجية فيه عندهم، إال أن فائدة بيان الوصف هنا ليست إال أن الحكم يدور مداره مثل أن نقول: إذا تعاملت مع أهل الباطل فاشهد

عليهم، وإذا ذهبت إلى زيارة المريض فتجنب مواكلته، وإذا زرت بالد الكفرفتزود بالبوصلة لصالتك.. وما أشبه.

ماذا يعني التبين؟ يبدو أنه يشمل كل أسلوب يؤدي إلى حالة الوضوح عند اإلنسان، وألن الله

ن يكون تعالى قد خاطب عامة المؤمنين بهذه الكلمة، فإن مفهوم التبي عرفيا أيضا، بمعنى أن كل ما تطمئن إليه نفس اإلنسان العادي حتى ال يبقى فيه شك معقول أو ارتياب يعتني به العقالء - كاف وحجة عند الله في الموضوعات. فسواء أكانت البينة )شهادة عدلين( أو الشياع المفيد للطمأنينة، أو شهادة الخبراء من خالل مجموعة متراكمة من الشواهد

ن عند العقالء.. على أن العقالء واآلثار أو خبر العاقل العادل فإنه من التبي ال يعتمدون على بعض هذه األدلة إذا كانت الظروف المحيطة باعثة للشك

الحقيقي، مثال: الشياع الذي يعتقد أن منشأه شائعة مغرضة ال يورث طمأنينة في النفس فهو إذا ليس بحجة. كما أن خبر العادل فيما ال يخفى عند غيره يرتاب فيه العقالء إذا انفرد به، كما لو أنبأنا بأن اإلذاعة الفالنية

نشرت هذا الخبر، علما بأنها

98

لو نشرته لسمع أكثر الناس وتناقلوه.. أو أخبر برؤية الهالل في ليلة صافية مما نعلم أنه لو رآه هذا العادل لرآه غيره أيضا، وإذ لم يشهد برؤيته غيره فإن العقالء يشكون في كالمه. كذلك الحوادث الخطيرة ال يعتمد العقالء

ن تختلف عند عادة على الخبر الواحد فيها مثل الحروب.. عموما: حالة التبي العقالء حسب الموضوعات فال بد من االلتفات إلى ذلك، ولعل الحكمة

التي سيقت في خاتمة اآلية هي محور الحكم فعلينا أن ندور مداره،.1ونتفكر كيف نتجنب الوقوع في الجهالة والندم

خطر الجهالة على المجتمع: الجهالة من أخطر األمراض التي تصيب المجتمع، وكلما سرت في بنيانه

فتكت به ودائما هناك مستفيدون من جهالة الناس وعلى رأس هؤالء القوى االستكبارية واالستعمارية، فاالستعمار من أكبر المستفيدين من

جهل القاعدة الشعبية، االستعمار الفكري والثقافي والعسكري حيث يعتبر جهل األمة أرضية خصبة الستيالئه عليها، أما مع وعيها فال يمكن له أن

يخضعها ويستعمرها، وهذا ما دلت عليه الشعوب الحية فإنها ال تقبل بالذلواالستعباد واالستعمار.

المستفيد الثاني من جهل األمة أهل المصالح المادية والمعنوية حيث إن دكاكينهم ال يكون لها رواج وسوق إال مع جهل األمة وترويج القصص

الخرافية والرؤى والمنامات ونقل المعجزات الموضوعة واألحاديث الكاذبة بحجة الدفاع عن الدين والمذهب والخوف عليهما، لذلك يضطربون من أي

بحث علمي تؤدي نتيجته إلى خالف ما اعتادوا عليه وحملوه في أذهانهم.وهؤالء موجودون من زمن األئمة إلى يومنا هذا.

.397- 377، ص 13من هدى القرآن، محمد تقي المدرسي، ج 1

99

1الدروس المستفادة من آية النبأ

ت وال يطلقوا الكالم1 - ينبغي على المؤمنين أن يكونوا أهل تحقيق وتثب.﴿على عواهنه. ﴾يا أيها الذmين آمنوا ... فتبينوا

ك باآلية الكريمة وعدم األخذ بقول الفاسق من أحد أهم2 - إن التمس. الطرق المانعة للفتنة بين المسلمين. ق mن جاءكم فاسmإ﴾ ﴿

إن أرضية الفتنة تنشأ من خالل: سعي المنافقين إلحداث الفتنة. - 3

- األصل في اإلسالم هو االعتماد على اآلخرين وعدم سوء الظن بهم,4 ولكن الفاسقين خارجون عن هذا األصل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى

ن النبأخطورة الخبر" ت والتبي ق ...﴿" تستدعي التثب mن جاءكم فاسmإ ﴾. ولكن ال بد من التنبيه أن آية النبأ في صدد بيان وجوب التثبتفتبينوا

ت ن من النبأ في حال كونه في معرض العمل، فينبغي تقديم التثب والتبين قبل ترتيب أي أثر على الخبر، أما إذا لم يكن الخبر في معرض والتبي

العمل وليس موردا لترتيب اآلثار عليه، فهذا المورد ليس خارجا عنن بل لعله داخل في اآلية الثانية عشر اآلتية، فال يجوز ت والتبي وجوب التثب التجسس على اآلخرين لمعرفة صحة وصدق كالمهم من عدمه، لتصنيف

ت يجب في الموارد الناس على أن فالنا صادقا وفالنا كاذب، فوجوب التثب التي تشملها آية النبأ وهي األنباء واألخبار التي لها طابع وأثر اجتماعي ال

فردي.

ن الظن إmن﴿- في اآلية الثانية عشر اآلتية قال تعالى 5 اجتنmبوا كثmيرا من وهوبعض الظن ت والتبي ﴾ وفي هذه اآلية ينبغي بل يجب الفحص والتثب

ينافي عدم سوء الظن باآلخرين، فكيف يمكن الجمع بينهما؟.اآلية اآلتيةتتحدث أنه

. وتفسيرسوره حجرات )فارسي(،172- 171، ص 9ينظر: تفسير النور )فارسي(، محسن قرائتي، ج 1.242- 236رضا الصدر، ص

100

من أخالقيات المسلم أن ال يسيء الظن باآلخرين وأن يتجنب هذه الصفة القبيحة، فهي في صدد الكالم عن صرف النظرة اإليجابية لألفراد. أما آية

ن في حال إخبار األفراد أو ت والتبي النبأ فهي في صدد بيان وجوب التثب فرد بخبر ما له أثر عملي وخطير على المجتمع أو حتى على الفرد

المتلقي للخبر، فهنا يجب الفحص لخطورة النبأ الذي يحمله الفرد، وهذا ال عالقة له بسوء الظن وعدمه، فلو تجرد الفرد عن الخبر يدخل في عموم

. اجتنبوا كثيرا من الظن ﴾قوله تعالى ﴿

ن، وذلك لوجود حرف الفاء6 - ينبغي على المؤمنين أن يسرعوا في التبي. فال بد من دقة وتحقيق وجهد شديد في مورد النبأ،فتبينو﴿في اآلية ﴾ا

ألن التسامح فيه وفي أمثاله يوجب خلال وفسادا وابتالء، وقد ينجر إلى اختالل عظيم في المجتمع، كما بينت اآليات التي تلي آية النبأ وهي مسألة

الفتنة.

- الفاسق يحاول دائما إشاعة األخبار الكاذبة أو المغلوطة بغية إشاعة7﴿الفوضى والفتنة. ق بmنبأ mجاءكم فاس.﴾

ن 8 ت والتبي ﴾.آمنوا ... فتبينوا﴿- اإليمان يقتضي التثب

- الفاسق قد يخبر بأخبار صادقة واآلية ال تنفي هذا االحتمال، وال تطلب9ن من صحة ت والتبي منا تكذيب المخبر إذا كان فاسقا بل تطلب منا التثب

﴾.فتبينوا﴿وصدق الخبر

- المجتمع اإلسالمي، معرض دائما لهجمات األخبار والدعايات الكاذبة،10 إmن﴿وعلى أفراد المجتمع أن يتمتعوا بذكاء ووعي في مواجهة هذه األخبار.

ق بmنبأ فتبينوا mجاءكم فاس.﴾

. في مجال إدارة الشائعات واألنباء، ينبغي مواجهة الواقعة قبل11 وقوعها أي القيام بإجراءات وقائية فلذا لكي ال نقع في جهالة وندامة، علينا

يبوا﴿التحقيق ثم البناء طبقا لما توصلنا إليه من نتائج. mفتبينوا أن تص ﴾.قوما بmجهالة

101

ت من األخبار هو نوع من الجهل.12 - اإلقدام العجول وعدم التثب ﴾. إن العمل باألوامر اإللهية يمنع من وقوع الناس في الندمبmجهالة﴿

ين﴿والحسرة على أعمالهم mمmفتبينوا ... ناد.﴾

- المقياس الذي يمكن اعتماده من خالل آية النبأ هو عدم الندامة13ين﴿ mمmناد.﴾

التثبت والتبين من األخبار وعالقته بالتربية األخالقية للمجتمعاإلسالمي:

إن هذا المقطع يمثل جزءا ال يتجزء من آداب وأخالقيات المجتمع المؤمن بالله ورسوله، والذي ال تستقر أركانه إال بتمام أضالع هذه السورة

المباركة، ففي هكذا مجتمع ال مكان للمرجفين والمشككين الذين يفترون الكذب واإلشاعات المغرضة الهادفة إلى إضعاف وتفكيك بنية المجتمع

اإليماني. إنه مجتمع قائم على أسس ومبادىء تضمن أمنه وسالمته تحصنه من أي ريح عاتية تعصف به. وإن أي تفريط بهذه المبادىء سيعرض أمن

وسالمة المجتمع لخطر الفتنة ويؤجج الصراعات بين أبنائه ويفقده أحد أهم أسوار األمان. وإن تجاهل وجود القيادة الحكيمة والعادلة في المجتمع

سيؤدي بهذا المجتمع إلى الفوضى والفساد العقائدي واألخالقي، وإن أمن بعض أفراده من ذلك فإن الخالص الفردي ال يؤدي إلى األمان المجتمعي،

ولذا ينبغي تربية المجتمع على هذه األخالق التي تمثل جزءا رئيسا منأجزاء التربية األخالقية للمجتمع اإلسالمي.

إن هذه التربية تعني أن ال ننساق وراء كل دعاية وإشاعة وتقول، فكم من كالم رتبت عليه آثار ومواقف وتصرفات، وعند البحث عن مصدره ومعرفة مدى صحته، يتبين أنه كالم مختلق وكذب ال أصل له. فإن من ينساق وراء

ن سيكون مورد للوم من قبل الله ورسوله ومجتمعه الكذب من دون تبي اإليماني، وإن من يبني على األخبار الصادقة سيكون مورد مدح من الله

ورسوله ومجتمعه وسيضمن سالمة وأمن هذا المجتمع الذي هو أمانة فيأعناق كل أفراده وهم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة.

102

للمطالعةخطورة األخبار الكاذبة والشائعات

إن كثيرا من األحداث المؤلمة والصراعات المدمرة التي تقع في عالمنا المعاصر وقد وقعت في التاريخ اإلسالمي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، إنما هي بسبب اإلشاعات واألكاذيب التي يروجها المنافقون والمندسون في المجتمع اإليماني، بغية تفكيكه وهدم عراه وتقويض

أركانه, فما أحوجنا ألخالقيات هذه السورة المباركة وأن نكون على حذر دائم من أخبار هؤالء المنافقين، خصوصا أننا في مجتمع اختلطت فيه

الموازين، ويصعب فيه التمييز بين الحق والباطل، فقد ننخدع ببريق بعض الشخصيات ونأخذ بكالمه ونبني عليه تصرفات ومواقف معينة ثم يتبين لنا

الخلل الكبير الذي وقعنا فيه بسبب هذا اإلنسان أو المحطة الفالنية ألنه كان ظاهره وديعا كالحمل، ولكن حقيقته كالثعلب في روغانه، والعقرب

ت... فاإلشاعة التي ت ثم التثب ت ثم التثب في لدغاتها. فالمطلوب التثب "األحاديث واألقوال واألخبار التي يتناقلهايعرفها بعضهم بأنها:

تها، أو الناس، والقصص التي يروونها، دون التثبت مmن صحدقmها mن صmق م "، ويكون منشأ هذه اإلشاعة - غالبا -: خبرا منالتحق

ة، أو خبرا من إذاعة، أو خبرا من شخص، أو خبرا من جريدة، أو من مجل تلفاز، أو خبرا من رسالة خطية، أو خبرا من شريط مسجل". إن لهذهر اإلشاعة آثارا متعددة فهي تؤثر على سعادة الفرد وأمنه النفسي، تؤثاء هذه اإلشاعات، وكم من كت من جر على األسرة: فكم من أسر تفك

دت, كل ذلك من أجل عت، وأطفال شر بيوت هدمت، وكم من أموال ضي إشاعة من منافق أو كذاب، وتؤثر على العالقات والوشائج بين أفراد

المجتمع الواحد، وإن الله تعالى ومن خالل هذه السورة المباركة وضع أسسا ومعايير إلقامة المجتمع، ومن هذه األسس والمعايير أن تسود روح

"المسلم أخو المسلم,الحب واألخوة والسالم بين أفراد المجتمع, فـ ، ال يظلمه، وال يخذله، وال يسلمه"

103

"، هذه هي الروحالمؤمن للمؤمن كالبنيان, يشد بعضه بعضاو"ها في هذه السورة ويحث على اتباعه، أما أن التي أراد الله تعالى أن يبث تنشأ العالقات على الفرقة والتنازع واالختالف واإلفساد بين الناس، فهذا

ما حاربه اإلسالم، واإلشاعة سبب رئيس لبث هذه األخالق المذمومة التي نهى عنها اإلسالم. وقد حدد الله تعالى في القرآن الكريم منظومة ردعية

متكاملة لمحاربة الشائعات تبدأ بالتربية النفسية لألفراد، إلى العالجات الوقائية والردعية في مواجهة هذه األخبار، ومنها ما حدده في هذا المقطع

من السورة. 

104

الدرس الخامس: حب اإليمان وبغض الكفر

مفاهيم محورية:- وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لألمة.

- الله حبب إليكم اإليمان.- الدروس المستفادة من اآلية.

- ما الفرق بين الكفر والفسوق والعصيان؟ - الدروس المستفادة من اآلية.

105

106

النص القرآني واعلموا أن فmيكم رسول اللهm لو يطmيعكم فmي﴿قال الله تعالى:

mليكم اإلmيمان وزينه فmي ن األمرm لعنmتم ولكmن الله حبب إ كثmير مmليكم الكفر والفسوق والعmصيان أولئmك هم ه إ قلوبmكم وكر

. ن اللهm ونmعمة والله علmيم حكmيم دون * فضال م mاش ﴾الر

تمهيد هاتان اآليتان مرتبطتان باآلية السابقة التي تحدثت عن األدب الجماعي فيت في قبولها وأن ال ينساق المؤمن وراء كل خبر يسمعه نقل األنباء والتثب

سواء كان مرتبطا بالدين في الجانب العقدي أو الفقهي أو األخالقي أو التاريخي أو في سائر األخبار االجتماعية أو السياسية أو غيرها مما هو

متعلق بالحياة.

واآلية تبين أن وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهراني األمة خير وبركة ورحمة وحصن منيع لها عن االنحراف، فمتى ما حصل زيغ

وانحراف فسوف يقوم اعوجاجها كما أنه أمان لها من نزول العذاب كمام وما كان﴿قال القرآن الكريم: mيه mيعذبهم وأنت فmوما كان الله ل

رون m1﴾الله معذبهم وهم يستغف.

.33سورة األنفال، اآلية 1

107

شرح مفردات اآلية أصل صحيح يدل على مشقة وما أشبه ذلك، وال يدل على صحةلعنmتم:

وال سهولة. قال الخليل: العنت: المشقة تدخل على اإلنسان وقال الزجاج: . واألصل في العنت هو الوقوع في1العنت في اللغة: المشقة الشديدة

مشقة مع اختالل.

كم عزmيز عليهm ما عنmتم﴿قال تعالى: mن أنفس لقد جاءكم رسول ميم mح نmين رؤوف ر mالمؤمmيص عليكم بmوفي قبالهم رسول اللهحر ﴾

صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحب نظم أموركم وصالحها، وعزيز عليه.2أن تكونوا في هوان وخبال وأن تقعوا في مشقة واختالل

.3 هو الوداد والميل الشديد، ويقابله البغض والتنفرحبب:

ينة الحقيقية: ما ال يشين اإلنسان في شيء من أحواله ال فيوزينه : الز الدنيا، وال في اآلخرة، فأما ما يزينه في حالة دون حالة فهو من وجه شين،

ينة بالقول المجمل ثالث: زينة نفسية كالعلم، واالعتقادات الحسنة، والز وزينة بدنية، كالقوة وطول القامة، وزينة خارجية كالمال والجاه. فقوله:

mليكم اإلmيمان وزينه﴿ .4﴾ في قلوبكم، فهو من الزينة النفسية...حبب إ

قد كفر هو الستر والتغطية، يقال لمن غطى درعه بثوب: "الكفر: . أن األصل الواحد في المادة: هو الرد وعدم االعتناء بشيء. ومن5"درعه

آثاره: التبري، المحو، التغطية. ومن مصاديقه: الرد وعدم االعتناء باإلنعام.6واإلحسان، الرد وعدم االعتناء والتوجه إلى الحق في أي مرتبة كان

.150، ص 4معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا )ابن فارس(، ج 1.235، ص 8التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 2.152، ص 2)م.ن(، ج 3.377، ص 4التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 4.191، ص 5معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا )ابن فارس(، ج 5.79، ص 10التحقيق في كلمات القرآن، ج  6

108

: فسق الرطب إذا خرجت عن قشره. فسق فسوقا من بابوالفسوق خرج عن الطاعة، واالسم الفسق. ويقال أصله خروجقعد: "

الشيء من الشيء على وجه الفساد، يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وكذلك كل شيء خرج عن قشره فقد

فسق. الفسق الترك ألمر الله. وكذلك الميل عن الطاعة إلى.1"المعصية، كما فسق إبليس عن أمر ربه

عصى عصيانا إذا خرج عن الطاعة وعصى:يدل علىالعmصيان:الفرقة.والعاصي:الفصيل إذا عصى أمه في اتباعها.

.2والعصيان:خالف الطاعة،عصى العبد ربه إذا خالف أمره

اشدون: الرشد: الصالح وهو خالف الغي والضالل وهو إصابة الصواب. الر واالهتداء إلى الخير والصالح. فالهداية ضد الضاللة، كما أن الرشد ضد

دون﴿الغي، وهو االنهماك في الفساد. وقوله mاش ﴾ أيأولئmك هم الر.3الذين يقوم الرشد بهم

المعنى اإلجمالي ﴾ عطف على قوله في اآليةواعلموا أن فmيكم رسول اللهm﴿قوله:

السابقة: ﴾ وتقديم الخبر للداللة على الحصر، واإلشارة إلى ما هو الزمه﴿فتبينوا

فإن اختصاصهم بكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم الزمه أن يتعلقوا بالرشد ويتجنبوا الغي ويرجعوا األمور إليه ويطيعوه ويتبعوا أثره

وال يتعلقوا بما تستدعيه منهم أهواؤهم.

فالمعنى: وال تنسوا أن فيكم رسول الله، وهو كناية عن أنه يجب عليهم أن يرجعوا األمور ويسيروا فيما يواجهونه من الحوادث على ما يراه ويأمر به

من غير أن يتبعوا أهواء أنفسهم.

راجع: مصباح اللغة للفيومي، مقاييس اللغة، البن فارس، مادة فسق. 1راجع: مصباح اللغة للفيومي، مقاييس اللغة، البن فارس، لسان العرب البن منظور، مادة عصى. 2.141، ص 4 التحقيق في كلمات القرآن، ج3

109

ن األمرm لعنmتم﴿وقوله: ﴾ أي جهدتم وهلكتم،لو يطmيعكم فmي كثmير م والجملة كالجواب لسؤال مقدر كأن سائال يسأل فيقول: لماذا نرجع إليه

ن األمرm﴿وال يرجع إلينا وال يوافقنا؟ فأجيب بأنه لو يطmيعكم فmي كثmير م﴾.لعنmتم

mليكم اإلmيمان وزينه فmي قلوبmكموقوله: ﴾ولكmن الله حبب إ ﴿ ﴿لو يطmيعكم فmي كثmير مناستدراك عما يدل عليه الجملة السابقة:

من أنهم مشرفون بالطبع على الهالك والغي فاستدرك أن﴾األمرm لعنmتم الله سبحانه أصلح ذلك بما أنعم عليهم من تحبيب اإليمان وتكريه الكفر

والفسوق والعصيان.

والمراد بتحبيب اإليمان إليهم جعله محبوبا عندهم وبتزيينه في قلوبهم تحليته بجمال يجذب قلوبهم إلى نفسه فيتعلقون به ويعرضون عما يلهيهم

عنه.

mليكم الكفر والفسوق والعmصيان﴿وقوله: ه إ ﴾ عطف علىوكر وتكريه الكفر وما يتبعه إليهم جعلها مكروهة عندهم تتنفر عنها﴾حبب﴿

نفوسهم، والفرق بين الفسوق والعصيان - على ما قيل - إن الفسوق هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية، والعصيان نفس المعصية وإن شئت

فقل: جميع المعاصي، وقيل: المراد بالفسوق الكذب بقرينة اآلية السابقةوالعصيان سائر المعاصي.

دون﴿وقوله: mاش ﴾ بيان أن حب اإليمان واالنجذاب إليهأولئmك هم الر وكراهة الكفر والفسوق والعصيان هو سبب الرشد الذي يطلبه اإلنسان بفطرته ويتنفر عن الغي الذي يقابله، فعلى المؤمنين أن يلزموا اإليمان

ويتجنبوا الكفر والفسوق والعصيان حتى يرشدوا ويتبعوا الرسول وال يتبعواأهواءهم.

ولما كان حب اإليمان واالنجذاب إليه وكراهة الكفر ونحوه صفة بعض من كان الرسول فيهم دون الجميع كما يصرح به اآلية السابقة، وقد وصف

بذلك جماعتهم تحفظا على وحدتهم وتشويقا لمن لم يتصف بذلك منهم غير السياق والتفت عن خطابهم إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله

دون﴿وسلم فقال: mاش ﴾ واإلشارة إلى منأولئmك هم الر

110

اتصف بحب اإليمان وكراهة الكفر والفسوق والعصيان، ليكون مدحا.1للمتصفين بذلك وتشويقا لغيرهم

المعنى التفصيلي وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لألمة:

فالقرآن يقول: من حسن حظكم أن فيكم رسول الله وهو مرتبط بعالم الوحي، فمتى ما بدت فيكم بوادر االنحراف فسيقوم بإرشادكم عن هذا

الطريق، فال تتوقعوا أن يطيعكم ويتعلم منكم وال تصروا وتلحوا عليه، فإن ذلك فيه عنت لكم وليس من مصلحتكم... فمن خالل وجوده المبارك

تتصل السماء باألرض صلة دائمة حية مشهودة, فتقول السماء لألرض, وتخبر أهلها عن حالهم وجهرهم وسرهم، وتقوم خطاهم أوال بأول، وتشير عليهم في خاصة أنفسهم وشؤونهم. ويفعل أحدهم الفعلة ويقول أحدهم القولة، ويسر أحدهم الخالجة, فإذا السماء تطلع، وإذا الله - جل جالله - ينبئ رسوله بما وقع، ويوجهه لما يفعل وما يقول في هذا الذي وقع.. إنه

ألمر. وإنه لنبأ عظيم. وإنها لحقيقة هائلة. قد ال يحس بضخامتها من يجدها ﴿واعلموا أنبين يديه. ومن ثم كان هذا التنبيه لوجودها بهذا األسلوب:

mيكم رسول اللهmاعلموا هذا وقدروه حق قدره، فهو أمر عظيم.﴾ف .. ومن مقتضيات العلم بهذا األمر العظيم أن ال يقدموا بين يدي الله

ورسوله. ولكنه يزيد هذا التوجيه إيضاحا وقوة، وهو يخبرهم أن تدبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم بوحي الله أو إلهامه فيه الخير لهم والرحمة واليسر. وأنه لو أطاعهم فيما يعن لهم أنه خير لعنتوا وشق عليهم األمر. فالله أعرف منهم بما هو خير لهم، ورسوله رحمة لهم فيما

ن األمرm لعنmتم﴿يدبر لهم ويختار: ﴾.. وفي هذالو يطmيعكم فmي كثmير م إيحاء لهم بأن يتركوا أمرهم لله ورسوله، وأن يدخلوا في السلم كافة،

.2ويستسلموا لقدر الله وتدبيره، ويتلقوا عنه وال يقترحوا عليه

 . )بتصرف(.314- 313، ص 18تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي،ج 1.3342، ص 6في ظالل القرآن، سيد قطب، ج  2

111

واعلموا أن فmيكم رسول اللهm لو يطmيعكم فmي﴿واعلم أن في قوله: ن األمرm لعنmتم ﴾ إشعارا بأن قوما من المؤمنين كانوا مصرينكثmير م

على قبول نبأ الفاسق الذي تشير إليه اآلية السابقة، وهو الوليد بن عقبة أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق ألخذ زكواتهم

فجاء إليهم فلما رآهم هابهم ورجع إلى المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم ارتدوا فعزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قتالهم

فنزلت اآلية فانصرف وفي القوم بعض من يصر على أن يغزوهم.

الله حبب إليكم اإليمان ويشير القرآن معقبا في اآلية إلى موهبة عظيمة أخرى من مواهب الله

mليكم اإلmيمان وزينه فmي قلوبmكم﴿سبحانه فيقول: ولكmن الله حبب إmليكم الكفر والفسوق والعmصيان ه إ .﴾وكر

وفي الحقيقة إن هذه التعابير إشارة لطيفة إلى قانون اللطف أي"."اللطف التكويني

: أنه حين يريد الشخص الحكيم أن يحقق أمرا فإنه يوفر لهوتوضيح ذلك جميع ما يالئمه من كل جهة ويصدق هذا األصل في شأن الناس تماما... فالله يريد أن يطوي الناس جميعا طريق الحق دون أن يقعوا تحت تأثير اإلجبار بل برغبتهم وإرادتهم، ولذا يرسل إليهم الرسل والكتب السماوية من جهة، ويحبب إليهم اإليمان من جهة أخرى، ويضرم شعلة العشق نحو طلب الحق والبحث عنه في داخل النفوس ويكره إليها الكفر والفسوق والعصيان... وهكذا فإن كل إنسان مفطور على حب اإليمان والطهارة

والتقوى، والبراءة من الكفر والذنب.

إال أنه من الممكن أن يتلوث ماء المعنويات المنصب في وجود الناس في المراحل المتتالية وذلك نتيجة لالختالط بالمحيطات الموبوءة فيفقد صفاءه

ويكتسب رائحة الذنب والكفر والعصيان...هذه الموهبة الفطرية تدعوالناس إلى اتباع رسول الله

112

وعدم التقدم بين يديه.وينبغي التذكير بهذه اللطيفة أيضا، وهي أن محتوى اآلية ال ينافي المشاورة أبدا، ألن الهدف من المشاورة أو الشورى أن

يعرب كل عن عقيدته ووجهة نظره، إال أن الرأي األخير والنظر النهائي لشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يستفاد ذلك من آية الشورى

أيضا... وبتعبير آخر: إن الشورى هي موضوع مستقل، وفرض الرأيموضوع آخر، فاآلية محل البحث تنفي فرض الرأي ال المشاورة.

والمراد من الفسوق عموم الخروج عن الطاعة فتكون لفظة العصيان ﴾ تأكيد على الجملة السابقةوزينه فmي قلوبmكم﴿تأكيدا لها، كما أن جملة

mليكم اإلmيمان﴿لها: ﴾.حبب إ

وعلى كل حال، فإن القرآن يقرر قاعدة كلية وعامة في نهاية هذه اآليةدون﴿" فتقول: "فيهالواجدي الصفات المذكورة mاش ﴾.أولئmك هم الر

اإللهية "العشق لإليمان والتنفر منأي لو حفظتم هذه الموهبة ولم تلوثوا هذا النقاء والصفات الفطرية فإن الرشدالكفر والفسوق"

والهداية دون أدنى شك في انتظاركم.

ومما يستجلب النظر أن الجمل السابقة في اآلية كانت بصيغة الخطابدونللمؤمنين لكن هذه الجملة: mاش ﴾أولئmك هم الر تتحدث عنهم ﴿

" ويبدو أن هذا التفاوت في التعبير جاء ليدل على أن هذاالغائببصيغة " الحكم غير مختص بأصحاب النبي، بل هو قانون عام، فكل من حفظ

صفاءه الفطري في أي عصر وزمان هو من أهل الرشد والهداية والنجاة.

أما آخر اآليات محل البحث فتوضح هذه الحقيقة وهي أن محبوبية اإليمان والتنفر من الكفر والعصيان من المواهب اإللهية العظمى على البشر إذ

فضال ن اللهm ونmعمة والله علmيم حكmيم﴿تقول: ﴾. فعلمه وحكمتهم يوجبان أن يخلق فيكم عوامل الرشد والسعادة ويكملها بدعوة األنبياء

وهو الجنة".إياكم ويجعل عاقبتكم الوصول إلى الهدف المنشود..."

113

والظاهر أن الفضل والنعمة كليهما إشارة إلى حقيقة واحدة، هي المواهب إنما سمي"الفضل"اإللهية التي يمنحها عباده، غاية ما في األمر أن

" إنما سميت نعمة ألن العباد"النعمةفضال ألن الله غير محتاج إليه ومحتاجون إليها، فهما بمثابة الوجهين لعملة واحدة!...

وال شك أن علم الله بحاجة العباد وحكمته في مجال التكامل وتربية المخلوقات توجبان أن يتفضل بهذه النعم المعنوية الكبرى على عباده

.1وهي محبوبية اإليمان والتنفر من الكفر والعصيان

ن اللهm ونmعمة والله علmيم حكmيم﴿قوله تعالى: ﴾ تعليل لمافضال م تقدم من فعله تعالى بالمؤمنين من تحبيب اإليمان وتزيينه وتكريه الكفر

والفسوق والعصيان أي إن ذلك منه تعالى مجرد عطية ونعمة ال إلى بدل يصل إليه منهم لكن ليس فعال جزافيا فإنه تعالى عليم بمورد عطيته

وألزمهم كلmمة﴿ونعمته حكيم ال يفعل ما يفعل جزافا، كما قال سبحانه: .2﴾التقوى وكانوا أحق بmها وأهلها وكان الله بmكل شيء علmيما

واآلية على ما يفيده السياق من تتمة الكالم في اآلية السابقة تعمم ما فيها من الحكم وتؤكد ما فيها من التعليل، فمضمون اآلية السابقة الحكم

ز عن بناء العمل على ن في خبر الفاسق وتعليله بوجوب التحر بوجوب التبي الجهالة، ومضمون هذه اآلية تنبيه المؤمنين على أن الله سبحانه أوردهم

شرع الرشد ولذلك حبب إليهم اإليمان وزينة في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فعليهم أن ال يغفلوا عن أن فيهم رسول الله وهو

د من عند الله وعلى بينة من ربه ال يسلك إال سبيل الرشد دون الغي، مؤي فعليهم أن يطيعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأمرهم به

ويريدوا ما أراده ويختاروا ما اختاره، وال يصروا على أن يطيعهم في آرائهموأهوائهم فإنه لو يطيعهم في كثير من األمر جهدوا وهلكوا.

.530، ص 16األمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 1.26سورة الفتح، اآلية   2

114

بحث حول اآلية

ما الفرق بين الكفر والفسوق والعصيان؟ ن، هذه أمور ثالثة هي في مقابلة اإليمان الكامل ألن اإليمان الكامل المزي

هو أن يجمع التصديق بالجنان واإلقرار باللسان والعمل باألركان.

سئmل عنm اإليمان فقال: اإليمانعن اإلمام علي عليه السالم: "mاألركانmوعمل ب ، mاللسانmقرار بm ، وإ mالقلبmفة بmبين اإلمام .1"معر

عليه السالم أن اإليمان مركب من ثالثة أشياء فهو كل مركب من هذهاألجزاء وهي:

mالقلبmفة بmالمراد بالمعرفة هنا االعتقاد الجازم المطابق للواقعمعر : سواء أكان عن علم أم عن تقليد.

mاللسانmقرار بm : ال بد من إظهار اإليمان بالقول تماما كالعمل، ألنهوإه، ولكي يعرف المؤمن ويعامل بما له من الحق. عبادة لل

: mاألركانmأي ال بد أن يتجسم اإليمان بالعمل المحسوس، وكلوعمل ب عمل ثبت حكمه بضرورة الدين فهو ركن لإليمان، كوجوب الجهاد والصوم والصالة والحج والزكاة. ويبدو أن كالم اإلمام محمول على اإليمان الكامل.

mليكم الكفر﴿قوله تعالى: ه إ ﴾ وهو التكذيب في مقابلة التصديقوكر بالجنان. والفسوق هو الكذب. وثانيها: هو ما قبل هذه اآلية وهو قوله

﴿تعالى: ق بmنبأ mن جاءكم فاسmسمي من كذب فاسقا فيكون الكذبإ ،﴾ بmئس االmسم﴿فسوقا. ثالثها: ما ذكره بعد هذه اآلية، وهو قوله تعالى:

mيمانmفإنه يدل على أن الفسوق أمر قولي القترانهالفسوق بعد اإل ﴾ باالسم. ورابعها: وجه معقول وهو أن الفسوق هو الخروج عن الطاعة

على ما علم في قول القائل: فسقت الرطبة إذا خرجت، وغير ذلك ألنالفسوق

نهج البالغة، خطب اإلمام علي عليه السالم )تحقيق صالح(، حكم أمير المؤمنين عليه السالم، رقم 1.467، ص 227

 

115

هو الخروج زيد في االستعمال كونه الخروج عن الطاعة، لكن الخروج ال يكون له ظهور باألمر القلبي، إذ ال اطالع على ما في القلوب ألحد إال لله تعالى، وال يظهر باألفعال ألن األمر قد يترك إما لنسيان أو سهو، فال يعلم

حال التارك والمرتكب أنه مخطئ أو متعمد، وأما الكالم فإنه حصول العلم بما عليه حال المتكلم، فالدخول في اإليمان والخروج منه يظهر بالكالم، فتخصيص الفسوق باألمر القولي أقرب، وأما العصيان فترك األمر وهو بالفعل أليق، فإذا علم هذا ففيه ترتيب في غاية الحسن، وهو أنه تعالى

رك لظلم﴿كره إليكم الكفر وهو األمر األعظم كما قال تعالى: إmن الش﴿. ثم قال تعالى: عظmيم ﴾ يعني ما يظهر لسانكم أيضا، ثموالفسوق﴾

﴾ وهو دون الكل ولم يترك عليكم األمر األدنى وهووالعmصيان﴿قال: ( من السورة بيان معنى اإليمان15. وسيأتي في اآلية )1العصيان"

واإلسالم ومراتبهما.

ما الفرق بين الفضل والنعمة:ن اللهm ونmعمة والله علmيم حكmيم﴿في قوله تعالى: ﴾. فضلفضال م

الله إشارة إلى ما عنده من الخير وهو مستغن عنه، والنعمة إشارة إلى ما يصل إلى العبد وهو محتاج إليه، ألن الفضل في األصل ينبئ عن الزيادة،

وعنده خزائن من الرحمة ال لحاجة إليها، ويرسل منها على عباده ما ال يبقون معه في ورطة الحاجة بوجه من الوجوه، والنعمة تنبئ عن الرأفة

والرحمة وهو من جانب العبد، وفيه معنى لطيف وهو تأكيد اإلعطاء، وذلك ألن المحتاج يقول للغني: أعطني ما فضل عنك وعندك، وذلك غير ملتفته إشارة إلى ما هو من إليه وأنا به قيامي وبقائي، فإذن قوله فضال من الل

جانب الله الغني، والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة، وهذا مما يؤكد قولنا فضال منصوب بفعل مضمر، وهو االبتغاء

. 2والطلب

.103، ص 28مفاتيح الغيب )التفسير الكبير(، فخر الدين الرازي، ج 1.104- 103، ص 28مفاتيح الغيب )التفسير الكبير(، فخر الدين الرازي، ج 2

116

﴾ فيه مناسبات عدة:والله علmيم حكmيم﴿ختم اآلية بقوله أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق، قال إن يشتبه على المؤمن كذبأولها:

الفاسق فال تعتمدوا على ترويجه عليكم الزور، فإن الله عليم، وال تقولوا كما كان عادة المنافق لوال يعذبنا الله بما نقول، فإن

الله حكيم ال يفعل إال على وفق حكمته.

واعلموا أن فmيكم رسول اللهm لو﴿ لما قال الله تعالى: وثانيها:يطmيعكم ﴾ بمعنى ال يطيعكم، بل يتبع الوحي، قال فإن الله من كونه عليما

يعلمه، ومن كونه حكيما يأمره بما تقتضيه الحكمة فاتبعوه.

ب﴾علmيم حكmيم﴿ المناسبة التي بين قوله تعالى: ثالثها: وبين قوله حب إليكم اإليمان أي حبب بعلمه اإليمان ألهل اإليمان، واختار له من يشاء

بحكمته.

ن اللهm﴿ وهو األقرب، وهو أنه سبحانه وتعالى قال: رابعها: فضال م ﴾، ولما كان الفضل هو ما عند الله من الخير المستغني عنه، قالونmعمة

تعالى هو عليم بما في خزائن رحمته من الخير، وكانت النعمة هو ما يدفع.1به حاجة العبد، قال هو حكيم ينزل الخير بقدر ما يشاء على وفق الحكمة

علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السالم عن الحب والبغض أمن اإليمان هو، فقال:

mليكم اإلmيمانوهل اإليمان إال الحب والبغض، ثم تال هذه اآلية ﴿حبب إmليكم الكفر والفسوق والعmصيان ه إ وزينه فmي قلوبmكم وكر

دون mاش . 2﴾أولئmك هم الر

الراشدون: الرشد: االستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، من . وقد مر أن الراشدين بمعنى3الرشادة وهى الصخرة، وكل صخرة رشادة

الذين يقوم الرشد بهم.

.104)م.س(، ص 1.125، ص 5، باب الحب في الله والبغض في الله، ح2الكافي، الكليني،ج 2.388تنزيل اآليات على الشواهد من األبيات، شرح شواهد الكشاف، محب الدين األفندي، ص 3

117

وإذا تتبعنا هذه الكلمة في القرآن فنجدها وردت في عدة موارد منها أن ولقد﴿الوصول إلى درجة الرشد والكمال هي هداية من الله تعالى لألنبياء

ين mمmه عالmن قبل وكنا بmيم رشده م mبراهm . قيل معنى رشده1﴾آتينا إ االهتداء لوجوه الصالح. وقيل: هو الحجج الموصلة إلى التوحيد. وقيل:

النبوة. ثم إن وظيفة هؤالء إهداء الناس إلى الرشد كما في قوله تعالى:﴿mشاد . وإن النبي موسى عليه2﴾يا قومm اتبmعونm أهدmكم سبmيل الر

هل﴿السالم قد طلب من الخضر عليه السالم تعليمه ليصل إلى الرشد ا علمت رشدا م mم mعك على أن تعلمنmواإليمان يهيء األرضية3﴾أتب .

نوا بmي لعلهم يرشدونالمناسبة للرشد والرشاد mوليؤم﴾ . القرآن4﴿شدm﴿الكريم يهدي إلى الرشد . وفي هذه اآلية في سورة5﴾يهدmي إmلى الر

أولئmك هم﴿الحجرات تبين أن أهل اإليمان الواقعي هم أهل الرشد دون mاش ﴾. يتبين من خالل هذه اآليات أن الرشد في القرآن الكريم، هوالر

رشد معنوي وروحي يصل إليه اإلنسان من خالل إيمانه وعالقته بالله تعالى. وفي مجال اتباع القيادة يبين القرآن أنه إن لم تكن القيادة

معصومة كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واألئمة عليهم السالم أو صالحة كالولي الفقيه، فإن األمة ستخضع للحكم االستبدادي وهذا معناه

يد﴿عدم الرشاد mرشmرعون ب mولكن اذا كانت القيادة6﴾وما أمر ف . معصومة والقرار يصدر منها أو صالحة وعادلة ستكون األرضية مهيئة

للرشد وسيصل المجتمع اإليماني في ظل هكذا قيادة إلى رشدهالمطلوب ويصبح مجتمعا راشدا.

.51سورة األنبياء، اآلية 1.38سورة غافر، اآلية 2.66سورة الكهف، اآلية 3.186سورة البقرة، اآلية 4.2 سورة الجن، اآلية 5.97سورة هود، اآلية 6

118

بطالن الجبر: إن اآلية الكريمة تدل على بطالن الجبر في األفعال وصحة نظرية االختيار التي يؤمن بها اإلمامية، فاآليات اآلنفة تجسيد بين لوجهة نظر اإلسالم في

" والهداية واإلضالل، ألنها توضح هذه اللطيفة ـالجبر واالختيارمسألة " " للهداية والرشد، فمن جهةواألرضيةبجالء ـ وهي أن الله يهيئ المجال "

يبعث رسوله ويجعله بين الناس وينزل القرآن الذي هو نور ومنهج هداية, ومن جهة يلقي في النفوس العشق لإليمان ومحبته, والتنفر والبراءة من الكفر والعصيان، لكن في النهاية يوكل لإلنسان أن يختار ما يشاء ويصمم

بنفسه، ويشرع سبحانه التكاليف في هذا المجال!... وطبقا لآليات المتقدمة فإن عشق اإليمان والتنفر من الكفر موجودان في قلوب جميع

الناس دون استثناء وإذا لم يكن لدى بعضهم ذلك فإنما هو من جهة أخطائهم وسلوكياتهم وأعمالهم، فإن الله لم يلق في قلب أي شخص حب

العصيان وبغض اإليمان.

إن اآلية الكريمة تدل على بطالن الجبر بهذا البيان، إنتوضيح ذلك:mليكم اإلmيمان وزينه فmي قلوبmكم﴿كلمة ﴿. وكلمة حبب إ mليكم﴾ ه إ وكر

﴾. تدل على بطالن الجبر, ألن الجبر يعنيالكفر والفسوق والعmصيان "الجبر هو الحمل على الفعل واالضطرار إليه بالقهر والغلبة،

وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على دفعه واالمتناع من وجوده فيه. ومذهب الجبر هو قول من يزعم أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير

أن يكون للعبد قدرة على ضدها واالمتناع منها وخلق فيه.1المعصية كذلك"

ومن الواضح أن الشخص الذي يحب شيئا ما فإن أفعاله وسلوكياته ستكون طبقا لهذه المحبة القلبية. وفي المقابل الشخص الذي يكره شيئا وينفر منه في قلبه سينعكس هذا أيضا في سلوكياته وسيكون نفوره مما

يكره واضح في هذا المجال.

. )بتصرف(.46تصحيح اعتقادات اإلمامية، الشيخ المفيد، الجبر والتفويض، ص 1

119

اذا كان الشخص يحب اإليمان فستكون سلوكياته طبقا إليمانه. وإن أثر هذا الحب سيجعله يقرر بإرادته طاعة الله تعالى ومن خالل هذه اإلرادة سيقوم بفعل الواجبات وترك المحرمات، مع قدرته على فعل العكس،

ولكن الحب الذي في قلبه لإليمان يدفعه الختيار الطاعة وترك المعصية.".وهلm اإليمان إmال الحب والبغضكما نقلنا عن اإلمام قوله: "

إذا اتضح هذا البيان نقول: لو افترضنا أن العباد مجبورن على الطاعة والمعصية وال تقع تحت اختيارهم. فإن تحبيب اإليمان لهم من قبل الله

تعالى وتنفيرهم من الكفر والفسوق والعصيان لكي تصدر منهم األعمال الحسنة ويبتعدون عن األعمال السيئة، فإذا افترضنا الجبر في أفعالهم فال

معنى لتحبيب اإليمان وتبيغض الكفر، بل تصبح هذه اآلية في مقام اللغو وال ثمرة عملية لهذا الكالم.فإذا اعتبرنا أن الناس في حب اإليمان وبغض الكفر مجبورون على ذلك، فإن هذه المحبة والبغض ال يكون لها أي قيمة

حتى تكون محبوبة لله تعالى، وال يستحقون أي ثواب على أعمالهم. وببيان آخر: نقول نجد بالوجدان أن هناك أفرادا يبغضون اإليمان ويحبون الفسق

والكفر والعصيان، إذا التحبيب والتبغيض من الله تعالى ليس جبريا. وإذا كان األمر كذلك فينبغي أن يكون كل الناس يحبون اإليمان ويبغضون

الكفر.

الدروس المستفادة من اآلية - يجب االلتفات إلى شخصية القائد وحكمته فأنتم من هذه الناحية ليس1

﴾، السائر إلى الله ال﴿فmيكم رسول اللهmفيكم قائدا عاديا بل رسول الله، إلى أهوائكم، الذي ال يدعو إال إلى الله، ومن المحال أن يطيعكم في

ن األمرm﴿كثير من األمر، و ﴾ أمر الشرع وحكمهلو يطmيعكم فmي كثmير م ﴾ أي أثمتم وهلكتم، فعجزتم أنتم عن إمرار الحياة المريحة،لعنmتم﴿

.1واستمرار الحياة السعيدة، واخلدتم إلى حياة جهنمية فوضى

.232، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج 1

120

- هذه اآليات تؤكد مرة أخرى أن وجود القائد "اإللهي" ضروري لرشد2 جماعة ما، بشرط أن يكون مطاعا ال مطيعا وأن يتبع أصحابه وجماعته

أوامره ال أن يؤثروا عليه ويفرضوا عليه آراءهم "ابتغاء مقاصدهم ومصالحهم" وهذه المسألة ال تختص بالقادة اإللهيين فحسب، بل ينبغي أن

تكون حاكمة في المديرية والقيادة في كل مكان، وحاكمية هذا األصل ال.1تعني استبداد القادة، وال ترك الشورى

- إن القائد الذي يحمل الحكمة والمعرفة والبصيرة يجب على الرعية3 الرجوع إليه في توجيه المجتمع وتحصينه من الفتن والشبهات. وأيضا ال يصح من الرعية الضغط عليه لقبول آراءهم وشهوات أنفسهم، ألن ذلك

ليس من مصلحتهم على اإلطالق.

- اذا أردنا أن ال نصل إلى الندامة التي تحدثت عنها آية النبأ السابقة4ين * واعلموا أن فmيكم رسول اللهm﴿فعلينا اتباع تعاليم األنبياء mمmناد﴾.

ألن لوجود الرسول في األمة امتيازات خاصة منها أنه بوصلة األمانالحقيقية للمجتمع.

- يتوقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشاور اآلخرين، ولكن ال5 بد أن ال يتوقع اآلخرون أن يطيعهم في شوؤنه ألن القرآن صرح

رهم فmي األمرmبالمشاورة mأما اآلية في الحجرات فتقول بأن2﴾﴿وشاو . موقع رسول الله هو موقع من يطاع ال من يطيع.

﴾. والشورى موردها األمور التي ترجع إلى شؤونلو يطmيعكم ... لعنmتم﴿ الناس ال مانع من أن يشاورهم في األمر وهم يتشاورون فيما بينهم، أما

كل ما يرجع إلى الله ورسوله فهو ليس مورد للشورى. وقوله تعالى: إmني﴿ يشير إلى القسم األول، أما قوله: 3﴾وأمرهم شورى بينهم﴿

mماما لك لmلناسm إ mفاإلمامة منصب إلهي4﴾جاع .

 .530، ص 16األمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 1.159سورة آل عمران، اآلية 2.38سورة الشورى، اآلية 3.124سورة البقرة، اآلية 4

121

يجعله الله ألوليائه وليست موردا للشورى، ألنها ال ترجع إلى أمورهم بلإلى الله تعالى.

- إن المشكالت االجتماعية التي تعصف بمجتمعاتنا سببها ابتعادنا عن6 تعاليم األنبياء عليهم السالم والعمل بأهوائنا وأذواقنا وعاداتنا وتقاليدنا بعيدا

لو﴿عن رسائل السماء، وهذا ما يؤدي إلى ضياع المجتمع وتفكيكه. . ﴾يطmيعكم ... لعنmتم...

- ينبغي على القائد الصالح أن يكون له االستقالل الكامل في اتخاذ الرأي7 والقرار المناسب - بعد المشاورة - وال يتأثر بضغط اآلخرين عليه، هذا هو

.﴿المفهوم من قوله تعالى: ﴾لو يطmيعكم ... لعنmتم...

- إن الدين واإليمان من األمور الفطرية التي أودعها الله تعالى في باطن8.اإلنسان: mليكم اإلmيمان... ﴾حبب إ ﴿

- اإليمان أمر قلبي، واألمور القلبية ال تتالئم وتتوافق مع الجبر والفرض9.والحتمية. mليكم اإلmيمان... ﴾حبب إ ﴿

- إن اإليمان هو زينة القلب كما أن الجبال واألنهار واألزهار وغير ذلك10mنا جعلنا ما على األرضm زmينة لها لmنبلوهم أيهمهي زينة األرض: ﴿إ

. والفرق بين األمرين هو أن زينة اإلنسان المؤمن هي1﴾أحسن عمالالكماالت المعنوية والترقي الروحي كما أن األمور المادية زينتها الماديات.

- إذا كان اإلنسان من أهل اإليمان فعليه أن يبتعد ويبغض الكفر11mليكم اإلmيمان...والفسوق والعصيان. حبب إ ﴿ . mليكم الكفر... ه إ ﴾كر

- إن اإلنكار القلبي - الكفر - هو مقدمة لكل الشرور والمفاسد12 " ثم ثنت "الكفرفالجحود هو أساس كل المعاصي، ولذا اآلية قدمت

بالفسوق والعصيان"."

.7سورة الكهف، اآلية 1

122

- التنفر والبعد عن المعصية والكفر والفسق هو أمر فطري، كما أن13 اإليمان وطاعة الله هي فطرية أيضا. وإن هذا التنفر هو الذي يوصل

دون﴿المؤمن إلى الرشاد: mاش ﴾. والعكس صحيح فإن عدمأولئmك هم الره... أولئmك هم﴿التنفر من هذه األمور يوصل إلى عدم الرشد: وكر

دون mاش ﴾.الر

123

للمطالعة

1آداب الكالم في آيات القرآن

إذا راجعنا اآليات القرآنية نجدها بينت جملة من اآلداب واألحكام التيينبغي التمسك بها اثناء الكالم:

ين﴿- أن يكون الكالم واقعيا وحقيقيا: 1 mنبإ يقm2﴾ب.ن القولm﴿- أن يكون الكالم وديا ونابعا من القلب: 2 mم m3﴾الطيب..4﴾قوال بلmيغا﴿- أن يكون الكالم واضحا وطليقا وشفافا: 3.5﴾قوال لينا﴿- أن يكون كالما لينا ال غلظة فيه: 4.6﴾قوال كرmيما﴿- أن يكون كالما سمحا فيه الخير والبركة: 5يسورا﴿- أن يكون الكالم مقبوال وسهال تطبيقه: 6 .7﴾قوال مورm﴿- يجب خلو الكالم من أي لغو أو باطل: 7 عنm﴿، 8﴾واجتنmبوا قول الز

.9﴾اللغوm معرmضون - يجب أن يقترن الكالم بالعمل وإال يصبح التكلم موردا للعتاب واللوم:8.10﴾لmم تقولون ما ال تفعلون﴿

.164، ص، 9ينظر: تفسير نور، )فارسي(، محسن قرائتي، ادب در كفتار، ج 1.22سورة النمل، اآلية 2.24سورة الحج، اآلية 3.63سورة النساء، اآلية 4.44سورة طه، اآلية 5.23سورة اإلسراء، اآلية 6.28سورة اإلسراء، اآلية 7.30سورة الحج، اآلية 8.3سورة المؤمنون، اآلية 9

.2سورة الصف، اآلية 10

124

الدرس السادس: اإلصالح بين المؤمنين

:مفاهيم محورية- من هم المأمورون باإلصالح؟

- المبادئ االجتماعية المستفادة من اآلية:- إصالح ذات البين.- االنتصار للمظلوم.

- وجوب التصدي للعدوان. - قتال أهل البغي وحاالت الفئة الباغية.

- الدروس المستفادة من اآلية.

125

126

النص القرآنينmين اقتتلوا فأصلmحوا﴿قال الله تعالى: mن المؤم mم mفتانmن طائmوإ

بينهما فإmن بغت إmحداهما على األخرى فقاتmلوا التmي تبغmي حتىmالعدلmحوا بينهما بmن فاءت فأصلmفإ mالله mلى أمرmيء إ mتف

طmين mب المقسmن الله يحmطوا إ mوأقس.﴾

تمهيد إن صالح العمل من األمور العظيمة والمهمة التي ذكرها القرآن الكريم

"فالصالح المطلق في اإلنسان: هو القدم األول والمرحلة األولى في سيره إلى الكمال، وما لم يتحصل هذا القدم: ال يتيسر له السلوك

والخروج عن عالم الحيوانية، بل جريان أمره يكون في اختالل وفساد. نعم قد ذكر في كالم الله تعالى: أن اللقاء وهو آخر مراحل الكمال والسعادة،

فمن كان﴿يتوقف على حصول أمرين، الصالح واإلخالص. فقال تعالى: ﴾.يرجو لmقاء ربهm فليعمل عمال صالmحا وال يشرmك بmعmبادةm ربهm أحدا

واإلخالص هو حقيقة التوحيد الحق. وأما التقييد بصالح العمل: فان الصالح.1في العمل هو آخر درجة منه، وهو ال يتحقق إال بعد صالح الباطن..."

ومن هنا يكتسب اإلصالح بين الناس األهمية القصوى كما سنبين.

.)بتصرف(.266، ص 6التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج  1

127

شرح مفردات اآلية mفتانmالطائفة عبارة عن جماعة لهم ارتباط وسابقة وحركة وترددطائ :

.1إلى الجانب الذى هو المنظور

الصالح: ضد الفساد، وهما مختصان في أكثر االستعمالفأصلmحوا: . اإلصالح ينتفي2باألفعال، وقوبل في القرآن تارة بالفساد، وتارة بالسيئة

.3بتحقق اإلفساد

طلب تجاوز االقتصاد فيما يتحرى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارةبغت: يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بغيت الشيء: إذا طلبت أكثر ما يجب، وابتغيت كذلك، قال الله عز

تنة مmن قبلوجل mابتغوا الف mلقد ﴿، وقال تعالى: ﴿: تنة﴾ mيبغونكم الف.﴾ والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى اإلحسان،

والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو.4تجاوزه إلى الشبه....

يء: mهو التحني بعد التجبر. ومن لوازمه: العود، والرجوع، والتقلب،تف والتحول. ومن مصاديقه: حصول الظل بعد حرارة الشمس. وتحني الزوجة

يءوانعطافها بعد قهرها. قوله تعالى: mي حتى تفmي تبغmلوا التmفقات﴿ mالعدلmحوا بينهما بmن فاءت فأصلmفإ mالله mلى أمرmيراد االنعطاف﴾إ

والتحني والخضوع بعد اإليالء والبغي، وليس بمعنى الرجوع، فإن مطلق الرجوع من دون خضوع وتحن وانكسار، ال فائدة فيه. وهذا لطف التعبير

.5بالمادة

.144، ص 7التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج  1.490مفردات ألفاظ القرآن، الراغب األصفهاني، صلح، ص 2.)بتصرف(.266، ص 6التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 3.309، ص 1التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 4.166، ص 9التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 5

128

: mالعدلmعدل: هو توسط بين اإلفراط والتفريط بحيث ال تكون فيه زيادةب وال نقيصة، وهو االعتدال والتقسط الحقيقي. وبمناسبة هذا األصل تطلق

على االقتصاد والمساواة والقسط واالستواء واالستقامة، كل منها في.1مورد مناسب مع لحاظ القيد

طوا mه. وهذاوأقس : هو إيصال شيء إلى مورده وإيفاء الحق إلى محل المعنى إنما يتحقق في مقام إجراء العدل وإعماله في الخارج. ومن

مصاديقه: إيصال النفقة وتفريقها على العيال. ويظهر من ذكر اإلقساط بعد العدل: أن اإلقساط يغاير العدل ويتحقق بعده، فإنه تطبيق العدل في

.2الخارج وإجراؤه

المعنى اإلجمالي إن اآلية الكريمة هي عالج لآلثار الخطيرة التي قد يحدثها خبر الفاسق في المجتمع، فلو حصل بسبب إخباره اقتتال بين المؤمنين، فإن الواجب على اآلخرين من المجتمع اإليماني اإلصالح بينهم، فاآلية تكملة إلبراز أخطر ما

يمكن أن يوقعه الفاسق في المجتمع اإليماني، فإن نفس التفكير بالوصولإلى هذه النتيجة يشدد على المؤمنين كيفية تعاطيهم مع األنباء.

فاآلية متصلة مع ما سبق من آية النبأ بهذا البيان: أن الله لما حذر المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق، أشار إلى ما يلزم منه استدراكا لما

يفوت، فقال فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم، وآل األمر إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا

بينهما.

"واو العاطفةولذلك اآلية من الناحية اللغوية بدأت بحرف العطف " وهي تدل على عطف الجملة الشرطية في هذه اآلية على الجملة

الشرطية في آية النبأ، وألن العالقة العاطفة بالواو هو بين جملتين، فال يوجد بينهما كمال االتصال وال يوجد بينهما كمال االنقطاع ومن هنا تظهر

لطافة العطف.

.55، ص 5التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 1.259، ص 9التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 2

129

نmين﴿قوله: mن المؤم mم mفتانmن طائmال يدل على أنهما إذا اقتتال بقياوإ ﴾ على اإليمان، ويطلق عليهما هذا االسم، بل ال يمتنع أن يفسق أحد

الطائفتين أو يفسقا جميعا، وجرى ذلك مجرى أن تقول: وإن طائفة منالمؤمنين ارتدت عن اإلسالم فاقتلوها.

فإmن بغت إmحداهما على األخرى فقاتmلوا التmي تبغmي﴿ثم قال: يء mأي فإن بغت إحدى الطائفتين على األخرى بأن تطلب ما الحتى تف ﴾

﴾فقاتmلوا التmي تبغmي﴿يجوز لها وتقابل األخرى ظالمة لها متعدية عليها: يء إmلى أمرm اللهm﴿ألنها هي الظالمة المتعدية دون األخرى mأيحتى تف ﴾

حتى ترجع إلى أمر الله وتترك قتال الطائفة المؤمنة. ثم قال "فإن فاءت" ﴾فأصلmحوا بينهما﴿أي رجعت وتابت وأقلعت وأنابت إلى طاعة الله:

يعني بينها وبين الطائفة التى كانت على اإليمان ولم تخرج عنه بالقول، فالطوا﴿تميلوا على واحدة منهما mب أي اعدلوا ﴾وأقس mن الله يحmإ﴿

طmين m1 يعني العادلين، يقال: أقسط إذا عدل، وقسط إذا جار﴾المقس.

المعنى التفصيلي في رواياتنا أن اآلية الكريمة نزلت وهي تشير إلى ما سيقع من أحداث بعد

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها ما ذكره علي بن إبراهيم فينmين اقتتلواتفسيره قال: قال عز وجل mن المؤم mم mفتانmن طائmوإ﴾ ﴿

ا نزلت هذmهm اآلية على رسولm اللهm قال رسول اللهmاآلية، قال: "لمنكم من يقاتmل على التأوmيلm صلى الله عليه وآله وسلم mن مmإ

ن بعدmي كما قاتلت على التنزmيلm فسئmل النبmي صلى الله عليه mم ير mوكان أم ،mالحجرةmب mف النعل mوآله وسلم من هو فقال خاص

mالله mف نعل رسول mين عليه السالم يخصmن mونذكر معنى2"المؤم . اآلية الكريمة ضمن النقاط التالية:

: تعالج آيات القرآن عادة أسوء الحاالت قبل الحديث عن الحاالتأوال العادية، فمثال حين تبين سورة النساء العالقات االجتماعية تستهلها بمعالجة

حالة

 . )بتصرف(.222، ص 9راجع: مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، ج 1.321، ص2تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج  2

130

الطالق التي هي عقدة العالقة األسرية، وكذلك سورة النور التي ترسم حدود األسرة الفاضلة تبتدئ ببيان حد الزنا، وسورة المائدة التي تبني كيان الحضارة اإلسالمية نراها تحدثنا في فاتحتها عن حرمة االعتداء على أموال اليتامى الذين هم أضعف الحلقات االجتماعية، وهنا أيضا تعالج اآليات أعقد

حاالت الخالف وهي حالة االقتتال أوال ثم تتدرج في الحديث عن سائرالحاالت األقل تعقيدا. لماذا كل ذلك؟ يبدو أن وراء كل ذلك حكمتين:

: لبيان الغاية التي سوف تنتهي إليها تسلسل الحاالت، لكي الاألولى يستهان بمبدئها، فالخالفات الجزئية التي نستخف عادة بها والشائعات التي

نبثها هنا وهناك ضد بعضنا بال وازع، قد تنمو حتى تصبح صراعا دمويا بين طائفتين من البشر. فلكي نرى الحقائق ال بد أن نضرب لها مثال واضحا ثم

نقيس عليه سائر األمثلة.

: إن عظمة الشريعة تتمثل في معالجة الحاالت الشاذة البالغةالثانيةحدها في التعقيد، أما األوضاع العادية فإن التعامل معها سهل ميسور.

فمعالجة حالة الطالق أو الخيانة الزوجية )الزنا( هي المقياس لقدرة الشريعة على وضع نظام صائب لشؤون األسرة، كما أن الحفاظ على

أموال اليتيم دليل على مدى صالحية النظام االقتصادي في المحافظة علىحقوق الناس.

كذلك معالجة مشكلة الحرب األهلية تشهد على مدى صالحية النظام.1االجتماعي في مواجهة التحديات

اآلية الكريمة تبين قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمنثانيا:من الخصام والتفكك، تحت النزوات واالندفاعات. وتأتي تعقيبا على تبين

.387، ص 13من هدى القرآن، محمد تقي المدرسي، ج 1

131

خبر الفاسق، وعدم العجلة واالندفاع وراء الحمية والحماسة، قبل التثبتواالستيقان.

وسواء كان نزول هذه اآلية بسبب حادث معين كما ذكرت الروايات، أم كان تشريعا لتالفي مثل هذه الحالة التي ستحصل وهو األرجح حسب روايتنا، فهو يمثل قاعدة عامة محكمة لصيانة الجماعة اإلسالمية من

ق. ثم إلقرار الحق والعدل والصالح. واالرتكان في هذا كله ك والتفر التفكإلى تقوى الله ورجاء رحمته بإقرار العدل والصالح.

والقرآن قد واجه - أو هو يفترض - إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين. ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف اإليمان مع اقتتالهما، ومع

احتمال أن إحداهما قد تكون باغية على األخرى، بل مع احتمال أن تكونكلتاهما باغية في جانب من الجوانب.

وهو يكلف الذين آمنوا - من غير الطائفتين المتقاتلتين طبعا - أن يقوموا باإلصالح بين المتقاتلين. فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحق -

ومثله أن تبغيا معا برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها - فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة إذن، وأن يظلوا يقاتلونهم

حتى يرجعوا إلى أمر الله. وأمر الله هو وضع الخصومة بين المؤمنين،.1وقبول حكم الله فيما اختلفوا فيه، وأدى إلى الخصام والقتال

رغم أن األخوة الصادقة والصلح البالغ هما لزام اإليمان كما خوطبواثالثا: به، إال أن هناك - وبين غير الكاملين في اإليمان، أو الجاهلين والمتجاهلين

شرائط اإليمان - نزوات ونزعات واندفاعات فخصامات وحميات وحماسات فتفككات ومنازعات شاسعة عن ساحة اإليمان، قد تتخطى

التالسن والتضارب

.3343، ص 6ينظر: في ظالل القرآن، سيد قطب، ج 1

132

إلى مقاتالت، ومهما يكن من شيء فالمؤمن ال يحارب أخاه إال على تكلف، وعل االقتتال الملمح - إليه، دون التقاتل - يعنيه "اقتتال" ال "تقاتال"

حيث االقتتال افتعال للقتال متكلف وليس فعال مقصودا وبين المؤمنيناإلخوة!.

فال بد إذا من صيانة إلهية تصون على هذه الفوارق الدامية، وتعتلج ما تختلج في خلد اإليمان من فكرة االقتتال، ومن ثم واقعه إذا حصل، أال

وهي استنفار سائر المؤمنين لمواجهة المشكلة الداخلية إصالحا، مهما كانالثمن غاليا ولو كان القتال قضاء على قتال.

من هم المأمورون باإلصالح؟ هذا السؤال في غاية األهمية ألنه إن لم نحدد مسبقا من هم الذين لهم

شأنية اإلصالح بين المؤمنين فقد نولد فوضى أصعب في بعض األحيان مناالقتتال نفسه.

وترى من هم المأمورون باإلصالح، أو القتال إذا لزم األمر؟ فهل إنه أمر فوضى بين دويالت صغيرة إسالمية - إن صح التعبير- وبين شعوب متشعبة حسب الدويالت، فيزيد ويالت على ويالت، ألنهم مختلفون في اجتهادات أو

سياسات؟!.

كال! إنه أمر موجه إلى سائر المؤمنين العائشين تحت قيادة واحدة إسالمية، دولة إسالمية واحدة بشعبها الموحد، ال تفصل بينهم قوانين أو

حدود، فاآلية هذه وأضرابها تلميح أو تصريح بضرورة تأسيس دولة واحدةإسالمية، ال دويالت هي ويالت على المسلمين، وأماكن استعمار للكافرين.

المبادئ االجتماعية المستفادة من اآلية - إصالح ذات البين: ورد في القرآن الكريم العديد من اآليات التي تدعو1

ق واالختالف المسلمين وتأمرهم باإلجماع والتآلف، وتنهى عن التفر﴿المؤديين إلى التنازع والفشل، فمن هذه اآليات قوله تعالى: موا mواعتص

قوا واذكروا نmعمة اللهm عليكم إmذ كنتم يعا وال تفر mجم mالله mحبلmب mخوانا أعداء فألف بين قلوبmكم فأصبحتم بmنmعمتmهm إ

133

نها كذلmك يبين الله ن النارm فأنقذكم م وكنتم على شفا حفرة م وال تكونوا كالذmين﴿. ومنها قوله تعالى: 1﴾لكم آياتmهm لعلكم تهتدون

قوا واختلفوا مmن بعدm ما جاءهم البينات وأولئmك لهم عذاب تفر﴿. ومنها قوله: 2﴾عظmيم وأطmيعوا الله ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا

ابmرmين . ومنها آية اإلصالح3﴾وتذهب رmيحكم واصبmروا إmن الله مع الص مورد البحث، إلى غير ذلك من اآليات الكثيرة في هذا المعنى. وهي كلها

تدل على وجوب وحدة األمة والعمل على سالمة هذه الوحدة وصيانتها من العبث والبغي، وهذه اآليات جميعا جاءت متفقة على األمر بالوحدة والنهي

عن التشتت واالفتراق واالختالف، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت، وذلك ال يتأتى إال إذا كان إمامها واحدا ال ينازعه أحد،

وحدة الوليوهو ما يطرحه بعض الفقهاء في الفقه اإلمامي بعنوان " " بعد المفروغية عن أصل الوالية العامة له. إذ إن وجود إمامينالفقيه

فأكثر يؤدي إلى التنازع، وينجر إلى الشقاق والتناحر ال محالة، وهذا مما نهى اإلسالم عنه، فدل على وجوب أن يكون إمام المسلمين واحدا، ألن ما

ال يتم الواجب إال به فهو واجب.

وإن وجوب إصالح ذات البين وهو خلق شريف وعمل فاضل حث عليه . فإن إصالح ذات﴾وأصلmحوا ذات بmينmكم﴿القرآن الكريم. قال تعالى:

البين وإيجاد التفاهم وقلع الكدر والبغضاء من صدور المسلمين، وتبديل تعني"ذات"كل ذلك بالمحبة، يعد من أهم األغراض اإلسالمية. وكلمة

الخلقة والبنية وأساس الشيء، والبين يعني حالة االرتباط والعالقة بين شخصين أو شيئين. فبناء على هذا فإن إصالح ذات البين يعني إصالح أساس االرتباطات، وتقوية العالقات وتحكيمها، وإزالة عوامل التفرقة

والنفاق.

.103سورة آل عمران، اآلية 1.105سورة آل عمران، اآلية 2.46سورة األنفال، اآلية   3

134

"صدقةجاء عن اإلمام الصادق عليه السالم في كتاب الكافي أنه قال: م إmذا mهmذا تفاسدوا وتقارب بينmإ mالناس mصالح بينmبها الله إ mيح

.1تباعدوا"

االنتصار- االنتصار للمظلوم )إحقاق الحق ال فض النزاع(:2 للمظلوم حتى ينال حقه وهذا خلق إذا نما فى األمة علمها العزة ورفع

عنها الذلة وزادها ارتباطا وحبا وأخوة وقربا.

ألنه قد يعتقد أن الهدف من الصلح هو إنهاء النزاع مع أن المفهوم من سورة الحجرات أن اإلصالح بين األطراف - سواء كانت دائرته بين األفراد

والجماعات، أم بين األزواج والزوجات واألقارب واألرحام أم بين المتداينين أم في األموال والدماء وفي النزاع والخصومات، فإنه في كل هذه الصور -

الهدف من الصلح هو إحقاق الحق ال فصل الخصومة، فال نكتفي بفصل الخصام والنزاع بل يجب إحقاق العدل في الخارج وهو ما عبرت عنه اآلية

"إن وأن من فعل ذلك صار موردا للحب اإللهي "بالقسط"الكريمة ولعل هذه النقطة هي نقطة فارقة بين القانونالله يحب المقسطين"

المدني والقانون اإلسالمي، فالقانون المدني كل ما يعنيه هو حل النزاع بين الطرفين وال شغل له بأن تصل الحقوق إلى مستحقيها أو ال، فهو يقوم بحل النزاع بسلطة القانون أما اإلسالم ال يكتفي بحل النزاع ألن ذلك عنده

مقدمة ألمر أساس وهو إحقاق العدل االجتماعي بين الناس، وال يقبل بتضييع حقوق المظلومين وتكريس سلطة الظالمين، بدعوى أن القانون

يحكم بذلك. على أن فض االشتباك أو حل النزاع هو حل مؤقت قد ينتهي بانتهاء الظروف التي انتجت الصلح، أما إيصال الحقوق وتحقيق العدل هو

حل دائم، ألنه إنهاء لمادة النزاع من جذوره ال تأجيل له.

إن الحفاظ على وحدة المجتمع اإلسالمي- وجوب التصدي للعدوان:3 وتماسكه هي من أهم الوظائف التي دعت إليها السورة المباركة، وفي

سبيل الحفاظ على هذه

.209، ص 1، باب اإلصالح بين الناس، ح2الكافي، الكليني، ج 1

135

الوحدة والبنية المجتمعية يجب فعل أي شيء ممكن ومشروع للوصول إلى ذلك والحيلولة دون تفكيك المجتمع. واعتبرت السورة كما قلنا أن

الفتنة واالقتتال هي أخطر المظاهر على بنية ووحدة المجتمع، فيجب على المؤمنين اإلصالح بين المتقاتلين، وإذا لم ينفع ذلك فعليهم قتال الفئة الباغية وصد عدوانها، ألن الهدف من هذا القتال إرجاع وحدة وتماسك

المجتمع في قبال القتال الذي يستهدف تفكيك المجتمع وجعله دويالت فهو ردع للقتال المفسد والفاسد بقتال مصلح وصالح. ولذا يجب التصدي

.1للعدوان وتغييره وإقامة العدل مهما كانت العوائق فى سبيل ذلك

بحث حول اآليةقتال أهل البغي:

هل اآلية تشمل حالة القيام ضد الحكم اإلسالمي أم تخص االختالف بين طائفتين من المسلمين ليس بينهما إمام؟ المعروف بين المفسرين أنها

تشمل الحالة األولى ولذلك فقد تحدثوا في تفسيرها عن حكم البغاة، وعما حدث في الصدر األول من اقتتال األصحاب مما كان مظهرا واضحا

للبغي ضد اإلمام الحاكم.

وقد يفهم هذا الحكم أي قتال البغاة من رواية السيوف عن اإلمام الباقر عليه السالم والتي قال فيها: وأما السيف المكفوف فسيف على أهل

البغي والتأويل )ثم قرأ اآلية الكريمة: وإن طائفتان..(...

وإmن طائmفتانm مmن﴿وقد استفاد جملة من الفقهاء من قوله تعالى نmين اقتتلوا فأصلmحوا بينهما فإmن بغت إmحداهما على mالمؤم

يء إmلى أمرm اللهm فإmن فاءت mي حتى تفmي تبغmلوا التmاألخرى فقات طmين mب المقسmن الله يحmطوا إ mوأقس mالعدلmحوا بينهما بmفأصل﴾

.24، ص 66، مسألة 1أجوبة االستفتاءات، اإلمام الخامنئي، ج 1

136

يجادmلونك فmي الحق بعدما تبين كأنما يساقون إmلى الموتm وهم﴿﴾ عدة أحكام متعلقة بقتال البغاة منها: ينظرون

: أن البغاة على اإليمان ألن الله سماهم مؤمنين، وهذا عندنا باطل,األول وإmن فرmيقا من﴿ألنه إنما سماهم مؤمنين في الظاهر كما قال:

نmين لكارmهون mي الحق بعدما تبين كأنما المؤمmلونك فmيجاد * وهذه صفة المنافقين بال خالف.1﴾يساقون إmلى الموتm وهم ينظرون

﴾ وهذا صحيح عندنا.فقاتmلوا التmي تبغmي﴿: وجوب قتالهم فقال: الثاني

: القتال إلى غاية وهو أن يفيئوا إلى أمر الله بتوبة أو غيرها، وهذاالثالثيء إmلى أمرm اللهm﴿صحيح ألنه قال: mحتى تف.﴾

: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس المقصود من اآلية قتال أهلالرابعة البغي بل االقتتال بين المؤمنين من دون النهوض في وجه اإلمام المعصوم

أو الحاكم العادل.

ضمن2""قتال أهل البغيوهناك باب في الفقه اإلسالمي بعنوان: كتاب الجهاد، والمراد منه قتال الظلمة الذين ينهضون بوجه "اإلمام العادل

في المسلمين" وقد وردت فيهم أحكام كثيرة في هذا الباب... إال أن ما أثارته اآلية اآلنفة موضوع آخر، وهو النزاع الواقع بين الطائفتين المؤمنين، وليس في هذا النزاع نهوض بوجه إمام المسلمين العادل وال نهوض بوجه

الحكومة اإلسالمية الصالحة، وقد أراد بعض الفقهاء أو المفسرين أن يستفيدوا من هذه اآلية "في المسألة السابقة" إال أن هذا االستدالل كما

يقول الفاضل "المقداد" في "كنز العرفان" خطأ بين.

ألن القيام

.6سورة األنفال، اآلية 1 تنظر الكتب التالية: النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الشيخ الطوسي، باب قتال أهل البغي 2

، قتال أهل3. مسالك األفهام، الشهيد الثاني، ج296والمحاربين وكيفية قتالهم والسيرة فيهم، ص . وغيرها من الكتب الفقهية كالجواهر، والسرائر، والحدائق، تذكرة الفقهاء، الخ.91البغي، ص

137

والنهوض بوجه اإلمام العادل موجب للكفر، في حين أن النزاع بين المؤمنين موجب للفسق فحسب ال الكفر، ولذلك فإن القرآن المجيد عبر عن الطائفتين بالمؤمنين وسماهم إخوة، فال يصح تعميم أحكام أهل البغي

على أمثال هؤالء!...

ومن المؤسف أننا لم نعثر على بحث في الفقه في شأن أحكام هذه الطائفة، إال أن ما يستفاد من اآلية المتقدمة بضميمة القرائن األخر

وخاصة ما ورد من إشارات في باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكرهي األحكام التالية:

- إن اإلصالح بين الطوائف المتنازعة "من المسلمين" أمر واجب كفائي.1 - ينبغي لتحقق هذا األمر أن يشرع أوال من المراحل البسيطة وأن تراعى2

إال أنه إذا لم ينفع ذلك فيجوز عندئذ"األسهل فاألسهل"قاعدة المواجهة المسلحة بل تلزم أحيانا...

- ما يسفك من دم البغاة في هذا السبيل وما تذهب منهم من أموال كلها3 هدر، ألن حكم الشرع قد امتثل وأديت الوظيفة الواجبة، واألصل في مثل

هذه الموارد عدم الضمان! - حيث إن الهدف من هذه المقاتلة والحرب حمل الطائفة الباغية على4

"أسرى الحربقبول الحق، فعلى هذا ال تثار في الحرب مسألة ألن الطائفتين بحسب الفرض مسلمتان، إال أنه ال مانع منوالغنائم"

األسر مؤقتا إلطفاء نائرة النزاع ولكن بعد حل النزاع والصلح يجب إطالقاألسرى فورا...

وفي ختام هذا الكالم نؤكد مرة أخرى أن حكم هؤالء البغاة منفصل عن حكم الذين يقفون بوجه اإلمام المعصوم أو الحكومة اإلسالمية العادلة،

فإن لهذه الطائفة األخيرة أحكاما أشد وأصعب واردة في كتاب الجهاد من.1الفقه اإلسالمي

.540- 538، ص 16األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 1

138

حاالت الفئة الباغية:ثم الطائفتان المتقاتلتان لهما حاالت من حيث البغي المقصود وسواه:

﴾ إزالة للبغيفأصلmحوا بينهما﴿- أنهما باغيان من كل جهة مقصودة 1 ﴾ إن استمرت في البغي، أوفإmن بغت إmحداهما على األخرى﴿بينهما

يء﴿تحولت إلى بغي آخر أو بغي األخرى mي حتى تفmي تبغmلوا التmفقات . mالله mلى أمرmإ﴾

- أو أنهما باغيان جهال وسوء تفاهم دون تقصد؟ فكذلك األمر، كما وإذا2 استمرا في بغي مقصود وسواه )فقاتلوهما حتى يفيئا إلى أمر الله( قتال

هو نضال لإلصالح وإن شملهما إذا بغتا.

- أو أن إحداهما باغية قصدا أو سواه، ثم عند اإلصالح استمرت أو غيرت3﴾فقاتmلوا التmي تبغmيبغيها إلى وجه آخر، أم تابت ولكن األخرى بغت ﴿

سواء أكانت البادئة هي المستمرة، أو األخرى هي البادئة بعد األولى، فاليكون القتال إال مع التي تبغي بعد محاولة اإلصالح.

﴾ بأيةفأصلmحوا بينهما﴿فالمصلحون يبتدئون باإلصالح الموعظة واإليضاح وسيلة ممكنة عظة وبرهانا، فمن يتجاهل هذه اللغة الواعظة، فلغة القتال

﴿ ولكن إلى حد وليس فوضى انتقام: فقاتmلوا التmي تبغmي﴿ يء﴾ mحتى تف mالله mلى أمرmالذي تحققونه في اإلصالح، والذي أمر من تحقيق األخوةإ ﴾

﴾ حيث الفيء﴿فأصلmحوا بينهما﴾ الباغية: كرها هنا فإmن فاءت﴿اإليمانية إلى أمر الله طوعا هناك هو الصلح بعينه فال حاجة في اإلصالح، ولكنما الفيء كرها هنا بحاجة إلى إصالح بعده، يحدده عند حده لكي ال يتكرر،

دون أن تتحكم فيه روح"بالعدل"وذلك بتحكيم بنود االتفاق، ولكنه طوا﴿االنتقام mين﴿ هنا وهناك ﴾وأقسmط mب المقسmن الله يحmإ.﴾

فهنا إصالح أول طوعا، وإصالح ثان كرها، وقتال قبل الثاني إذا لزم األمر،

139

وليكن هذا المثلث المصلح عدال وقسطا، وهكذا ينتهي دور اإلصالح بين.1المؤمنين إلى حفاوة وحنان وعدل وإحسان

الدروس المستفادة من اآلية - إن وقوع النزاع بين المؤمنين هو أمر مؤقت وليس دائما. ألن اآلية1

"."يقتتلون﴾ ولم تعبر اقتتلوا﴿الكريمة عبرت

ال بد إذا أن يتحمل الناس جميعا مسؤولية الحفاظ على السالم ووقف -2 فأصلmحوا﴿نزيف الدم.وال فرق في المسؤولية بين أحد منهم وذلك لقوله

﴾.بينهما

ينبغي عدم تأخير الصلح بين المتنازعين والمبادرة الفورية إلى اإلصالح  -3﴾.فأصلmحوا﴿مهما أمكن وذلك لوجود حرف الفاء في قوله

إذا لم توافق األطراف المتنازعة )النزاع المسلح( على الصلح أو  -4 طائفة من الطائفتين فينبغي على المسلمين قتالهم، وقد أشرنا أن قتال الفئة الباغية في حال انطباق اآلية عليهم تكون تحت إمرة وقيادة اإلمام

المعصوم أو الحاكم العادل المتمثل في وقتنا الحاضر بالولي الفقيه﴾.فقاتmلوا التmي تبغmي﴿

- من أجل الحفاظ على أمان وسالمة ووحدة المجتمع اإليماني ينبغي5 على المسلمين إعالن الحرب على هؤالء البغاة حتى لو أدى ذلك إلى

قتلهم أي قتل البغاة، فإنهم مهدوري الدم أي ال قيمة لدمائهم فال يلزم أي دية لقتلهم سواء حكمنا بكفر البغاة أم لم نحكم بذلك، فهم في حال

اختيارهم الحرب على الصلح مهدورو الدم.

إن القتال والحرب ال يوقفها إال القتال والحرب، وإن كان ال فرق بين -6 الحربين ظاهرا إال أن لكل واحد منهما أهداف خاصة، فهدف البغاة هو

اإلفساد في

  .237، ص 27الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج 1

140

األرض وهدف المقاتلين لهم من المسلمين هو اإلصالح في األرض، ألنه قد يتعذر اإلصالح بالوسائل السلمية فال بد من إعمال القوة العسكرية

﴾.فقاتmلوا﴿

ينبغي عدم التهاون مع البغاة وعدم إمهالهم والمبادرة الفورية إلى -7 قتالهم بعد رفضهم الصلح، ألن التقاعس أو التمهل في ذلك قد يزيد من خطرهم على األمة، فيجب محاربتهم فورا. وذلك لوجود حرف الفاء في

﴾.فقاتmلوا﴿قوله:

- ال يوجد في اإلسالم حرب أهدافها ودوافعها حزبية أو قومية أو انتقامية،8 حتى﴿إنما الحرب في اإلسالم لها هدف مقدس واحد وهو قوله تعالى:

mالله mلى أمرmيء إ mتف.﴾

نmين اقتتلوا﴿- إذا قمنا بتحليل لقوله تعالى: 9 mن المؤم mم mفتانmن طائmوإ فأصلmحوا بينهما فإmن بغت إmحداهما على األخرى فقاتmلوا التmي

يء إmلى أمرm اللهm فإmن فاءت فأصلmحوا بينهما mي حتى تفmتبغ طmين mب المقسmن الله يحmطوا إ mوأقس mالعدلmنستنتج األمور التالية:ب .﴾

- في حال وقوع االقتتال يجب اإلصالح وبشكل فوري وهدف هذا اإلصالحإطفاء الفتنة المشتعلة.

- في حال عدم قبولهم للصلح )والظاهر أنه بعد إبرامه وخرقهما أو خرق أحدهما للصلح( يجب قتالهم أو قتال الفئة الباغية وبشكل فوري وهدف

يء إmلى أمرm اللهm﴿هذا القتال هو mأي ترجع الفئة الباغية إلىحتى تف ﴾ حكم الله تعالى منكسرة وضعيفة.

الرجوع الذي فيه انكسار وذلة تأتي مرحلة الصلح"الفيء" - بعد مرحلة ﴾فإmن فاءت فأصلmحوا بينهما بmالعدلmالثانية وهذا الصلح أهدافه﴿

ومنهجه وأساليبه مختلفة، ولكن يتفق مع المرحلة األولى أنه صلح وفوري ولكن الهدف األساس هو إحقاق العدل في الخارج وإيصال الحقوق إلى

مستحقيها بشكل

141

كامل أي صلح تام يمنع أي شكل من أشكال الفساد ويوصل إلى المظلومين والمستضعفين حقوقهم من الظالمين والمستكبرين وهو معنى

طوا﴿ mولم يستعمل هنا الفورية، ألن نار الفتنة قد أنطفئت بل قد﴾وأقس يكون المطلوب في هذه المرحلة هو الهدوء والدقة في العمل

والمفاوضات الجادة حتى تصل الحقوق إلى أهلها، وهذا يحتاج إلى وقت عادة، ولذا لم يأمر به الله تعالى على نحو الفورية. ويمكن القول باختصار

أن الصلح في المرحلة الثانية هو بنود االتفاق بين الطرفين بالعدل أيإرجاع الحقوق إلى أهلها. واإلقساط هو تطبيق بنود الصلح في الخارج.

- إن على المؤمن أن يضع نصب عينه أنه مهما تعرض لصعوبات في10 مجال إرساء الصلح والعدل بين المتنازعين فإنه سيكون محطا لعناية

طmين﴿وحب الله تعالى: mب المقسmيح.﴾

142

للمطالعة

وصايا أمير المؤمنين عليه السالم في الحرب وفي وصايا أمير المؤمنين عليه السالم في حروبه )الجمل، وصفين،

والنهروان( مسائل كثيرة نلخص منها ما يرتبط بالمقام: - ال تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم فإنكم بحمد الله على حجة وترككم إياهم

حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم. - انهدوا إليهم وعليكم السكينة ووقار اإلسالم، استشعروا الخشية وتجلببوا

السكينة.- ال تمثلوا بقتيل إذا قاتلتموهم وهزمتموهم بإذن الله.

- فال تقتلوا مدبرا، وال تجهزوا على جريح أي ال تقتلوهم سريعا. - وإذا وصلتم إلى رحال القوم فال تكشفوا عورة والعورة كل ما يستحيي

منه إذا ظهر.- وال تهتكوا سترا.

- وال تأخذوا شيئا من أموالهم إال ما وجدتم في عسكرهم.- ال تتبعوا موليا وال تطلبوا مدبرا.

- وال تقتلوا أسيرا.- وال تصيبوا معورا، من أعور الفارس إذا بدأ فيه موضع خلل.

- وال يطلب المبارزة إال بإذن اإلمام.- ومن ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه.

- قال عليه السالم لألشتر: إياك وأن تبدأ القوم بقتال إال أن يبدأوك حتى تلقاهم وتسمع منهم وال يجرمنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم

واإلعذار إليهم مرة بعد مرة.- وعليك بالتأني في حربك وإياك والعجلة إال أن تمكنك فرصة.

143

144

الدرس السابع: األخوة اإليمانية

مفاهيم محورية:- األخوة في القرآن الكريم والروايات الشريفة.

- أهمية التآخي في بناء المنظومة االجتماعية.- دور التآخي في بناء المجتمع.

- كيفية معرفة اإلخوان.- الدروس المستفادة من اآلية.

 

145

146

النص القرآنيما إن نون إmخوة فأصلmحوا بين أخويكم واتقوا﴿قال الله تعالى: mالمؤم

﴾.الله لعلكم ترحمون

تمهيد هذه اآلية تعقيب على اآلية السابقة، وعلى ما دعت إليه المؤمنين من

حسم الخالف الذي يقع بين جماعاتهم، ثم هو إلفات إلى أن األخوة القائمة بين المؤمنين ال تتغير صفتها، وال تنقطع آثارها بتلك العوارض التي تعرض

لهم فى حياتهم، فإنما هى موجات من ريح عابرة، ال تلبث أن تفتر، ثم يعود إلى البحر سكونه، وصفاؤه، وجالله... ومن جهة أخرى، فإن الفئة

الباغية، ال يزال لها مكانها فى المؤمنين، وال تزال لها أخوتها فيهم، وإذن فال يجار عليهم ألنهم جاروا، وال يعتدى عليهم، ألنهم اعتدوا، وإنما يقبل

منهم قبولهم لما قضى به المؤمنون عليهم، ثم إن لهم بعد هذا حقهم كامال ..1ال ينقص منه شيء.. فالمعتدون والمعتدى عليهم إخوان للمؤمنين جميعا

 

.447، ص 13 التفسير القرآني للقرآن، ج1

147

مفردات اآلية األخ وهو المشارك آخر في الوالدة، من الطرفين أو من أحدهما أوإmخوة:

من الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة أو في غير ذلك من المناسبات...

والفرق بين اإلخوة واإلخوان: أن استعمال اإلخوة في ابتداء مراحل األخوة، ولما تحققت المحبة بينهم وكملت األلفة وخلصت المودة تطلق كلمة اإلخوان، وكذلك إذا أريد تحقق المحبة وجلب األلفة وإيجاد األخوة

بينهم. ويؤيده وجود حرف المد واللين فيه. هذا ما يظهر ويستكشف منتحقيق موارد استعمال الكلمتين.

نون إmخوة فأصلmحوا بين أخويكم mنما المؤمm ﴾. نزلت في موارد﴿إ.1حدوث االختالف والبغض بينهم، فيشار إلى دفعه باالشتراك في اإليمان

قوى جعلواتقوا : وقى: الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. والت النفس في وقاية مما يخاف، هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى،

قوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي والتقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بمقتضاه، وصار الت

. هو حفظ الشيء عن الخالف والعصيان في الخارج وفي2بترك المحظور مقام العمل، كما أن العفة حفظ النفس عن تمايالته وشهواته النفسانية. والتقوى تختلف خصوصياته باختالف الموارد، والجامع هو صيانة الشيء

عن المحرمات الشرعية والعقلية، والتوجه إلى الحق والى تطهير العمل والى الجريان الطبيعي المعروف. ويقابله الفجور: وهو انشقاق حالة

االعتدال والجريان الطبيعي المعروف وخروج أمر مخالف يوجب فسقا .3وطغيانا

 

 .49، أخو، ص 1التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 1.881مفردات ألفاظ القرآن، الراغب األصفهاني، وقى، ص 2.184، وقى، ص 13التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 3

148

ترحمون: رحم: أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة. ولكل واحد منها خصوصية: فإن النظر في الرقة إلى ما يقابل الغلظة، وفي اللطف إلى الدقة والتوجه إلى الخصوصيات، وفي العطوفة إلى التمايل وجلب التوجه، وفي الرأفة إلى شفقة شديدة، وفي الحب إلى مطلق المحبة، وفي الحنة إلى رقة مخصوصة كما سبق في مادتها. فالرقة توجد في القلب أوال، ثم يحصل اللطف، ثم العطوفة، ثم الحنة، ثم المحبة، ثم

الشفقة، ثم الرأفة، ثم الرحمة. فالرحمة: إنما هي تجلي الرأفة وظهور الحنة والشفقة، وفي مقام التعلق واإلظهار، ويالحظ فيها الخير والصالح،

.1ولو أوجدت كراهة أو ألما أو ابتالء، كما في إسقاء الدواء المر للمريض

المعنى التفصيلينون﴿- 1 mنما المؤمm وهي تدل على"إنما"﴾: اآلية استخدمت أداة الحصر إ

قصر المسند على المسند إليه فال يوجد بين المؤمنين إال عالقة األخوة. فاإليمان الذي ال يرفع المنتمين إليه إلى حالة األخوة إيمان"

ضعيف ناقص، فها هنا تقاس التقوى، وتمحص النفوس لإليمان، ويستبين الصادقون عن المنافقين. هناك عشرات

األنظمة االجتماعية، ومئات الوصايا األخالقية توالت في الدين ليبلغ المسلمون حالة األخوة اإليمانية، ومتى ما خالفنا بعضها

انماث اإليمان في القلوب كما تنماث حبة الملح في كف المحيط.. وجاءت الروايات تترى وهي توصينا بحقوق إخوتنا

.2"في اإليمان

2 -: نون mالمؤم﴾ حينما اختار الغرب مبدأ المواطنة لبيان العالقة بين﴿ أبنائه انطلق من فكرة تقديس األرض وربط الناس بها وبالمصالح

المشتركة التي 

.92، ص 4التحقيق في كلمات القرآن الكريم، رحم، ج 1.402، ص 13من هدى القرآن، ج 2

149

تشد مجموعة من البشر ببعضهم، وحينما انتخب بعض الشرق كلمة " فقد اعتمد على دور المسيرة النضالية في عالقاته االجتماعية.الرفيق"

" لنعلم أن صلتنا ببعضنا ليست ماديةاألخأما اإلسالم فقد اجتبى لنا كلمة " قائمة على أساس تقدير األرض والمصالح، كما أنها ال تخص حالة النضال

ورفاقة المسيرة، وإنما هي مبدئية ناشئة من صلة كل واحد منا بدينه، حتى ليصبح الدين كاألب الذي هو أصل وجود االبن، وكلما قويت واشتدت صلتنا

باألصل كلما قويت وتنامت صلتنا ببعضنا. وإنما نسب الوحي األخوة إلى اإليمان )وليس اإلسالم( ألن اإلسالم مجرد التسليم للدين بينما اإليمان وقر

في القلب يفيض على كل جوانب حياة اإلنسان، والذي يرفع الناس إلى مستوى األخوة ليس مجرد التصديق المبدئي بالدين وإنما تطبيق تلك

التعاليم القيمة التي تسقط الحواجز المادية والمصلحية التي تفصلهم عن وهناك وجه آخر ألخوة المؤمنين هو انتسابهم إلى النبي صلى .1بعضهم

الله عليه وآله وسلم والوصي عليه السالم فقد ورد أنه صلى الله عليه "يا علي، أنت أخي، وأنا أخوك، أنا المصطفىوآله وسلم قال:

للنبوة، وأنت المجتبى لإلمامة، وأنا صاحب التنزيل، وأنت.2صاحب التأويل، وأنا وأنت أبوا هذه األمة..."

- ومما يترتب على هذه األخوة - في اآلية - أو القاعدة اإليمانية ما يلي:3 - أن يكون الحب والسالم والتعاون والوحدة هي األصل في الجماعة

المسلمة، وأن يكون الخالف أو القتال هو االستثناء الذي يجب أن يرد إلىاألصل فور وقوعه.

 

.403 )م.ن(، ص 1.411األمالي، الصدوق، فضائل علي عليه السالم، ص 2

150

- ومع قيام هذا األصل فإن النص القرآني يمكن إعماله في جميع الحاالت - بما في ذلك الحاالت االستثنائية التي يقوم فيها إمامان أو أكثر في أقطار

متفرقة متباعدة من بالد المسلمين، وهي حالة ضرورة واستثناء من القاعدة - فواجب المسلمين أن يحاربوا البغاة مع اإلمام الواحد، إذا خرج

هؤالء البغاة عليه. أو إذا بغت طائفة على طائفة في إمامته دون خروج عليه. وواجب المسلمين كذلك أن يقاتلوا البغاة إذا تمثلوا في إحدى

اإلمامات المتعددة في حاالت التعدد االستثنائية، بتجمعهم ضد الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله. وهكذا يعمل النص القرآني في جميع الظروف واألحوال. وواضح أن هذا النظام، نظام التحكيم وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، نظام له السبق من حيث الزمن على كل محاوالت

البشرية في هذا الطريق. وله الكمال والبراءة من العيب والنقصالواضحين في كل محاوالت البشرية البائسة

القاصرة التي حاولتها في كل تجاربها الكسيحة! وله بعد هذا وذاك صفة النظافة واألمانة والعدل المطلق، ألن االحتكام فيه إلى أمر الله الذي ال

يشوبه غرض وال هوى، وال يتعلق به نقص أو قصور.. ولكن البشرية وأمامها الطريق الواضح الممهد البائسة تطلع وتعرج، وتكبو وتتعثر.

.1المستقيم

- استئناف مؤكد لما تقدم من اإلصالح بين الطائفتين المتقاتلتين من4 المؤمنين، وقصر النسبة بين المؤمنين في نسبة األخوة مقدمة ممهدة

من حكم الصلح فيفيد أن﴾فأصلmحوا بين أخويكم﴿لتعليل ما في قوله: الطائفتين المتقاتلتين لوجود األخوة بينهما يجب أن يستقر بينهما الصلح،

والمصلحون لكونهم إخوة للمتقاتلين يجب أن يسعوا في إصالح ما بينهما.  

.3344، ص 6فى ظالل القرآن، ج  1

151

﴾فأصلmحوا بين أخويكم- وقوله: 5 ولم يقل: فأصلحوا بين األخوين من﴿ أوجز الكالم وألطفه، حيث يفيد أن المتقاتلتين بينهما أخوة فمن الواجب أن يستقر بينهما الصلح وسائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين فيجب عليهم

.1أن يسعوا في اإلصالح بينهما

بحث حول آيةاألخوة األخوة في القرآن الكريم والسنة الشريفة:

- معنى األخوة:1 األخوة: هي جعل تشريعي لنسبة األخوة بين المؤمنين لها آثار شرعية

وحقوق مجعولة، كاألبوة والبنوة وسائر أنواع القرابة، ومنها ما هو اعتباري مجعول يعتبره الشرائع والقوانين لترتيب آثار خاصة عليه كالوراثة واإلنفاق وحرمة االزدواج وغير ذلك، ومنها ما هو طبيعي باالنتهاء إلى صلب واحد أو

رحم واحدة أو هما. واالعتباري من القرابة غير الطبيعي منها فربما يجتمعان كاألخوين المتولدين بين الرجل والمرأة عن نكاح مشروع، وربما

يختلفان كالولد الطبيعي المتولد من زنا فإنه ليس ولدا في اإلسالم وال يلحق بمولده وإن كان ولدا طبيعيا، وكالدعي الذي هو ولد في بعض

القوانين وليس بولد طبيعي.

واعتبار المعنى االعتباري وإن كان لغرض ترتيب آثار حقيقته عليه كما يؤخذ أحد القوم رأسا لهم ليكون نسبته إليهم نسبة الرأس إلى البدن،فيدبر أمر المجتمع ويحكم بينهم وفيهم كما يحكم الرأس على البدن.

لكن لما كان االعتبار لمصلحة مقتضية كان تابعا للمصلحة، فإن اقتضت ترتيب جميع آثار الحقيقة ترتبت عليه جميعا، وإن اقتضت بعضها كان

المترتب على  

.317، ص 18الميزان في تفسير القرآن، ج 1

152

الموضوع االعتباري ذلك البعض، كما أن القراءة مثال جزء من الصالة والجزء الحقيقي ينتفي بانتفائه الكل مطلقا، لكن القراءة ال ينتفي بانتفائها

الصالة إذا كان ذلك سهوا وإنما تبطل الصالة إذا تركت عمدا.

ولذلك أيضا ربما اختلفت آثار معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة كجزئية الركوع حيث تبطل الصالة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا بخالف

جزئية القراءة كما تقدم فمن الجائز أن يختلف اآلثار المترتبة على معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة، لكن ال تترتب اآلثار االعتبارية إال على

موضوع اعتباري، كاإلنسان يتصرف في ماله لكن ال بما أنه إنسان بل بما أنه مالك، واألخ يرث أخاه في اإلسالم ال ألنه أخ طبيعي يشارك الميت في

الوالد أو الوالدة أو فيهما - فولد الزنا كذلك وال يرث أخاه الطبيعي - بليرثه ألنه أخ في الشريعة اإلسالمية.

واألخوة من هذا القبيل فمنها أخوة طبيعية ال أثر لها في الشرائع والقوانين وهي اشتراك إنسانين في أب أو أم أو فيهما، ومنها أخوة اعتبارية لها آثار اعتبارية وهي في اإلسالم أخوة نسبية لها آثار في النكاح واإلرث، وأخوة رضاعية لها آثار في النكاح دون اإلرث، وأخوة دينية لها آثار اجتماعية وال أثر لها في النكاح واإلرث، كما يقول الصادق عليه السالم: المؤمن أخو

المؤمن، عينه ودليله، ال يخونه، وال يظلمه وال يغشه، وال يعده عدة فيخلفه.

- اإليمان عالقة اجتماعية:2 اإليمان ليس عالقة شخصية بين المؤمن وربه فقط، بل عالقة أخوية

جماعية أيضا بينه وبين سائر المؤمنين، بل وليست بينهم أية عالقة ورباطmنما"إال أخوة إيمانية، كل ذلك بدافع اإليمان وسناده، يلمح له الحصر: "إ

كما تقدم التي تحصر كافة المناسبات بين المؤمنين باألخوة ولذا قالتmخوة﴿اآلية: نون إ mنما المؤمm فإن هناكاألخوة المؤمنون"﴾ "إنما إ

أخوات أخرى بين سائر الناس ليست بالتي 

153

تحصر مناسباتهم باألخوة األلفة الخلة، بل وتتبدل وعلى أقصى الحدود بعدينالموت بالعداوة: mال المتقmبعض عدو إmذ بعضهم لmء يومئ ال mاألخ﴾ ﴿1

وإذ كانت هذه حالة الخلة غير اإليمانية، فما هي حالة سائر األخوات التي التستلزم الخلة؟.

إن أخوة اإليمان تشريعية، وواقعية بدافع اإليمان، يؤمر المؤمن أن يؤصلها في حياته الجماعية لحد ال تبقى بين المؤمنين إال األخوة، وليست هي

األخوة الخلقية كما بين الناس أجمعين، وال أخوة القرابة الشرعية التي تحرم فقط النكاح، وال اإلقليمية أو العنصرية أو الحزبية أو غير ذلك من أخوات غير إيمانية، فإنها ليست لزاما بين هكذا أخوة اإليمان. عن أبي

ن أخو المؤمmنmبصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السالم يقول mالمؤم" mرmي سائmك فmنه - وجد ألم ذل mاشتكى شيئا م mنmإ mد mالواح mكالجسد

دة وإmن روح المؤمmنm ألشد اتصاال mن روح واح mه وأرواحهما مmجسد مسm بmها" .2بmروحm الله مmنm اتصالm شعاعm الش

ن أخو المؤمmنm عينه ودلmيلهوعن اإلمام الصادق عليه السالم mالمؤم" : دة فيخلmفه" mده عmه وال يع . 3ال يخونه وال يظلmمه وال يغش

أن "النسب الصحيحفالقاعدة التي يأسسها القرآن في هذا المجال هي واألخوة التي يريدها القرآن الكريم هي أخوة الصفة،بالدين ال بالطين"

وهي أحق مراتب األخوة، فإن بها يقع التوارث، فبأخوة اإليمان ترث، فال تأسف على أخوة النسب وال تكترث، المؤمن أخو المؤمن ال يسلمه، وما

ترك فهو يتسلمه.

"وحقوروي عن اإلمام زين العابدين عليه السالم في رسالة الحقوق: أخيك، أن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجىء

ك الذي تعتمد عليهm، وقوتك التي تصول بها، فال إليهm، وعزmلخلق mوال عدة للظلم ،mالله mتتخذه سالحا على معصية

 

.67سورة الزخرف، اآلية 1.166، ص 4، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ح2الكافي، الكليني، ج  2.166، ص 3، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ح2الكافي، الكليني، ج 3

154

هm، والحؤول ه ومعونته على عدو mوال تدع نصرته على نفس ،mالله بينه وبين شياطينmه، وتأدية النصيحةm إليهm، واإلقبال عليهm في اللهm، فإنm انقاد لربهm وأحسن اإلجابة له، وإال فليكن الله آثر

.1"عندك وأكرم عليك منه

واإلمام عليه السالم هنا يريد أن األخ هو الذي اتحد بأخيه اتحادا تاما، حتى أصبحت يد أحدهما يد اآلخر، وعز أحدهما عز اآلخر. فاألخ لإلنسان يد

تبسط، وظهر يستند إليه، وقوة يستعين بها على مناهضة األيام ومغالبةالخطوب،

ال أن يتخذ سبيال إلى معصية الله أو يتخذ عدة للظلم لخلق الله. ومن حق األخ أن يحال بينه وبين الشيطان، وأن تؤدى إليه النصيحة وليس حق األخ

بمقدم على حق الله، بل الله آثر منه وأكرم.

- الوحدة من أركان المجتمع اإليماني:3 واعلم أن الله قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد اإلنسان، فالمؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها، فيتألم

لتألمه، ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين، فما ثبتت أخوة اإليمان بينه وبينهم، والمؤمن أخو المؤمن ال يسلمه وال يخذله، فالمؤمن ال يبغض

المؤمن، والمؤمن ال يقتل المؤمن إليمانه، فآية األخوة جعلت أباهماإليمان، فهم أخوة ألب واحد، بنص هذه اآلية.

ولإلمام الخميني قدس سره توجيهات كثيرة تبين أهمية الوحدة في المجتمع اإليماني وأن المجتمع مبني على فكرة وقاعدة واضحة وهي

"األخوة" ننقل بعضا من هذه الكلمات المباركة.

"نحن إخوة في اإلسالم. واجب الدول اإلسالمية حسب أحكام.2اإلسالم وتوحد الكلمة تحت راية التوحيد"

 

تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ابن شعبة الحراني، رسالته عليه السالم في 1.263جوامع الحقوق، ص

.355، ص 10صحيفة اإلمام، ج  2

155

"إن بعض المسلمين شيعة وبعضهم سنة وهذا حنفي وذلك حنبلي واآلخر إخباري. في الواقع إن طرح هذه األمور ليس

صحيحا وال يجب أن نشير إلى أمور كهذه في ظل مجتمع يسعى جميع أفراده لخدمة اإلسالم وعزته. فالجميع إخوة في الدين والفرق الوحيد بينهم هو أن البعض عمل بفتوى معينة

فصار حنفيا واآلخر شافعييا والثالث شيعيا وهذا كله ليس مسوغا لالختالف، فنحن إخوة وال يجب أن نختلف فيما بيننا.

وعلى كل اإلخوة من شيعة وسنة أن يحترزوا من وقوع االختالف... فالجميع مسلمون والكل يؤمن بالقرآن والتوحيد

.1ويجاهد في سبيل القرآن ويخدم اإلسالم"

"ال يفرق اإلسالم أبدا بين الشيعة والسنة، فال ينبغي التفريق بين الشيعة والسنة، عليكم الحفاظ على وحدة الكلمة. لقد

أوصانا األئمة األطهار بأن نتعاضد فيما بيننا وأن نحفظ مجتمعنا وأن من يسعى إلى بث االضطراب في هذا المجتمع إما جاهل أو مغرض وال ينبغي االستماع لكالمه... وهذه البالد

للجميع، لالقليات الدينية، وإلخواننا من أهل السنة، لنا.2"جميعا

"مسألة السنة والشيعة غير مطروحة في اإلسالم، في اإلسالم الجميع أخوة فال أنتم أعداؤنا وال نحن أعداؤكم، ألن

.3اإلسالم دين األخوة والمساواة"

- آثار األخوة اإليمانية:4 وتبرز بعض الروايات عنصرا مهما في موضوع التآخي هو السكينة

واالطمئنان، ألن المؤمن يشعر شعورا صادقا براحة نفسية مع أخيه ﴿هو الذmي أنزلالمؤمن. السكينة التي أنزلها الله تعالى على المؤمنين:

mلهmم ول mهmيمانm ع إ mيمانا م نmين لmيزدادوا إ mالمؤم mي قلوبmينة فmك السماواتm واألرضm وكان الله علmيما حكmيما فأنزل﴿. 4﴾جنود الس

كmينة الس 

.49، ص 13صحيفة اإلمام، ج 1. 72، ص 6صحيفة اإلمام، ج 2.327، ص9صحيفة اإلمام، ج 3.4سورة الفتح،اآلية 4

156

م وأثابهم فتحا قرmيبا mكينة وهي1﴾عليه . وقال بعض المفسرين بأن الس . وهي تدل في بعض2الرحمة التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف

استعماالتها على الثبات والطمائنية.على كل وصفت الروايات عالقةالمؤمن مع أخيه المؤمن بالسكن وهو تعبير يدل على أهمية التآخي.

ن ليسكن إmلى المؤمmنmعن أبي عبد الله عليه السالم " mن المؤمmقال إ "mدmالبار mلى الماءmكما أن للظمآن اضطرابا في3كما يسكن الظمآن إ .

فراق الماء وكمال ميل إلى طلبه وسكونا واستقرارا عند وجدانه وانتفاعا به في حياة روحه، كذلك للمؤمن بالنسبة إلى المؤمن، وفيه تشبيه

للمعقول بالمحسوس لزيادة اإليضاح...

أهمية التآخي في بناء المنظومة االجتماعية: من أكبر النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده نعمة األخوة في الله، التي سببها اإليمان، فهي قائمة على أوثق عرى اإليمان كما في الحديث

بعن أبي عبد الله عليه السالم قال: mعرى اإليمان أن تح mن أوثق mم" 4"فmي الله وتبغmض فmي الله وتعطmي فmي الله وتمنع فmي الله

العروة الكوز ونحوه والمراد بها هنا األحكام واألخالق واآلداب الالزمة لإليمان على سبيل المكنية والتخييلية أي كل عروة يتمسك بها متمسك

رجاء نجاة من مهلكة أو ظفر بغنيمة ونعمة ومنزلة، فأوثقها الحب في الله والبغض في الله واإلعطاء في الله والمنع في الله، ألن من تمسك بها

تكامل إيمانه واستقام لسانه واستقر جنانه، وبه يتحقق التودد والتآلف بين المؤمنين، ويتم ويكمل نظام الدنيا والدين، فهذه العالقة هي أسمى عالقة

ا وأقوى رابطة يمكن أن تكون في مجموعة من البشر، ألن لها سببا سماويرفيعا، وما دونها من عالقات النسب

 

.18سورة الفتح،اآلية 1.199، ص 5التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج 2.247، ص 1، باب في سكون المؤمن إلى المؤمن، ح2الكافي، الكليني، ج  3.125، ص 2، باب الحب في الله والبغض في الله، ح2الكافي، الكليني، ج  4

157

والمصاهرة قد ال تبلغ معشار ما فيها من خير, فهي عالقات جبرية تنقصهاأحيانا الرابطة اإليمانية التي تهز القلب وتغير توجهاته.

إن لألخوة الدينية دورا رائدا في بناء الشخصية المؤمنة، حيث تساعدها على االتصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤولية ولو على نطاق

خاص، انطالقا من معرفة ما لها من مدلول وعمق في اإلسالم، فيعرفاإلنسان قدره من خالل معرفة قدر أخيه وما له من حق عليه.

ويكون االلتزام بآداب العالقة باآلخرين باعثا على إنتاج صورة متكاملة ومسلك مستقيم، أول المستفيدين منه صاحب هذا الدور مع ما يتركه من

ذكر حسن وسمعة طيبة، إن هو بقي على ما بدأ به في بداية الطريق. لذلك من وصف بأنه أخ حقا وصدقا، بحيث إنه أقام حدود األخوة وراعى

حقوقها والتزم آدابها، فهو على الصعيد الفردي في سعادة وتقدم دائمين، كما أن النجاح في هذه المدرسة األخوية سيفتح له نجاحا في مدارس

ومجاالت أخرى، ربما اتسعت ميادينها إلى ساحة حياته جمعاء، وأما إذا لم يوفق الكتساب اإلخوان وفشل في هذه المهمة التي تعتبر مفصال في

دورة حياته، فإن ذلك سيترك عوامل سلبية ونتائج غير مرضية سرعان ما تظهر في كثير من قضاياه وربما حولتها إلى مشاكل مستعصية، ال سيما وأن هذا العجز ليس بالشيء الذي يمكن التغاضي عنه، وقد اعتبره أمير المؤمنين عليه السالم خطيرا ووصف صاحبه بأعجز الناس، يقول عليه

، وأعجز منهالسالم: mاإلخوان mمن عجز عن اكتساب mأعجز الناس" .1من ضيع من ظفر بهm منهم"

 

،12نهج البالغة، خطب اإلمام علي عليه السالم )تحقيق صالح(، حكم أمير المؤمنين عليه السالم، رقم 1.470ص

158

حقوق اإلخوة اإليمانية: وضع اإلسالم لألخوة الدينية حقوقا ألزم المسلمين بمراعاتها، وتطبيقها، وقد تظافرت الروايات في بيانها ومن أجمعها ما ورد عن أمير المؤمنين

حيث يقول: عليه السالم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ا، ال براءة له إال األداء أو العفو: "للمسلم على أخيه ثالثون حق يغفر زلته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل

معذmرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذmمته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل

لته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ mهديته، ويكافىء ص خليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويسمmت عطسته،

د ضالته، ويرد سالمه، ويطيب كالمه، ويبر أنعامه، mويرش ويصدق أقسامه، ويوالي وليه ويعادي عدوه، وينصره ظالما أو

مظلوما ــ فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمmه، وأما نصرتهه ــ وال يسلمه، وال يخذله، ويحب مظلوما فيعينه على أخذm حق

ه... ويكره له من الشر ما يكره mما يحب لنفس mله من الخير ه، وال يبرأ المسلم يوم القيامةm من هذهm الحقوقm إال إذا mلنفس

.1"أداها أو نال من صاحبmه العفو

كيفية معرفة اإلخوان: يمكننا أن نعرف إخوان الثقة بخصلتين هامتين، من خاللهما نرى من هو

األخ حقا: : اإلصالح، وهو أن يلتزم األخ سبيال بناء في عالقته بأخيه من خاللاألولى

مكاشفته بعيوبه، وعدم مداهنته وكثرة إطرائه مع ما يراه من أعماله غير المرضية، ومعاونته على التغيير ليكون على أحسن ما يرام، فيحب له أن

تجتمع األوصاف الحميدة فيه بأجمعها. 

.203 - باب وجوب أداء حق المؤمن، ص 122، 12وسائل الشيعة )آل البيت(، الحر العاملي، ج 1

159

اإلخالص، بمعنى أن يكون صادقا معه مخلصا له في باطنهالثانية: وسريرته، فال يظهر له خالف ما يضمره، ولسانه ترجمان قلبه على الدوام. فإذا توفرت هاتان الخصلتان في رجل كان ال محيص عن معاشرته، هذا ما

أوصانا به موالنا اإلمام الكاظم عليه السالم وهو يعرفنا إخوان الثقة من "اجتهدوا في أن يكون زمانكمخالل الركيزتين المتقدمتين قائال:

، وساعة mالمعاش mوساعة ألمر ،mالله mأربع ساعات: ساعة لمناجاة لمعاشرةm اإلخوانm والثقاتm الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون، وساعة تخلون فيها للذاتmكم في غيرm محرم". mلكم في الباطن

لقد جمع اإلمام الحسن عليه السالم أوصاف إخوان الصدق وخالن الوفاء : "اصحب من إذافي وصيته لجنادة قبيل شهادته، حيث قال عليه السالم

بته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، mصح وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد حولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت عنك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت

.1"إحدى الملماتm به ساءك

الدروس المستفادة من اآلية - إن رابطة األخوة بين أفراد المجتمع اإليماني هي رابطة عميقة وقوية1

ومتينة بين أبنائه.- إن رابطة األخوة بين أبناء المجتمع هي عالقة متبادلة من الطرفين.2 - إن رابطة األخوة هي رابطة طبيعية وفطرية وتقوم على أسس معنوية3

ال مادية من عرق ولون وما شابه ذلك. 

ج   1 األنوار، مرضه 44بحار في السالم عليه المجتبى اإلمام لموالنا عائدا وكان أمية أبي بن جنادة قاله فيما ، ص الموعظة، في له السالم عليه قال وما فيه، توفي .138الذي

160

- األخوة جسد واحد متماسك تمنع أي خرق من اآلخرين لهذا الجسد،4وفي حال حصوله تتداعى أعضاء هذا الجسد لمواجهة هذا الخطر.

- اإلصالح بين أبناء المجتمع مرتبط بحقيقة هذه األخوة، فالخالفات5 والنزاعات هي تضعيف أو إعدام لهذه األخوة اإليمانية، وعلى المصلحين

إرجاع المتنازعين إلى أسس هذه األخوة.

- إن رابطة األخوة تنطلق من اإليمان فلذا نوصفها باألخوة اإليمانية أي6 المنبثقة من حقيقة اإليمان فال تحكمنا في العالقة مع اآلخرين الحدود

الجغرافية أو السياسية أو القومية وما شابه ذلك فعالقة األخوة مبنية علىأسس إيمانية تتعدى كل هذه الحواجز المادية.

ال فرق بين أفراد المجتمع من ناحية األخوة، فالكل أخوة نعم الفوارق -7 التي طرحها اإلسالم كالعالقة بين األب واالبن، العالم والمتعلم، والقائد

والرعية، لها آدابها وأحكامها الخاصة تفرضه طبيعة هذه المواقع في المجتمع، ولكن هذا ال يعني تفاوت حقيقة األخوة فالمجتمع بكل أفراده

وطبقاته متساوي في األخوة.

رسالة اآلية )اإلصالح واألخوة(: إن واقعنا المعاصر مليء بالنزاعات واالختالفات سواء بين الشعوب أم بين

أبناء الشعب الواحد بل البلد الواحد بل القرية والحي والجيران واألقرباء إلى أن نصل إلى خالفات األزقة، وال بد أن نعلم أن كل خالف مهما صغر

أو كبر هو نهش وإضعاف لجسد األمة. وإذا نظرنا إلى جذور الصراعات والخالفات الكبيرة أو الصغيرة سنجد أن جذورها األساسية ترجع إلى

تحكيم األهواء والمصالح الشخصية والضيقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الحالة اإليمانية وانعدام الضوابط األخالقية بين هؤالء

المتنازعين، وإن هذه الظواهر ال تعالج إال من خالل إرساء األخالق اإليمانيةفي المجتمع حتى يتمكن أفراده من حل هذه النزاعات بتلك

 

161

الروحية األخالقية العالية. فعلينا أن نربي المجتمع تربية أخالقية تجعلهم يستبدلون روح العدوان واالقتتال إلى روح المحبة والوئام والسالم وكل

ذلك على ضوء هذه اآليات المباركة من سورة الحجرات.

 

162

للمطالعة

كيف تؤدي حق أخيك المؤمن؟للمؤمن على المؤمن مجموعة من الحقوق منها بحسب الروايات:

الزلة: استرسال الرجل من غير قصد، يقال زلت رجلـ يغفر زلته:1 تزل. فمن حق أخيك عليك أن تغفر له زلته وتتجاوز عن خطيئته. ومعنى

الغفر هو محو األثر ومن لوازم محو األثر انه يوجب ستر الخطأ الواقع مناألخ والصفح عنه واإلصالح.

العورة في القرآن هي الشيء الذي تجب حمايته ألنيستر عورته:- 2 عدم حمايته تستتبع وقوع الضرر، فكل ما ال يحق لكل الناس هو عورة

إلنسان. والعورة بعامة تشمل ما يسوء اإلنسان انكشافه أو نيله سواء كان من بدنه أو من أسرار حياته الخاصة أو عالقته بزوجه او من ماله ومايملك. فإنه من واجب األخ إذا رأى بادرة سيئة من أخيه أن يسترها.

إن من أخالق المؤمن أن يمتلك قلبا كبيرا وروحا يقيل عثرته:-3 سامية، يستوعب بهما عثرات إخوانه، وال يعطي األمور أكثر مما هي عليه،

بل يتسامح ويقبل عذر اآلخر، واألفضل أن يتغاضى دون الحاجة إلى "شر إخوانmك من أحوجك إلى مداراة وألجأك إلىاالعتذار .1اعتذار"

: يظهر من األخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة: فعنـ يرد غيبته4 المجالس بإسناده عن أبي ذر رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه

"من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصرهوآله وسلم: فنصره، نصره الله تعالى في الدنيا واآلخرة، وإن خذله وهو

. 2"يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا واآلخرة

.294عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 1.90، ص74بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 2

163

من المهم أن يتحول االعتذار إلى ثقافة مجتمعية،ـ يقبل معذmرته :5 وأن يتحول قبول العذر إلى ثقافة أيضا، فليس من الصواب أال يعترف إليك

أخوك بخطئه إذا كان، ولكن األسوء أن ال تقبل معذرته حينما يأتيك نادما. واقبل عذر أخيك فإن لميقول اإلمام أميرالمؤمنين عليه السالم: "

. 1يكن له عذر فالتمس له عذرا"

: المراد بنصيحة المؤمن للمؤمن إرشاده إلى مصالحـ يديم نصيحته6 دينه ودنياه وتعليمه إذا كان جاهال وتنبيهه إذا كان غافال وعدم غشه ودفع

الضرر عنه وجلب النفع إليه، ولو لم يقبل نصيحته سلك طريق الرفق حتى يقبلها، ولو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق األمر بالمعروف

والنهي عن المنكر على الوجه المشروع.

األصل فيه )حفظ األخوة(: والخليل بمعنى الصديق: "ـ يحفظ خلته:7 كون الشخص ذا انفراج، وهذا كناية عن كونه صاحب أسرار

ورموز يلقى إليه ما يستر عن غيره. ومن لوازم هذا المعنى: المصادقة والمؤاخاة واالختصاص والمودة، وهذا هو الفرق بينه

.2وبين الصديق والرفيق والحبيب والمؤاخي وغيرها"

ورد عن اإلمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهمـ يعود مرضته :8السالم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يعير الله عز وجل عبدا

يامةm فيقول: عبدي ما منعك إذ مرmضت أن mيوم الق mهmباد mن عmم تعودني؟ فيقول: سبحانك! أنت رب العmبادm ال تألم وال تمرض.

تي وجاللي لو ن فلم تعده، وعmز mض أخوك المؤمmفيقول: مر ك فقضيتها لك، وذلmك mجmحوائmنده، ثم لتكلفت ب mعدته لوجدتني ع

حيم" حمن الر ، وأنا الر mنmي المؤمmعبد mن كرامةm3م.

.34كنز الفوائد، أبي الفتح الكراجكي، ص   1.120، خل، ص 3التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 2 ، باب استحباب عيادة المريض المسلم وكراهة ترك2وسائل الشيعة )آل البيت(، الحر العاملي، ج  3

.417، ص 10عيادته، ح

164

إن من حق األخ على إخوانه أن يحضروا جنازتهـ ويشهد ميتته:9 قال رسول اللهويشيعوه إذا مات. عن اإلمام علي عليهم السالم قال: "

صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دعيتم إلى العرسات فأبطأوا، فإنه يذكر الدنيا، وإذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فإنها تذكرة

.1اآلخرة"

يستحب للمؤمن أن يجيب دعوة أخيه المؤمن إذا- يجيب دعوته:10 دعاه إلى منزله، وأن يأكل عنده، وإن استحباب إجابة دعوة المؤمن

مشهور بين الفريقين والظاهر عدم الخالف بيننا في ذلك. نعم قد ورد في بعض األخبار، التعبير بوجوب اإلجابة كقوله عليه السالم: من الحقوق

الواجبة: للمسلم أن يجيب دعوته. وفي آخر: من حق المسلم الواجب. 2على أخيه إجابة دعوته

للهدية عظيم األثر في استجالب المحبة وإثباتـ يقبل هديته :11 المودة وإذهاب الضغائن وتأليف القلوب. وقد حث النبي صلى الله عليه

وأهل البيت عليهم السالم على التهادي وعلى قبول الهدايا وآله وسلم ويستحب قبول ولذا إذا قدم لك أخوك هدية فمن حقه عليك أن تقبلها منه.

mلي كراعالهدية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: 3"لو أهدmي إ

لقوله صلى الله عليه وآله وسلم "تهادوا ، كما يستحب فعلها4"لقبmلته أي الهدية تذهب العداوة والحقد.5تحابوا تهادوا فإنها تذهب بالضغائن"

.119، ص 2مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 1 . وسائل الشيعة )آل البيت(، الحر236، ص 16مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 2

. بحار األنوار، ج271، ص 9 - باب تأكد استحباب إجابة دعوة المؤمن والمسلم، ح 16، 24العاملي، ج ،1، الباب التاسع والثمانون، الحث على إجابة دعوة المؤمن، والحث على االكل من طعام أخيه، ح72.15، ص 26. عيون أخبار الرضا عليه السالم، الصدوق، في فضل السخاء والصمت، ح447ص

الكراع هو ما دون الركبة من ساق البقر والغنم. وقيل: كراع الغميم وهو اسم موضع بين مكة والمدينة 3 على ثالثة أميال من غسفان واألول مبالغة في القلة والثاني في البعد. ينظر: الوافي، الفيض الكاشاني،

 .371، ص 17ج .144، ص 14، باب الهدية، ح 5الكافي، الكليني، ج 4.144، ص 14، باب الهدية، ح 5الكافي، الكليني، ج 5

165

166

السخرية- الدرس الثامن: حرمة المؤمن

مفاهيم محورية:﴾.يا أيها الذmين آمنوا﴿- تفسير اآلية:

- مفهوم السخرية ومنشؤها.- قواعد ثالث في صيانة المجتمع اإلسالمي.

- خطر السخرية على األمة.- الدروس المستفادة من اآلية.

 

167

168

النص القرآني يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى﴿قال الله تعالى:

نهم وال نmساء من نساء عسى أن يكن خيرا أن يكونوا خيرا مزوا أنفسكم وال تنابزوا بmاأللقابm بmئس االmسم mنهن وال تلم م

.﴾الفسوق بعد اإلmيمانm ومن لم يتب فأولئmك هم الظالmمون

تمهيد اآلية الكريمة وما بعدها تكرس ثقافة احترام وتقديس المؤمن وأن لهذا

المؤمن بلحاظ إيمانه - ال لشيء آخر - حرمة يمنع انتهاكها تحت أي عنوان وذريعة، لكل إنسان في المجتمع المسلم احترامه، فليس للمؤمن أن

يسيء إلى حرمة مؤمن آخر، فيقول كلمات تسيء إلى كرامته أو تؤذي مشاعره، سواء كان ذلك من خالل مضمونها، أم من خالل طريقة قولها، أو استخدام اإلشارة بأسلوب يوحي باإلذالل واالنتقاص. فاآلية تحدثت عن

ثالثة عوامل تؤدي إلى هتك حرمة المؤمن واإلساءة إلى شخصيته ما يؤدي إلى انتهاك سور حرمة المؤمن كما تقدم وهذه العوامل هي: السخرية،

اللمز، التنابز باأللقاب.

شرح مفردات اآلية هو الحكم والتقدير مع القهر تكوينا أو تشريعا، يقال سخر الله- يسخر:

الشمس والقمر والسماء واألرض، إذ جعلها تحت حكمه وقهرها بتقديره 

169

تكوينا. ومن لوازم هذا المعنى اإلطاعة، واالستذالل تحت األمر، واإلرادة.1والتكليف بما يريده، واالستعمال مجانا وبال أجرة

قوم: القاف والواو والميم أصالن صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس، وربما استعير في غيرهم. واآلخر على انتصاب أو عزم. فاألول: القوم،

يقولون: جمع امرئ، وال يكون ذلك إال للرجال. قال الله تعالى: ال يسخر (، ثم قال: وال نساء من نساء. ويقولون قوم11قوم من قوم )الحجرات

وأقوام، وأقاوم جمع جمع. وأما اآلخر - قام قياما، إذا انتصب. ويكون قام . األصل الواحد في المادة: هو ما يقابل القعود، أي2بمعنى العزيمة

االنتصاب وفعلية العمل، ماديا أو معنويا. وتفسير القوم بالرجال تغليب التخصيص.

mنما أنت منذmر ولmكل قوم هاد﴿ .4﴾قرآنا عربmيا لقوم يعلمون﴿. 3﴾إ ﴿mمس فاإلنذار والقرآن والسجدة .5﴾وجدتها وقومها يسجدون لmلش

. 6غير مختصة بالرجال، بل تعم الرجال والنساء

تلمزوا: الغمز هو إشارة إلى شيء بجفن أو حاجب أو عين في مقام التعييب والتضعيف. واللمز كالغمز في المواجهة، كما أن الهمز هو تعييب

في غير المواجهة بل بالغيب. والباعث في الهمز واللمز: هو التعلق باألمور الدنيوية والمحبة الشديدة بالمال واللذات المادية واالضطراب والوحشة

ذين همزوا ولمزوا بقوله - الذي عن المحرومية فيها كال أو جزءا: فعرف ال. 7جمع ماال وعدده

.76، ص 5التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 1 .43، قوم، ص 5معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج 2.7سورة الرعد، اآلية 3.3سورة فصلت، اآلية 4.24سورة النمل، اآلية 5.345، قوم، ص 9التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 6.234، لمز، ص 10التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 7

170

: النبز هو الدعوة السيئة، واللقب أعم ليس هو نفس النبز بل هوتنابزوا اسم يدل على مدح أو ذم. فالسخر: حكم مع قهر وتذليل. واللمز: هو

تعييب وتضعيف شديد. والنبز: هو الدعوة السيئة. والفسوق: هو الخروجعن مقررات دينية أو عقلية أو عرفية.

mاللقب اسم يدل على مدح أو ذم. باأللقاب :

توب: كلمة واحدة تدل على الرجوع. يقال تاب من ذنبه أي رجعيتب: عنه، يتوب إلى الله توبة ومتابا، فهو تائب، والتوب التوبة، قال الله تعالى

﴿mالتوب mلm1﴾وقاب.

: ظلم: أصالن صحيحان، أحدهما - خالف الضياء والنور، واآلخرالظالmمون - وضع الشيء غير موضعه تعديا. هو إضاعة الحق وعدم تأدية ما هو الحق،

سواء كان في مورد نفسه أو غيره أو في حقوق الله المتعال، وبالنسبة إلى ذوي العقالء أو غيرهم، وفي حقوق مادية ومعنوية أو روحانية. فالظلم

في مورد النفس أعظم أنواع الظلم، فإن مرجع جميعها إلى هذا النوع، وهو التقصير في تأدية حقوق النفس وإضاعتها، والمنع عن سيره إلى جهة

. 2الكمال، بالتعلق باألمور المادية الدنيوية

المعنى اإلجمالي ﴾ نهى الله بهذه اآلية عن﴿يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر قوم من قوم

عيب من ال يستحق أن يعاب على وجه االحتقار له, ألن ذلك هو معنى السخرية، وأخبر أنه وإن كان أرفع حاال منه في الدنيا فعسى أن يكون المسخور منه خيرا عند الله. ال يسخر بعض الرجال من بعض وال بعض

النساء من بعض، فربما كان المسخور منه أتقى عند 

.357، ص 1معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج 1.171- 170، ظلم، ص 7التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 2

171

الله وأبر من الساخر، هذا إلى أن من سخر من األبرياء فهو ظالم وسفيه،ر اللهوقد هدده الله بأشد العقوبات، من ذلك: mنهم سخ mفيسخرون م﴿

نهم ولهم عذاب ألmيم m1﴾م.

زوا أنفسكم mال يطعن بعضكم بعضا، ويذكره بمكروه. وألن﴿وال تلم ﴾ ﴿وال تقتلوا أنفسكم إmن الله كانالمؤمنين كنفس واحدة قال تعالى:

يما mكم رحmفسلموا على﴿ فكأنه بقتله أخاه قاتل نفسه، وكقوله: 2﴾ب كم mيعني يسلم بعضكم على بعض. 3﴾أنفس

وفي اآلية الشريفة تدرج التعييب وتنقيص عباد الله، وال سيما في الحضورتي تنبعث والمواجهة من أعظم األعمال السيئة وأشد األخالق الرذيلة ال

عن صفات حيوانية مختلفة، كالكبر والبخل والحسد والطمع والغفلة عن يا أيها﴿الله عز وجل والتعلق بالدنيا، وقد قال تعالى في هذا المعنى:

، زوا أنفسكم وال تنابزوا ﴾الذmين آمنوا ال يسخر قوم mوال تلم﴿ mاأللقابmالسخر أعم موردا ثم بعده اللمز، وبعده التنابز باأللقاب، فإنه﴾ب

تصريح باللسان في التعييب حضورا أو كالحضور، فان اللقب تثبيت العيب.4وإدامته، وليس كاللمز المحدود بمحيط اللمز زمانا ومكانا

﴿mاأللقابmالتنابز: التعاير، أي ال يخاطب أحدكم أخاه بلقبوال تنابزوا ب :﴾ يكرهه، وال بأس بلقب أعرج وأحدب وما أشبه لمن اشتهر بذلك مع عدم قصد النقص واالستخفاف فال تقل ألخيك المسلم يا فاسق يا منافق وما

شابه ذلك.

﴿mيمانmسم الفسوق بعد اإلmئس االmمن عاب آخر بما يكره يصيرب :﴾ فاسقا بعد أن كان مؤمنا.أو بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا

بالفسق بعد دخولهم اإليمان واشتهارهم به. 

.79سورة التوبة، اآلية 1.29سورة النساء، اآلية 2.61سورة النور، اآلية 3.234، لمز، ص 10التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 4

172

ومن لم يتب﴿ ﴾ يعني من معاصيه ويرجع إلى طاعة الله ومات مصرا ﴾ الذين ظلموا نفوسهم بأن فعلوا ما يستحقونفأولئmك هم الظالmمون﴿

به العقاب وظلموا اآلخرين بما فعلوا بهم من سخرية ولمز ونبز، فالظالم من حيث هو إنما يكون في قبال المتقي، وهو من ال يبالي تضييع حق وال

يهتم برعاية حقوق الله وحقوق الناس وحقوق نفسه.

المعنى التفصيلي ال تزال السورة تتحدث عن إرساء قواعد المجتمع المثالي الذي ينشده

اإلسالم.

فيتحدث القرآن الكريم عن بناء المجتمع اإلسالمي على أساس المعايير األخالقية، فإنه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع

والمخاصمة بين طوائف المسلمين المختلفة بين في اآليتين محل البحث قسما من جذور هذه االختالفات ليزول االختالف )بقطعها( ويحسم النزاع!

ففي كل من اآليتين اآلنفتين تعبير صريح وبليغ عن ثالثة أمور يمكن أن يكون كل منها شرارة الشتعال الحرب واالختالف بين المؤمنين وهي:

السخرية، اللمز، التنابز باأللقاب.

(11( تحدثت عن ثالثة عوامل أخرى تؤدي نفس مؤدى اآلية )12) واآلية ولكن باإلضافة إلى البعد الشخصي لها هناك بعد اجتماعي كما سنبين

وهذه العوامل هي: سوء الظن، التجسس، الغيبة.

ومن هنا، حرم اإلسالم السخرية التي يمارسها بعض الناس ضد بعضهم اآلخر لشعورهم بالتفوق عليهم في بعض الصفات، أو في بعض األفعال، أو في بعض المناصب، مما يتفاضل به الناس في درجاتهم وأوضاعهم، األمر

الذي يجعل صاحب الصفة الجيدة وبإيحاء شيطاني أن يتعالى على اآلخرين ويحتقرهم باعتبارهم أقل منه درجة، وهذا ما يدفعه إلى السخرية والهزء

( من السورة المباركة. 11به، وهذا ما تعالجه اآلية ) 

173

:﴿- تفسير قوله تعالى: 1 ﴾يا أيها الذmين آمنوا الخطاب عام لكل المؤمنين فهو يعم الرجال والنساء وينذر الجميع أن

يجتنبوا هذا األمر القبيح. الخطاب يؤكد أن من مقتضيات حقيقة اإليمان أن يتحول إلى سلوك

أخالقي في التعامل مع اآلخرين مبني على احترامهم وتقديرهم فالمؤمنال يقوم بأي سلوكيات تنافي حقيقة إيمانه.

آداب عالقة المؤمن بالمؤمن. )حرمة المؤمن(. 

﴿يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر قوم من قوم- تفسير قوله تعالى: 2نهم وال نmساء من نساء عسى أن يكن عسى أن يكونوا خيرا م

نهن ﴾:خيرا م هي أن ال ينظر اإلنسان إلى أخيه بعين اإلجالل وال :أ- مفهوم السخرية

يلتفت إليه، ويسقطه عن درجته، وحينئذ ال يذكر ما فيه من المعايب، وهذا كما قال بعض الناس تراهم إذا ذكر عندهم عدوهم يقولون هو دون أن

.1يذكر، وأقل من أن يلتفت إليه، فقال ال تحقروا إخوانكم وال تستصغروهم

خاصة وأن بداية فساد العالقة بين اإلنسان ونظيره تضاؤل قيمة اإلنسان كإنسان في عينه، وعندئذ ال يحترم الناس بعضهم، ويبحث كل عن منقصة

في صاحبه يسخر بها منه، ويدعي لنفسه مكرمة يفتخر بها.

إن أساس السخرية واالستهزاء هو اإلحساسب- منشأ السخرية: باالستعالء والغرور والكبر وأمثال ذلك. وهذا االستعالء أو التكبر غالبا ما يكون أساسه القيم المادية والظواهر المادية. وإن االستهزاء والسخرية باآلخرين هي من تسويالت الشيطان لإلنسان ليقطع روابط األخوة مع

المؤمنين، فيدفع اإلنسان ويحثه على 

.108، ص 28مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، ج 1

174

االستهانة باآلخرين، وتصغير قدرهم، والتصوير بأنهم أقل منه فيحق له إذا تجاوز حقوقهم بل واالعتداء عليهم. ومن هنا يبدأ القرآن بعالج هذا المرض

االجتماعي بالنهي عن السخرية لتكريس قيمة المؤمن في المجتمع، ألنه هو اللبنة األساسية لبناء المجتمع ومن دونه ال يتحقق المجتمع اإليماني

على اإلطالق.

ج- السخرية من الجهل: والسخرية من شيم الجاهلين فال يستهزأ المؤمن عسى أن﴿العارف ولو بغير المؤمنين الذين هو خير منهم، فكيف بمن

نهن ﴾ ولهذا إن السخرية من أي إنسان والهزء به جهليكن خيرا مذنا هزوا قال أعوذ بmاللهm أن أكون مmنعارم: mقالوا أتتخ﴿

لmين mوإنه ليست السخرية على أية حال إال جهالة حتى مع الكافر،1﴾الجاه ، . 2ألنها تزيد في نفوره وكفره

وفي الروايات ما يدل على أن السخرية دليل على الجهل وعدم العقل. في حديث مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقرأ أن من

عالمات عقل المرء تركه التعالي على الناس، عن أبي جعفر عليه السالم قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعبد الله عز وجل بشيء أفضل من العقل، وال يكون المؤمن عاقال حتى تجتمع فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، وال يسأم من طلب العلم طول عمره، وال يتبرم بطالب الحوائج قبله، الذل أحب إليه من العز، والفقر أحب إليه من الغنى. نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة ال يرى أحدا إال قال: هو خير مني وأتقى. إنما الناس رجالن: فرجل هو خير منه وأتقى،

وآخر هو شر منه وأدنى، فإذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: عسى خير هذا باطن، وشره

ظاهر، وعسى أن يختم له بخير، فإذا فعل ذلك فقد عال مجده وساد أهل.17زمانه"

 

.67سورة البقرة، اآلية 1.244، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج 2

175

نهم وال نmساء من﴿- تفسير قوله تعالى: 3 عسى أن يكونوا خيرا منهن ﴾:نساء عسى أن يكن خيرا م

تنكير قوم في الموضعين إلفادة الشياع، لئال يتوهم نهي قوم معينين سخروا من قوم معينين. وإنما أسند يسخر إلى )قوم( دون أن يقول: ال

﴾. للنهي عما﴿ال يغتب بعضكم بعضايسخر بعضكم من بعض كما قال: كان شائعا بين العرب من سخرية القبائل بعضها من بعض فوجه النهي إلى األقوام. ولهذا أيضا لم يقل: ال يسخر رجل من رجل وال امرأة من

امرأة. ويفهم منه النهي عن أن يسخر أحد من أحد بطريق لحن الخطاب.وهذا النهي صريح في التحريم.

وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكالم، كما يشمل لفظ المؤمنين والمؤمنات في اصطالح القرآن بقرينة

مقام التشريع، فإن أصله التساوي في األحكام إال ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به، دفعا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ

.1كان االستسخار متأصال في النساء

والتعبير بالجمع أي الرجال )بناء على أن المراد من القوم الرجال( والنساء، إشارة إلى أن هذه السخرية إنما تكون على غايتها من الشناعة

والسوء، حين تكون فى صورة جماعية، إذ أنها تشد أعدادا كثيرة منالناس إلى هذا الشر، وتوقعهم فى هذا البالء.

لعل التعبير القرآني هنا يعكس طبيعة االستهزاء عند الرجال،" حيث إنهم يفتخرون عادة بتجمعهم ويسخرون من سائر

الناس، فترى أهل هذا الحي يقولون من مثلنا؟ أو أهل هذا النادي أو ذلك الحزب أو هذا المصر أو ذلك اإلقليم، أنهم يفتخرون بما لديهم ويفرحون بما أوتوا من نصيب الدنيا

فيسخرون ممن ال يملك ذلك حتى ولو ملك ما هو أفضل منه. أما النساء فتجري مفاخرتهن في أمور شخصية كالجمال والزينة أو النسب أو السبب، وأساس االستهزاء باآلخرين

عجب كل قوم بما يملكون من ميزات، وفرحهم بها، ثم.2تعاليهم على من سواهم بذلك"

 

.108، ص 1بحار األنوار، محمد باقر المجلسي، ج 1.207، ص 26التحرير والتنوير، ابن عاشور التونسي، ج  2

176

نهن﴿- تفسير قوله تعالى: 4 ﴾: عسى أن يكن خيرا م إن الغرور والعجب ربما يسوق اإلنسان أن يتصور أنه أفضل من الجماعة

الفالنية علما وعبادة ومعنوية إلى السخرية منهم، في حين أن المعيار التي تنسجم مع طهارة القلب وخلوص"التقوى"الواقعي عند الله هو

( وال يصح ألي13النية والتواضع واألخالق واألدب!. كما سيأتي في اآلية ) أحد أن يقول: أنا أفضل عند الله من سواي، ولذلك عد تحقير اآلخرين

والتعالي بالنفس من أسوأ األمور وأقبح العيوب األخالقية التي يمكن أنتكون لها انعكاسات سلبية في حياة الناس جميعا.

زوا أنفسكم﴿- تفسير قوله تعالى: 5 mوال تلم:﴾ اللمز هو ذكر ما في الرجل من العيب في غيبته وهذا دون السخرية، ألن

في السخرية لم يلتفت إليه ولم يرض بأن يذكره أحد وإنما جعله مثل . وهو ذكر ما يعده الذاكر عيبا ألحد1المسخرة الذي ال يغضب له وال عليه

مواجهة فهو المباشرة بالمكروه. فإن كان بحق فهو وقاحة واعتداء، وإن كان باطال فهو وقاحة وكذب، وكان شائعا بين العرب في جاهليتهم قال

يعني نفرا من المشركين كان دأبهم2﴾ويل لكل همزة لمزة﴿تعالى: لمز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون بحالة بين اإلشارة والكالم بتحريك الشفتين بكالم خفي يعرف منه المواجه به أنه يذم أو

.3يتوعد، أو يتنقص باحتماالت كثيرة، وهو غير النبز وغير الغيبة

وتعبير أنفسكم باعتبار أن من يلمز ويعيب أخاه المؤمن، هو المز نفسه، ألنه منه أو هو هو، ال يفصل بينهم إال فاصل الجسم، والروح واحدة، فكيف يعيب مؤمن نفسه، اللهم إال أن تحاول عالج أخيك كما تعالج نفسك، بكل

حنان وأمان، ودون إيذاء وتشهير، وإنما كمرآة تريك مساويك دون أن"."المؤمن مرآة المؤمنتجاهر بها لسواك فإن

 

.108، ص 28مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، ج 1.1سورة الهمزة، اآلية 2.207، ص 26التحرير والتنوير، ابن عاشور التونسي، ج 3

177

بأن لمز البعض لمز للكل، فإنه مس من كرامةأنفسكم"وكما توحي " اإليمان، فهل من عاقل بعد يلمز أخاه بعد أنه نفسه حيث الوحدة اإليمانية،

يا أيها الذmين﴿فلذلك تتركز االستجاشة هنا وهناك بروح اإليمان .1 وشعور االندماج في نفس واحدة﴾آمنوا...

﴾: وال تنابزوا بmاأللقابm﴿تفسير قوله تعالى:  -6 النبز وهو دون الثاني، ألن في هذه المرتبة يضيف إليه وصفا ثابتا فيه

يوجب بغضه وحط منزلته، وأما النبز فهو مجرد التسمية وإن لم يكن فيه، وذلك ألن اللقب الحسن واالسم المستحسن إذا وضع لواحد وعلق عليه ال يكون معناه موجودا، فإن من يسمى سعدا وسعيدا قد ال يكون كذلك، وكذا

من لقب إمام الدين وحسام، الدين ال يفهم منه أنه كذلك وإنما هو عالمة وزينة، وكذلك النبز بالمروان ومروان الحمار لم يكن كذلك وإنما كان ذلك سمة ونسبة، وال يكون اللفظ مرادا إذا لم يرد به الوصف، كما أن األعالم

كذلك، فإنك إذا قلت لمن سمي بعبد الله أنت عبد الله فال تعبد غيره، وتريد به وصفه ال تكون قد أتيت باسم علمه إشارة، فقال ال تتكبروا

فتستحقروا إخوانكم وتستصغروهم بحيث ال تلتفتوا إليهم أصال، وإذا نزلتم عن هذا من النعم إليهم فال تعيبوهم طالبين حط درجتهم والغض عن

منزلتهم، وإذا تركتم النظر في معايبهم ووصفهم بما يعيبهم فال تسموهم بما يكرهونه وال تقولوا هذا ليس بعيب يذكر فيه إنما هو اسم يتلفظ به من

غير قصد إلى بيان صفة.

لم يقل ال تنبزوا، وذلك ألن اللماز إذا لمز فالملموز قد ال يجد فيه في الحال عيبا يلمزه به، وإنما يبحث ويتبعه ليطلع منه على عيب فيوجد اللمز

من جانب، وأما النبز فال يعجز كل واحد عن اإلتيان به، فإن من نبز غيره بالحمار وهو ينبزه بالثور وغيره، فالظاهر أن النبز يفضي في الحال إلى التنابز وال كذلك اللمز. ولذا كانت الصياغة هي التنابز باب المفاعلة من

النبز بأن يجعل كل 

.245، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج 1

178

واحد منهما لآلخر لقبا سيئا، وإنما جاء بلفظ التنابز للداللة على أن النبز البد وأن ينتهي الى المنابزة.

ورد في الروايات الشريفة أنه يستحب أن ينادي األخ أخاه بأحب األسماءإليه.

﴾: ﴿بmئس االmسم الفسوق بعد اإلmيمانm- تفسير قوله تعالى: 7 قيل فيه إن المراد بئس أن يقول للمسلم يا يهودي بعد اإليمان أي بعد ما آمن، فبئس تسميته بالكافر، ويحتمل وجها أحسن من هذا: وهو أن يقال

هذا تمام للزجر، كأنه تعالى قال: يا أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم وال تلمزوا وال تنابزوا فإنه إن فعل يفسق بعد ما آمن، والمؤمن يقبح منه

﴿ومن لم يتب فأولئmكأن يأتي بعد إيمانه بفسوق فيكون قوله تعالى: ويصير التقدير بئس الفسوق بعد اإليمان، وبئس أن1﴾هم الظالmمون

تسموا بالفاسق بسبب هذه األفعال بعد ما سميتموهم مؤمنين.

﴿- تفسير قوله تعالى: 8 :2﴾الذmين آمنوا ولم يلبmسوا إmيمانهم بmظلم إن اآلية الكريمة علقت الوصف على عدم التوبة أي من لم يرجع إلى الله

تعالى ويتوب من هذه الذنوب فهو من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالمعصية وظلموا غيرهم بالسخرية واإلساءة، مما يجعلهم في موقع

العقوبة التى توعد بها القرآن للظالمين.

والمعنى المحصل من اآلية: إذ كان كل من السخرية واللمز والتنابز معاصي فقد وجبت التوبة منها فمن لم يتب فهو ظالم: ألنه ظلم الناس باالعتداء عليهم، وظلم نفسه بأن رضي لها عقاب اآلخرة مع التمكن من

اإلقالع عن ذلك فكان ظلمه شديدا جدا. فلذلك جيء له بصيغة قصر الظالمين عليهم كأنه ال ظالم غيرهم لعدم االعتداد بالظالمين اآلخرين في

مقابلة هؤالء على سبيل المبالغة ليزدجروا. والتوبة واجبة من كل ذنبوهذه الذنوب المذكورة مراتب وإدمان الصغائر كبيرة.

 

.82سورة األنعام، اآلية 1.82سورة األنعام، اآلية 2

179

وتوسيط اسم اإلشارة لزيادة تمييزهم تفظيعا لحالهم وللتنبيه، بل إنهم.1استحقوا قصر الظلم عليهم ألجل ما ذكر من األوصاف قبل اسم اإلشارة

الخالصة أن هذه اآلية تحدثت عن أربع مراتب في ما يرتبط بالتحقير واإليذاء من المؤمنين المعتقدين بالله عز وجل بالنسبة إلى قوم آخرين

مؤمنا أو غير مؤمن.

هو األشد قبحا وذما، وهو السخر.فاألول: بعده وليس فيه قهر وتذليل.والثاني: مخصوص بالدعوة فقط وليس فيه تعقيب شديد.والثالث: ما فيه خروج عن المقررات المضبوطة.والرابع:

فاآلية الكريمة فيها جميع ما يتعلق بآداب المعاشرة بين المؤمنين. وال يخفى أن منشأ هذه األمور: هو العجب واألنانية والمحرومية عن مقام

.2العبودية الحقيقية الباطنية

بحث حول اآليةقواعد ثالث في صيانة المجتمع اإلسالمي:

القاعدة األولى: عدم السخرية بين طوائف المجتمع اإلسالمي: فقد لعبت السخرية واالستهزاء باآلخرين دورا كبيرا في تسقيط اآلخرين

"لما أمر سبحانهوالتشهير بهم. قال الطبرسي في تفسير اآلية: بإصالح ذات البين ونهى عن التفرق عقب ذلك بالنهي عن

.3أسباب الفرقة من السخرية واالزدراء بأهل الفقر والمسكنة"

القاعدة الثانية: عدم الطعن باآلخرين:زوا أنفسكم﴿عدم طعن بعضكم على بعض mالمؤمن مرآة﴾. وال تلم"

المؤمن". 

.208، ص 26ينظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور التونسي، ج 1.26، نبز، ص 12التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 2.226، ص 9تفسير مجمع البيان، الطبرسي، ج  3

180

القاعدة الثالثة: التعيير باأللقاب السيئة يدل على انحطاطالمجتمع.

فما يرسيه القرآن لتكوين المجتمع اإلسالمي الفاضل وصيانته عن االنحطاط والتخلف، هو مخاطبة الناس بعضهم مع بعض بالتقدير واالحترام

والمحبة والمودة, فينبغي أن يشيع فيما بينهم استعمال األلقاب الحسنة التي تدل على العقالنية والرفعة والتقدم وتكشف عن تمسك المجتمع

بأصالته اإلسالمية، وأما تخاطبهم باأللقاب السيئة كما يعبر القرآن الكريم بالتنابز, فباإلضافة إلى أنها من األمور المحرمة تكشف عن تخلف ذلك

.المجتمع وانحطاطه، فيقول عز وجل: mاأللقابmوال تنابزوا ب﴾ ﴿

تهديد المجتمع بالضعف والفوضى: "إن من أفتك اآلفات التي تغتال مشاعر اإلخاء والمودة بين المجتمعات، استخفاف جماعة بجماعة، والنظر إليها نظرا ساخرا، فإن ذلك من شأنه

أن يغري هؤالء المستخفين المستهزئين بمن استخفوا بهم، ونظروا إليهم باستصغار واستهزاء، ثم هو من جهة أخرى يحمل الجماعة المستخف بها،

المستصغر لشأنها - على أن تدافع عن نفسها، وأن ترد هذه السخرية، وهذا االستهزاء بالسخرية واالستهزاء، ممن سخروا منهم، وهزءوا بهم..وهذا أول قدح لشرارة الحرب.. فإن الحرب أولها الكالم، كما يقولون.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هؤالء المستهزئين الساخرين قد يكونون أقل عند الله شأنا، من هؤالء الذين اتخذوهم غرضا للهزء

والسخرية.

فال ينبغي االنخداع بالظاهر، ووزن األمور عليها، فكيف يكون الحال لو أنهؤالء المستهزأ بهم كانوا عند الله أفضل وأكرم من هؤالء المستهزئين؟

أال يخافون أن ينتقم منهم الله ألوليائه؟ أال يستحون أن يستخفوا بمن هم أثقل منهم ميزانا، وأكرم منهم معدنا؟ إن هذا أمر لو لم يؤثمه الدين،

ألنكره العقل، ورفضته المروءة، وجفاه المنطق، ولفظه العدل واإلنصاف.ومن اآلفات التي تهدد كيان المجتمع، وتقوض

 

181

ج من ذكر بنيانه، شيوع االستخفاف بأنفسهم، وعدم التحر بعضهم بعضا بالمقابح والمساوئ، فهذا إنما يكون من إفرازات

الجماعات المتحللة من القيم الخلقية، التي تتبادل المنكرات. 1"كما تتبادل السلع الرخيصة في البيع والشراء

الدروس المستفادة من اآلية يا أيها الذmين﴿- اإليمان بالله تعالى ال يجتمع مع السخرية باآلخرين. 1

. ﴾آمنوا ال يسخر

- السخرية باآلخرين هي مفتاح للفتنة والعدواة بين المؤمنين.2

- ينبغي في طريقة إعالن األحكام أو اآلداب األخالقية من مالحظة تنوع3 ﴿قوم من قوم ... وال نmساء منالمخاطبين وهذا قد يقتضي التكرار

﴾.نساء

- إن القضاء على الظواهر المنحرفة والعادات السيئة يكون بالقضاء على4 جذورها، وهكذا فعل القرآن الكريم فإن جذور السخرية على اآلخرين هو

التعالي عليهم واالعتقاد بأننا أفضل منهم.

- وبما أن اإلنسان ال يعرف بواطن اآلخرين، فعليه أن ال يبني أحكامه5 ﴿عسى أنعلى الظاهر، فلعل من استهزء به هو ولي عند الله تعالى

. ﴾يكن خيرا

- إن العيب الذي يصدر منا تجاه اآلخرين هو في الحقيقة يرجع إلى6.أنفسنا باعتبار وحدة األخوة بين المؤمنين. زوا أنفسكم mوال تلم﴾ ﴿

- إن نقل عيوب اآلخرين هو من العوامل لكشف عيوبنا باعتبار الوحدة7زوا أنفسكمالمشار إليها. mوال تلم﴿.﴾

- إن السخرية باآلخرين واللمز والتنابز باأللقاب هي من الذنوب التي8﴾.﴿ومن لم يتب فأولئmك هم الظالmمونتستوجب التوبة

- في حال عدم التوبة من هذه المعاصي، سيكون اإلنسان ظالما وتترتب9﴾.فأولئmك هم الظالmمون﴿عليه كل أحكام الظالم.

 

.448، ص 13التفسير القرآني للقرآن، ج  1

182

للمطالعةجذور ومناشىء السخرية باآلخرين

- إن من جذور االستهزاء والسخرية باآلخرين هو امتالك الثروة كما يقول1.1﴾ويل لكل همزة لمزة﴿القرآن:

- أحيانا يكون جذر االستهزاء باآلخرين هو امتالك بعض األفراد للعلم2m وحاق بmهmم﴿والمعرفة كما يقول تعالى: ن العmلم فرmحوا بmما عmندهم ما كانوا بmهm يستهزmؤون .2﴾م

من﴿- أحيانا يكون جذر االستهزاء هو القوة الجسمانية يقول تعالى: 3ة نا قو m3﴾أشد م.

- أحيانا تكون جذور ذلك، األلقاب والمواقع االجتماعية التي يكتسبها بعض4 األفراد في المجتمع فينطلق من خاللها لتحديد عالقته مع اآلخرين كما

وما نراك اتبعك إmال الذmين هم﴿صور القرآن موقفهم من اتباع األنبياء. .4﴾أراذmلنا

- أحيانا تكون الدوافع التي تدفع اآلخرين باالستهزاء والسخرية بالمؤمنين5هو محض التسلية واللهو.

- أحيانا يكون السبب والدافع هو الطمع بالمال والمنصب فهذه الدوافع6 قد تجعل بعض الناس ينتقد األشخاص األتقياء والعلماء في المجتمع بل قد

تصل الجرأة إلى انتقاد الرسول كما حصل فعال من بعض السفهاء.نها رضوا وإmن﴿ mن أعطوا مmفإ mدقات زك فmي الص mنهم من يلم mوم

نها إmذا هم يسخطون m5﴾لم يعطوا م. أعوذ﴿- أحيانا وفي الغالب تكون جذور االستهزاء والسخرية هو الجهل. 7

لmين mن الجاه mأن أكون م mاللهm6﴾ب. - أحيانا يكون مصدر االستهزاء والسخرية هو نفس األعمال التي يقوم به8

ين مmناآلخرون فيستهزؤون بأعمالهم. mزون المطوع mين يلمmالذ﴿ دون إmال جهدهم فيسخرون mين ال يجmوالذ mدقات نmين فmي الص mالمؤم

نهم m7﴾م.

.1سورة الهمزة، اآلية 1.83سورة غافر، اآلية 2.15سورة فصلت، اآلية 3.27سورة هود، اآلية 4.58سورة التوبة، اآلية 5.67سورة البقرة، اآلية 6.79سورة التوبة، اآلية 7

183

184

الدرس التاسع: حرمة المؤمن - سوء الظن والتجسس

مفاهيم محورية:- معنى سوء الظن.

- أقسام سوء الظن.- بحث حول التجسس.

- القاعدة الكلية فيما بين المسلمين أنهم سواسية.- كشف عورات المؤمنين.

- متى يجوز التجسس؟ 

185

186

النص القرآني ن الظن إmن﴿قال الله تعالى: يا أيها الذmين آمنوا اجتنmبوا كثmيرا م

ب mسوا وال يغتب بعضكم بعضا أيح mثم وال تجس بعض الظن إيهm ميتا فكرmهتموه واتقوا الله إmن الله mأحدكم أن يأكل لحم أخ

يم mح اب ر ﴾.تو

تمهيد ثالثة أمور من المحرمات وتؤدي إلى مفاسد اجتماعية كثيرة ومخاطر

كبيرة وهي: سوء الظن، التجسس، الغيبة. : اجتناب سوء الظن، والمراد بالظن المأمور باالجتناب عنهاألمر األول

لوال﴿ظن السوء، فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: م خيرا mه mأنفسmنات ب mنون والمؤم mعتموه ظن المؤم mذ سمm1﴾إ .

سوا﴿: األمر الثاني ع العورات والعثراتوال تجس ﴾ التجسس: تتب والبحث عنها في الخفاء - غالبا - وهو محرم كتابا وسنة وعقال وإجماعا.

﴿ إلى قوله ال تدخلوا بيوتا غير بيوتmكم﴿وقوله: . 2﴾حتى يؤذن لكم﴾ 

.12سورة النور، اآلية 1.28- 27سورة النور، اآليتان 2

187

: الغيبة. وسيأتي بحث الغيبة بالتفصيل.األمر الثالث

يا كميل ذب عن المؤمن فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة" على الله، وظالمه خصم الله، وأحذركم من ليس له ناصر إال

.1"الله

شرح مفردات اآلية هو الميل والتنحية، بمعنى جعل الشيء في جنبه وانصرافه  جنباجتنmبوا:

عنه، والجنب هو ما يلي الشيء من غير انفصال، أي الخارج المالصق، كما.2أن الطرف هو منتهى الشيء داخال فيه

هو اعتقاد ضعيف غير جازم ليس فيه يقين مستند إلى دليل قاطع،الظن: واألغلب فيه مخالفته للواقع وبهذا اللحاظ يكون اتباعه مذموما، وإن

.3صادف موافقة للواقع

سوا : جس: أصل واحد وهو تعرف الشيء بمس لطيف. يقالتجس جسست العرق وغيره جسا. والجاسوس فاعول من هذا ألنه يتخبر ما

.4يريده بخفاء ولطف. أن الجس هو التعرف والتخبر بتدبير ولطف

والغيبة: أن يتكلم خلف إنسان مستور بسوء، أو بما يغمه لو سمعهيغتب: وإن كان فيه، فإن كان صدقا، فهو غيبة, وإن كان كذبا، فهو البهت

.5والبهتان

المعنى التفصيلي ن الظن إmن بعض يا﴿قوله تعالى: أيها الذmين آمنوا اجتنmبوا كثmيرا مmثم ﴾الظن إ

- المراد بالظن المأمور باالجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوبإليه.

 

.11، ص 4مصادر نهج البالغة وأسانيده، عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ج 1.115- 114، ص 2التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج 2.180، ص 7)م.ن(، ج 3.87، ص 2)م.ن(، ج  4.656، ص 1لسان العرب، ابن منظور، ج 5

188

والظن على قسمين: ظن حسن، وظن سيء، الظن الحسن: فمن أحسن الظن بأخيه المؤمن فال بأس عليه، وإن أخطأ بل هو المطلوب حسب

يك علىالروايات. عن أمير المؤمنين عليه السالم: " mضع أمر أخ ن mمة خرجت مmكلmنه وال تظنن ب mبك مmيك ما يغلmه حتى يأتmأحسن

ال" mمحم mي الخيرmد لها ف mيك سوءا وأنت تج m1أخ.

ومن أساء به الظن أيضا ال بأس عليه وإن كان مخطئا في- ظن السوء: ظنه حيث ال حرية لإلنسان في ظنونه وتصوراته، أجل عليه أن ال يعول

على سوء الظن وال يرتب عليه أي أثر في قول أو فعل وإال استحق الذم ثالث ال ينجووالعقاب.فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "

منهن أحد: الظن، والطيرة، والحسد، وسأحدثكم بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فال تحقق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فال

m2"تبغ.

يعني االجتناب عن ترتيب األثر عليه، كأن يظن- االجتناب عن الظن: .3بأخيه المؤمن سوء فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره

ومعنى عدم ترتب األثر أي ال ينبغي االعتناء به عمليا، وال ينبغي تبديل أسلوب التعامل مع المؤمن وال تغيير الروابط معه، فعلى هذا األساس فإن

اإلثم هو تفعيل األثر في الواقع والبناء عليه.

: هو أمر يفاجئ النفس ال- الظن بما هو نوع من اإلدراك النفساني عن اختيار فال يتعلق به النهي إال إذا كان بعض مقدماته اختياريا. ويمكن

لإلنسان أن يبدل ظن السوء بظن الخير من خالل طريقة ومنهج تفكيره، بمعنى أن يبعد عن نفسه سوء الظن بالتفكير في المسائل المختلفة، بأن

يفكر في طريق الحمل على الصحة، وأن يجسد في ذهنه االحتماالتالصحيحة الموجودة

 

.362، ص 3، باب التهمة وسوء الظن، ح2الكافي، الكليني، ج 1.113، الحجرات، ص 5البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني، ج  2.325، ص 18الميزان في تفسير القرآن، ج 3

189

في ذلك العمل، وهكذا يتغلب تدريجا على سوء الظن! فبناء على هذا ليس سوء الظن شيئا خارج بالكلية عن اختيار اإلنسان بل مقدماته

اختيارية فيمكن التدقيق بهذه المقدمات قبل حصول سوء الظن فيالنفس.

ن الظن﴿المراد من ﴾ الظنون السيئة التي تغلب على الظنونكثmيرا م ومما يلفت النظر أنه قد"الكثير" الحسنة بين الناس، لذلك عبر عنها بـ

إmن بعض﴿نهي عن كثير من الظن، إال أنه في مقام التعليل تقول اآلية: mثم ﴾، ولعل هذا االختالف في التعبير ناشئ من أن الظنون السيئةالظن إ

بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم الmثم﴿محالة، ولذلك قالت اآلية: ﴾، وعلى هذا فيكفي هذاإmن بعض الظن إ

البعض من الظنون الذي يكون إثما أن نتجنب سائر الظنون لئال نقع فياإلثم!

سوء الظن هو نقطة وصل بين ما تقدم من لمز واستهزاء وما سيأتي من تجسس وما شابه ذلك، فالظن هو السبب فيما تقدم وعليه تبنى القبائح،

ومنه يظهر العدو المكاشح والقائل إذا أوقف أموره على اليقين فقلما يتيقن في أحد عيبا فيلمزه به، فإن الفعل في الصورة قد يكون قبيحا وفي

نفس األمر ال يكون كذلك، لجواز أن يكون فاعله ساهيا أو يكون الرائي مخطئا، وهكذا سوء الظن باعث على التجسس، والتجسس باعث على

كشف األسرار الى آخره.

"حسن الظن أصله من حسنروي عن االمام الصادق عليه السالم: إيمان المرء وسالمة صدره، وعالمته أن يرى كل ما نظر إليه

بعين الطهارة والفضل، من حيث ركب فيه، وقذف في قلبه، من الحياء، واألمانة، والصيانة والصدق، قال النبي صلى الله

عليه وآله وسلم: أحسنوا ظنونكم بإخوانكم، تغتنموا بها صفاء.1"القلب، ونماء الطبع

 

.173مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب لإلمام الصادق عليه السالم، في حسن الظن، ص 1

190

فهذه هي عناصر اإليمان حقا، فالمؤمن حيي أمين يصون سر الناس ويتعامل معهم بالصدق، يصدق هذا فقط عند صالح الزمان أو بين التجمع

الصالح الذي تتسم عالقاتهم باألخوة اإليمانية.

إن المضاد لسوء الظن هو حسن الظن باآلخرين ويقصد به توجيه النظر إلى الجانب اإليجابي كاحتمال معقول يمنع عن الحكم المرتكز على الظن،

مما يوحي: "ال تظنن بكلمة خرجت..."كما ورد في الحديث المتقدم بأن االحتمال الواحد في المائة ال بد من أن يوقف المؤمن عن الحكم

بنسبة التسعة والتسعين بالمائة، فلعل الحق في الواحد، ولكن ليس معنىذلك أن يكون المؤمن ساذجا ال يحذر من االحتماالت المضادة.

بحث حول اآليةأقسام سوء الظن:

سوء الظن على ثالثة أقسام: هو األمر الذي يقابل حسن الظن بالله- سوء الظن بالله تعالى:1

ضا عليه السالم نm الظن بmاللهتعالى. عن أبي الحسن الر mقال أحس" ند ظن عبدmي المؤمmنm بmي إmن خيرا mن الله عز وجل يقول أنا عmفإ

. ومعنى حسن الظن بالله عز وجل هو اعتماد1فخيرا وإmن شرا فشرا"ه في أموره كلها، ويقينه الكامل وثقته التامة بوعد اإلنسان المؤمن على رب

الله ووعيده، واطمئنانه بما عند الله، وعدم االتكال المطلق على تدبير نفسه وما يقوم به من أعمال. وكما أن حسن الظن بالله تعالى هو منشأ

الخيرات فسوء الظن بالله هو منشأ الشرور، فقد جاء في كتاب اإلمام :أمير المؤمنين عليه السالم الذي كتبه لألشتر النخعي لما واله على مصر

رص غرائmز شتى - يجمعها سوء mن البخل والجبن والحmفإ ..." .2الظن بmالله..."

 

.72، ص 3، باب حسن الظن بالله عز وجل، ح2الكافي، الكليني، ج 1.430 ومن كتاب له عليه السالم كتبه لألشتر النخعي، ص 53نهج البالغة، 2

191

وعلى كل حال فإن سوء الظن بالله ينشأ من عدم معرفته تعالى بما هو أهله، فالجاهل به ال يعرفه من جهة ما هو جواد فياض بالخيرات لمن

استعد لذلك فيسوء ظنه.

وهو مورد اآلية الكريمة وقد تقدم بحثه.- سوء الظن باآلخرين:2

وهي من الموارد الممدوحة في الروايات كما- سوء الظن بالنفس:3موصف اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم المتقين: " mه mنفس mفهم أل

قون mم مشف mهmن أعمال mمون وم mوالمراد أنهم يظنون بأنفسهم1"مته التقصير أو الميل إلى الدنيا، أو عدم اإلخالص في النية أو األعم، أو

يشكون في شأنها ونياتها، ويخافون أن يكون مقصودها في العبادات الرئاء والسمعة، وأن تجرها العبادة إلى العجب، فال يعتمدون عليها. واإلشفاق،

الخوف، وإشفاقهم من السيئات وإن تابوا منها الحتمال عدم قبول توبتهم، ومن الحسنات الحتمال عدم القبول، الختالل بعض الشرائط، وشوب النية،

mنما يتقبل الله مmن﴿أو لألعمال السيئة وقد قال الله عز وجل: إين m3 2﴾المتق.

من الناحيتين النفسية واالجتماعيةسوء الظن"عندما ندرس ظاهرة " بمجمل تأثيراتها على الفرد والمجتمع نكتشف أنها هي ذلك )المرض(

الخطير الذي يحطم جهاز المناعة لدى المجتمعات واألفراد ليحول رياضها النضرة وجنانها الغناء إلى صحارى قاحلة تحرقها أشعة الشمس الالفحة

والى خرائب تنعق فيها الغربان.

إن )سيء الظن( يرصد كل تحرك وكل همسة وكل نظرة ويحسب لها ألف حساب ثم تراه ال يحملها إال على أسوأ المحامل. فيا ترى ما هو

السبب الذي دعا )زيدا( لكي يؤسس مدرسة بالقرب من مدرستي! أومسجدا أو مكتبة أو متجرا أو غير ذلك؟

 

.304 ومن خطبة له عليه السالم يصف فيها المتقين، ص 193نهج البالغة، 1.27سورة المائدة، اآلية 2.325، ص 64ينظر: بحار األنوار، ج 3

192

إن هدفه واضح وضوح الشمس, لقد أراد أن ينافسني ويحطم مدرستي! ولماذا ـ يا ترى ـ لم يقم )عمرو( لي، عندما دخلت المجلس؟ إن من

الواضح أنه رآني وتعمد أن ال يقوم لي استخفافا بي وهدرا لكرامتي أمام الناس! وأرأيت كيف نظر )بكر( إلي؟ وكيف تغامز مع )خالد(؟ ثم كيف

﴿يا أيهاعاملني صديقهما )أحمد( ببرود؟. ويمكن تلخيص قوله تعالى: mثم ن الظن إmن بعض الظن إ ﴾. بجملةالذmين آمنوا اجتنmبوا كثmيرا م

واحدة هي: كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته.

:1األمن االجتماعي الكامل إن النهي عن سوء الظن باآلخرين هو من أهم األمور لتكوين األمن

االجتماعي للمجتمع المسلم فإن ما تحدثت به هذه اآلية واآلية السابقة من النهي عن األمور الستة، إذا نفذ ذلك النهي شعر المجتمع بالعزة والكرامة

والترابط األخوي وساده المحبة والمودة والوئام )فإن سمعة وكرامة األفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فال يستطيع

أحد أن يسخر من اآلخرين -على أنه أفضل- وال يمد لسانه باللمز، وال يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال األلقاب القبيحة وال يحق له حتى أن

يسيء الظن بهم، وال يتجسس عن حياة األفراد الخاصة وال يكشف عيوبهم الخفية )باغتيابهم(، وبتعبير آخر إن لإلنسان رؤوس أموال أربعة ويجب أن

"النفس والمال والناموستحفظ جميعا في حصن هذا القانون وهي: ". والتعابير الواردة في اآليتين محل البحث والرواياتوماء الوجه

اإلسالمية تدل على أن ماء وجه األفراد كأنفسهم وأموالهم بل هو أهم من بعض الجهات. اإلسالم يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق، وال يكتفي بأن

يكف الناس عن ضرب بعضهم بعضا فحسب، بل أسمى من ذلك بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم، بل وأرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من

تفكيرهم وظنهم أيضا... وأن يحس كل منهم أن اآلخر ال يرشقه بنبال 

.552- 551، ص 16ينظر: األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 1

193

االتهامات في منطقة أفكاره. وهذا األمن في أعلى مستوى وال يمكن تحققه إال في مجتمع رسالي مؤمن. يقول النبي صلى الله عليه وآله

"إن الله حرم من المسلم دمه ومالهوسلم في هذا الصدد: إن سوء الظن ال أنه يؤثر على الطرفوعرضه وأن يظن به السوء"

المقابل ويسقط حيثيته فحسب، بل هو بالء عظيم على صاحبه ألنه يكون سببا إلبعاده عن التعاون مع الناس ويخلق له عالما من الوحشة والغربة

واالنزواء، كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه السالم أنه وبتعبير آخر، إن "من لم يحسن ظنه استوحش من كل أحدقال: "

ما يفصل حياة اإلنسان عن الحيوان ويمنحها الحركة والرونق والتكامل هو روح التعاون الجماعي، وال يتحقق هذا األمر إال في صورة أن يكون

االعتماد على الناس )وحسن الظن بهم( حاكما... في حين أن سوء الظن يهدم قواعد هذا االعتماد، وتنقطع به روابط التعاون، وتضعف به الروح

االجتماعية.

بحث حول التجسس:ع ما استتر من أمور الناس لالطالع عليها، ومثله -1 التجسس بالجيم تتب

التحسس بالحاء المهملة إال أن التجسس بالجيم يستعمل في الشر، والتحسس بالحاء يستعمل في الخير، ولذا قيل: معنى اآلية ال تتبعوا عيوب

. والتحسس كما ورد على1المسلمين لتهتكوا األمور التي سترها أهلهالسان يعقوب في وصيته ولده!

﴿mيه mن يوسف وأخmسوا م .2﴾يا بنmي اذهبوا فتحس

سوا -2 ﴾ عن معايب المؤمنين، وإنما تحسسوا عن﴿...وال تجس محاسنهم، إظهارا للجميل وسترا للقبيح، فالتفتيش عما استتر من أمور

الناس أو عيوبهم محظور جماعي عارم، يعكر جو الطمأنينة والراحة، ويبدله إلى االضطراب والعاهة، وإن التجسس عن أسرار المؤمنين

محظور بأي لون وعلى أية حال. 

.325، ص 18الميزان في تفسير القرآن، ج 1.87سورة يوسف، اآلية 2

194

والبحث عن أسرار اآلخرين الخفية، مما فاآلية نهت عن التجسس مطلقا، ال يريدون اطالع الناس عليها يشمل قضاياهم الذاتية أو االجتماعية أو

االقتصادية أو العسكرية وغير ذلك، ألن الله أعطى الحياة الخاصة حرمة شرعية لم يجز للغير اقتحامها، وجعل لإلنسان الحق في منع غيره من

االعتداء عليها بأية وسيلة من وسائل المعرفة الظاهرة أو الخفية.

م تجسس الدولة على رعاياها، إال3 م اآلية التجسس الفردي تحر - كما تحر إذا اقتضت مصلحة األمة، فال بد أن يخضع ذلك للقضاء القائم على أساس

أحكام الشريعة. كما سيأتي في االستثناء.

إmن﴿- القاعدة الكلية فيما بين المسلمين أنهم سواسية انطالقا من مبدأ 4ند اللهm أتقاكم mفإن المسلمين سواسية فيما بينهم ال فضلأكرمكم ع ﴾

لعربي على أعجمي وال ألبيض على أسود وال لغني على فقير وال لرئيس على مرؤوس إال بالتقوى، فالجميع أمام القانون وفي األحكام الشرعية

على حد سواء، وقد دلت على ذلك اآليات التي خاطبت المؤمنين والمسلمين، والروايات والتشريعات لألحكام فهي شاملة للجميع على حد

سواء.

فاإلنسان المسلم محترم الكرامة ومصون العرض والمال والدم ومكفول الحرية في المجتمع اإلسالمي الذي يتكافأ فيه الجميع ويعيشون فيه

متساوين وال يجوز ألحد أن يتعدى على أحد بأي ذريعة كانت، فال يجوز التجسس وال سوء الظن وال الغيبة وال اإلهانة لبعض األفراد أو الجماعات

وكشف عوراتهم وأسرارهم الفردية أو العائلية أو الزوجية أو األخالقية، وقد شدد اإلسالم على ذلك أيما تشديد حتى في األمور الصغيرة التي

يكرهها المسلم والمسلمة وحتى من أقرب المقربين إليه فضال عن األجانب، وبهذا يضع قاعدة كلية عامة وشاملة لكل أفراد المجتمع يتساوى

فيها الضعيف والقوي والرجل والمرأة والرئيس والمرؤوس والعربيواألعجمي.

 

195

قال بعض المفسرين: هذا مبدأ من مبادئ اإلسالم الرئيسية في نظامه االجتماعي، وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية. إن للناس حرياتهم

وحرماتهم وكراماتهم التي ال يجوز أن تنتهك في صورة من الصور، وال أنتمس بحال من األحوال.

ففي المجتمع اإلسالمي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم، آمنين على بيوتهم، آمنين على أسرارهم، آمنين على عوراتهم. وال يوجد مبرر - مهما يكن- النتهاك حرمات األنفس والبيوت واألسرار والعورات.ع الجريمة وتحقيقها ال تصلح في النظام اإلسالمي ذريعة حتى ذريعة تتب للتجسس على الناس. فالناس على ظواهرهم، وليس ألحد أن يتعقب

بواطنهم. وليس ألحد أن يأخذهم إال بما يظهر منهم من مخالفات وجرائم.

وليس ألحد أن يظن أو يتوقع، أو حتى يعرف أنهم يزاولون في الخفاء مخالفة ما، فيتجسس عليهم ليضبطهم! وكل ما له عليهم أن يأخذهم

بالجريمة عند وقوعها وانكشافها، مع الضمانات األخرى التي ينص عليها.1بالنسبة لكل جريمة

- كشف عورات المؤمنين. العورة ليست هي مجرد القبل والدبر للرجل5 والمرأة التي ال يجوز أن تكشف لآلخرين، وال يجوز لألجنبي أن ينظر إليها،

وهناك جملة من الروايات تنبه أن العورة أعم من ذلك وتشمل أسراراآلخرين.

"قلت له عورة المؤمmنm على المؤمmنmعن عبد الله بن سنان قال mنما حرام قال نعم قلت تعنmي سفليه قال ليس حيث تذهب إ

" ر mذاعة سmي إ mوالضمير في له للصادق عليه السالم، وفي النهاية2ه . العورة كل ما يستحيي منه إذا ظهر، انتهى.

وغرضه عليه السالم أن المراد بهذا الخبر إفشاء السر ال أن النظر إلى عورته ليس بحرام، والمراد بحرمة العورة حرمة ذكرها وإفشائها

.3والسفلين العورتين، وكنى عنها لقبح التصريح بهما 

.346، ص 6ينظر: في ظالل القرآن، ج 1.359، ص 2، باب الرواية على المؤمنين، باب الرواية على المؤمنين، ح2الكافي، الكليني، ج 2.3، ص 11مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي، ج 3

196

ع عثرات المسلمين والقرآن يرفض هذا العمل والتجسس كما تقدم هو تتب الدنيء من الناحية األخالقية، لتطهير القلب من مثل هذا االتجاه اللئيم

ع عورات اآلخرين وكشف سوآتهم. وتمشيا مع أهدافه في نظافة لتتب األخالق والقلوب. وقد وردت الروايات الكثيرة التي تندد بهذا العملع عثرات المؤمنين والمؤمنات اإلجرامي وتوضح أن التجسس هو تتب

والمسلمين والمسلمات وإحصاء زالتهم وسلبياتهم سواء لمجرد الرغبة وتجميع المعلومات أو كان بقصد أخذ مستمسكات عليهم وقت الحوار

والمخاصمة والتغلب عليهم في القضاء وإثار النعرات الطائفية والمذهبية كل ذلك نهى عنه الدين اإلسالمي ووخمه وبين أن من يتصرف مثل هذا

ف فسوف يقع هو في نفس المحذور بمعنى إذا تتبع عثرات اآلخرين التصرفإن الله سيتتبع عثراته وسوف يفضحه عاجال أم آجال.

عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السالم يقول قال وسلم "يا معشر من أسلم بmلmسانmهرسول الله صلى الله عليه وآله

ين وال تتبعوا mمmه ال تذموا المسلmلى قلبmاإليمان إ mصmولم يخل م تتبع الله عورته ومن تتبع الله mهmنه من تتبع عوراتmم فإ mهmعورات

.1تعالى عورته يفضحه ولو فmي بيتmه"

"العورة كل أمر قبيح يستره اإلنسان أنفة أو حياء، والمرادو بتتبعها تطلبها شيئا بعد شيء في مهلة والفحص عن ظاهرها وباطنها بنفسه أو بغيره، والمراد بتتبع الله تعالى عورته إرادة إظهارها على خلقه ومن أراد الله تعالى إظهار عورته وإعالن

بواطن ما يكره إظهاره يفضحه بإظهارها ولو في جوف بيته إذ.2"ال مانع إلرادته تعالى وال دافع لها

 

.354، ص 2، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم، ح2الكافي، الكليني، ج  1.4، ص 10شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني، ج 2

197

وما يلفت النظر في هذه الرواية أن من يتتبع عثرات المسلمين ويشوه سمعتهم ولتفريق كلمتهم وإسقاطهم من أعين الناس لم يدخل اإلسالم وال

اإليمان في قلبه ولم يتدين بإسالمه بل هو مسلم بالجنسية دون الواقعمهما ادعى اإليمان أو اتباع أهل البيت عليهم السالم.

الحاالت االستثنائية في التجسس: حيث إن حفظ نظام المسلمين من أهم ما اهتم به الشرع فال محالة

وجبت مقدماته بحكم العقل والفطرة. فعلى الدولة اإلسالمية أن تحصل على االطالعات الكافية حول أوضاع الدول واألمم األجنبية وقراراتهم ضد

اإلسالم والمسلمين، وتجمع األخبار حول تحركاتهم وتحركات عمالئهم وجواسيسهم، ومؤامرات الكفار وأهل النفاق والبغي والطغيان، وأن

تراقب رجال الدولة والموظفين وأحوال الناس وحوائجهم العامة.

وهذه المسؤولية تفوض ال محالة من قبل الدولة إلى مؤسسة عادلة إدارةصالحة من جميع الجهات، ويطلق عليها في اصطالح عصرنا: "

والهدف من هذا الجهاز ليس إال حفظ مصالحاألمن واالستخبارات". اإلسالم والمسلمين وتحكيم نظام العدل وإيجاد االطمئنان للنفوس ال

الحفاظ على منافع الرؤساء وتحكيم سلطتهم كيف ما كانوا وأرادوا ولو باإلخافة وكم أفواه األمة المظلومة وسلب حرياتهم المشروعة، كما قد يتوهم من سماع هذا اللفظ في أكثر البالد. وعلى هذا فيجب أن يفوض

هذه المسؤولية إلى أهلها، وأن يدقق في انتخاب األعضاء لها، واختيارهم من بين العقالء األذكياء الملتزمين بالموازين الشرعية المهتمين بمصالح األفراد والمجتمع، ويجب أن يتعرف كل منهم على ما يجب االطالع عليه

وما يحرم، ويميز الخط الدقيق الفاصل بينهما، فإن األمر في كثير من.1الموارد دائر بين الواجب المهم والحرام المؤكد

 

.360نظام الحكم في اإلسالم، حسين المنتظري، االستخبارات العامة والهدف منها، ص 1

198

"... ومن هذا المنطلق أيضا يمكن للحكومة اإلسالمية أن تتخذ أشخاصا يكونون عيونا لها أو منظمة واسعة لإلحاطة بمجريات األمور، وأن يواجهوا

المؤامرات ضد المجتمع أو التي يراد بها إرباك الوضع األمني في البالد، فيتجسسوا للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك في إطار الحياة الخاصة

لألفراد! إال أن هذا األمر ال ينبغي أن يكون ذريعة لهتك حرمة هذا القانون اإلسالمي األصيل، وأن يسوغ بعض األفراد ألنفسهم أن يتجسسوا في حياة

األفراد الخاصة بذريعة التآمر واإلخالل باألمن، فيفتحوا رسائلهم مثال، أو يراقبوا الهاتف ويهجموا على بيوتهم بين حين وآخر!!. والخالصة: أن الحد

بين التجسس بمعناه السلبي وبين كسب األخبار الضرورية لحفظ أمن المجتمع دقيق وظريف جدا، وينبغي على مسؤولي إدارة األمور االجتماعية

أن يراقبوا هذا الحد بدقة لئال تهتك حرمة أسرار الناس، ولئال يتهدد أمن.1المجتمع والحكومة اإلسالمية!."

فهذا المبدأ االجتماعي ال يشمل الحاالت التي تمس فيها المصلحة العليا لإلسالم والمسلمين والتي قد تستدعي االطالع على بعض األوضاع الخفية

لألشخاص والمواقع واألحداث المتعلقة باآلخرين، مما يخاف ضرره، أو يراد نفعه، فيجوز لولي أمر المسلمين اللجوء إلى هذا األسلوب في نطاق

الضرورة األمنية والسياسية واالقتصادية، انطالقا من قاعدة التزاحم بين المهم واألهم، لتغليب المصلحة التي تقف في مستوى األهمية القصوى على المفسدة الناشئة من التجسس، فإن حرمة المسلمين تتقدم على

حرمة الشخص أو األشخاص في ذلك كله.

.554، ص 16األمثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 1

199

للمطالعة

التجسس أقرب إلى الكفرع عثرات المسلمين هو أقرب إلى إن التجسس الذي يصدق عليه عنوان تتب

الكفر منه إلى اإليمان ففيما إذا تآخى مع أحد من المسلمين على الدين واإليمان ثم أحصى عليه عثراته وزالته حتى يجعلها مستمسكا عليه ليعنفه

بها ويعيره عليها ويلومه من أجلها في يوم من األيام فإن هذا العمل الدنيء أقرب ما يكون إلى خط الباطل واالنحراف. كما جاء في الحديث

"إmن أقرب ماالصحيح عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السالم قال: mجل على الدين جل الر ي الر mأن يواخ mلى الكفرmيكون العبد إ

تmهm لmيعنفه بmها يوما ما ي عليهm عثراتmهm وزال m1"فيحص.

حكم التجسس؟ األصل هو حرمة التجسس وال يجوز الخروج عن هذا األصل إال لعناوين ثبت

من الشرع أهميتها القصوى والتي تمس بأمن المجتمع يقول بعض الفقهاء: "األصل وهو عدم والية أحد على أحد, فمراقبة الغير والتجسس عليه وإذاعة عيوبه وأسراره نحو تصرف في شؤون الغير واألصل يقتضي

واآلية الكريمة تدرجت على هذا الشكل نهى الله تعالى أوال: عدم جوازه. عن سوء الظن بالمؤمنين، وثانيا: عن التفتيش والتجسس على دخائلهم،

وثالثا: عن إذاعتها وإشاعتها على فرض االطالع عليها، ولعل المستفاد من اآلية أن حياة اإلنسان إنما هي بعرضه وشخصيته االجتماعية، والهتك لهما

.2كأنه سلب لحياته هذه

.355، ص 6، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم، ح2الكافي، الكليني، ج 1.357نظام الحكم في اإلسالم، حسين المنتظري، وجوب حفظ أعراض المسلمين وأسرارهم، ص 2

200

الدرس العاشر: حرمة المؤمن – الغيبة

مفاهيم محورية:- مفهوم الغيبة وضررها.

- بشاعة الغيبة.- اتساع نطاق الغيبة.

- مستثنيات حرمة الغيبة- آثار الغيبة.

- عالج الغيبة.- الدروس المستفادة من اآلية.

201

202

النص القرآني وال يغتب بعضكم بعضا أيحmب أحدكم أن يأكل﴿قال الله تعالى:

يهm ميتا فكرmهتموه mلحم أخ.﴾

تمهيد إن حرمة الغيبة تعد من بديهيات الفقه، وهي من المعاصي الكبيرة

والموبقات المهلكة. وإن لهذه الخطيئة الكبيرة في عالم الغيب وراء حجاب الملكوت، صورة قبيحة وبشعة تفضح اإلنسان في المأل األعلى أمام

األنبياء والمرسلين والمالئكة المقربين. وهذه الصورة البشعة التي أشاريهm ميتا فكرmهتموه﴿إليها اآلية: mب أحدكم أن يأكل لحم أخmوإنأيح ﴾

ألعمالنا صورا وأشكاال تناسبها ستظهر بتلك الصور واألشكال لتعود إلينا في العالم اآلخر،والمغتاب يضاهي الكالب الجارحة في افتراسه ألعراض

الناس ولحومهم، وسيظهر بهذه الصورة كلب ينهش لحم ميت في نارجهنم.

والغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحدا بعد واحد فتسقطها عن صالحية التأثير الصالح المرجو من االجتماع وهو أن يخالط كل صاحبه ويمازجه في أمن

وسالمة بأن يعرفه إنسانا عدال سويا يأنس به وال يكرهه وال يستقذره، وأما إذا عرفه بما يكرهه ويعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك وضعفت رابطة

االجتماع فهي كاألكلة التي

203

تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضو حتى تنتهي إلى بطالن الحياة. واإلنسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة

اجتماعية صالحة ألن يخالطه ويمازج فيفيد ويستفاد منه، وغيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة وتبطل منه هذه الهوية، وفيه تنقيص واحد

من عدد المجتمع الصالح وال يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصالح فسادا ويذهب األنس واألمن واالعتماد وينقلب الدواء

.1داء

شرح مفردات اآلية بكتابة أو2الغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه

إشارة أو لسان أو أيا كان. بمعنى أن يذكر من اإلنسان في ظهر الغيب ما يسوءه لو ذكر به ولذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر

به.

علة تحريم الغيبة: الغيبة إساءة إلى المغتاب إذ تغضبه إذا سمع وتخلق فيه الضغينة والعداء لمن اغتابه، وإساءة إلى المجتمع اإلسالمي السامي، إذ

تخلق فيه جو الالأمن والفوضى كدرا قذرا، إفشاء للفاحشة في الذينيع﴿آمنوا فجرأة جماعية على فعل الفاحشة: mبون أن تش mين يحmن الذmإ

mرة mي الدنيا واآلخmيم فmين آمنوا لهم عذاب ألmي الذmشة ف mالفاح . ففيها تضييع لحق فردي وآخر جماعي،3﴾والله يعلم وأنتم ال تعلمون.4فما أفحشها فاحشة وما أنكاها

المعنى التفصيلي صور األسلوب القرآني رفض هذا السلوك بطريقة تصوير تخييلية فظيعة تثير النفور في النفس بصورة عفوية، باعتبارها تجسيدا حيا لوحشية هذاف الذي يرفضه الوجدان اإلنساني على مستوى الفرد والجماعة، التصر

إلثارة النفور في الوجدان

.324، ص 18تفسير الميزان، ج 1.228، ص 9تفسير مجمع البيان، الطبرسي، ج 2..19سورة النور, اآلية 3.251، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، ج 4

204

العام من ذاك السلوك. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه. فحب الغيبة تفكها يضاهي حب أكل لحم أخيك الميت، فالنيل من عرضه

"فكرهتموه":كأكل لحمه، وهو في غيابه، كأكل لحمه ميتا أفال تكرهونه؟ ثالوث الكراهية العريقة في كل أحد وإن كان في أدنى درجات اإليمان،

كماض،"فكرهتموه"،" كفعل مستقبل، وإنما "فتكرهونهفلم يقل إيحاء بثبات هذه الكراهية: أن يأكل اإلنسان لحم أخيه ميتا، ثباتا في

.1": عافته أنفسكم وإن كنتم جائعين غرثى"فكرهتموهالفطرة لكل أحد:

يم﴿ mح اب ر ﴾: المراد بالتقوى هو التجنب عن هذهواتقوا الله إmن الله تو إmن﴿الذنوب التي كانوا يقترفونها بالتوبة إلى الله سبحانه فالمراد بقوله:

يم mح اب ر ﴾ أن الله كثير القبول للتوبة رحيم بعباده التائبين إليهالله تويم﴿الالئذين به. فالمراد بقوله: mح اب ر ﴾ أن الله كثير الرجوعإmن الله تو

إلى عباده المتقين بالهداية والتوفيق والحفظ عن الوقوع في مهالك الشقوة رحيم بهم. وذلك أن التوبة من الله توبتان: توبة قبل توبة العبد

بالرجوع إليه بالتوفيق للتوبة كما قال تعالى: م لmيتوبوا mثم تاب عليه﴾ ﴿2، وتوبة بعد توبة العبد بالرجوع إليه بالمغفرة وقبول التوبة كما في قوله:

﴿mن الله يتوب عليهmوأصلح فإ mه mظلم mن بعدm3﴾فمن تاب م.

بحث حول اآلية بشاعة الغيبة:

الغيبة من األمراض االجتماعية الفتاكة التي تقضي على المجتمع وتحوله إلى أحزاب وفئات متناحرة يأكل بعضها بعضا، وقد عبرت بعض الروايات أنها اآلكلة في دين الرجل كاآلكلة في جسد اإلنسان، ولذلك صور القرآن

الكريم جريمة الغيبة بصورة بشعة ومقززة للنفس لم يصور غيرها منالمحرمات بهذه الصورة كما تقدم.

.252- 251، ص 27الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، ج 1.118سورة التوبة، اآلية 2.39سورة المائدة، اآلية  3

205

- الغيبة في االصطالح:1 الغيبة هي ذكر اإلنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصا في

العرف، بقصد االنتقاص والذم. أو التنبيه على ما يكره نسبته إليه مما يعد نقصا في العرف، بقصد

االنتقاص والذم وهو أعم من األول، لشمول مورده اللسان واإلشارة والحكاية وغيرها لعموم األدلة الشاملة للسان وغيره وهذا التعريف قد

اختاره الشهيد الثاني وهو األولى.

- اتساع نطاق الغيبة:2 مع األسف الشديد إن سرطان الغيبة قد انتشر في مختلف طبقات

المجتمع وصار يجري فيها كما يجري الدم في العروق، ولم تسلم منه حتى بيوت بعض العلماء ومجالسهم الخاصة فهؤالء لم يمارسوا السرقة أو الزنا

وشرب الخمر ولكن البعض منهم يمارس الغيبة بكل سهولة وبأي مبرر، وأقصد من هؤالء البعض الذين قد تلبسوا بلباس الدين ويعيشون على

تسقيط اآلخرين, هذا الصنف الذين ألف الشهيد الثاني زين الدين العاملي هـ بسببهم كتابه )كشف الريبة عن أحكام965قدس سره المتوفى

الغيبة( وقال حول هؤالء في مقدمة كتابه ما نصه: "فلما رأيت أكثر أهل هذا العصر ممن يتسم بالعلم ويتصف بالفضل وينسب إلى العدالة ويترشح للرئاسة يحافظون على أداء الصلوات

والدؤوب في الصيام وكثير من العبادات والقربات ويجتنبون جملة من المحرمات كالزناء وشرب الخمر ونحوهما من القبائح الظاهرات ثم هم مع

ذلك يصرفون كثيرا من أوقاتهم ويتفكهون في مجالسهم ومحاوراتهم ويغذون نفوسهم بتناول أعراض إخوانهم من المؤمنين ونظرائهم من

المسلمين، وال يعدونه من السيئات وال يحذرون معه من مؤاخذة جبار السماوات في سبب إقدام الناس على الغيبة والسبب المقدم لهم على

ذلك دون غيره من المعاصي الواضحة، إما الغفلة عن تحريمه وما ورد فيهمن الوعيد والمناقشة

206

في اآليات والروايات وهذا هو السبب األقل ألهل الغفالت، وإما ألن مثل ذلك في المعاصي ال يخل عرفا بمراتبهم ومنازلهم من الرئاسات لخفاء هذا النوع من المنكر على من يرومون المنزلة عنده من أهل الجهاالت،

ولو وسوس إليهم الشيطان أن اشربوا الخمر أو زنوا بالمحصنات ما أطاعوه لظهور فحشه عند العلة وسقوط محلهم به لديهم بل عند متعاطي الرذائل الواضحات ولو راجعوا عقولهم واستضاؤوا بأنوار

بصائرهم لوجدوا بين المعصيتين فرقا بعيدا وتفاوتا شديدا بل ال نسبة بين المعاصي المستلزمة لإلخالل بحق الله سبحانه على الخصوص وبين ما

يتعلق مع ذلك بحق العبيد خصوصا أعراضهم فإنها أجل من أموالهم وأشرف ومتى شرف الشيء عظم الذنب في انتهاكه مع ما يستلزمه من

الفساد الكلي، كما ستقف عليه إن شاء الله، أحببت أن أصنع في هذه الرسالة جملة من الكالم على الغيبة وبما ورد فيها من النهي في الكتاب .1والسنة واألثر وداللة العقل عليه وسميتها كشف الريبة عن أحكام الغيبة"

- أقسام الغيبة:3 لما عرفت أن المراد منها ذكر أخيك بما يكرهه منه لو بلغه أو اإلعالم به أو

التنبيه عليه، كان ذلك شامال لما يتعلق بنقصان في بدنه أو نسبه أو خلقهته. أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه وداره وداب

"وجوه الغيبةوقد أشار اإلمام الصادق عليه السالم إلى ذلك بقوله: تقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل

. فالبدن كذكرك فيه العمش و... وأما النسب بأن يقول أبوه2وأشباهه"فاسق أو خبيث أو...

ر... وأما في أفعاله وأما الخلق بأن يقول إنه سيئ الخلق محيل متكبقة بالدين كقولك سارق المتعل

.4-3كشف الريبة عن أحكام الغيبة، الشهيد الثاني، في سبب اقدام الناس على الغيبة، ص 1.117، ص9مستدرك الوسائل، ج 2

207

كذاب، متهاون بالصالة،... وأما فعله المتعلق بالدنيا كقولك: قليل األدب،ه وسخ الثياب،... واعلم أن متهاون بالناس،.... وأما في ثوبه كقولك: إنم ألن فيه تفهيم الغير ما حر ذلك ال يقصر على اللسان بل التلفظ به، إن نقصان أخيك، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه

كالقول، واإلشارة والرمز واإليماء والغمز واللمز والكتابة والحركة، وكل مام يفهم المقصود داخل في الغيبة مساو للسان في المعنى الذي حر

التلفظ به ألجله. ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجا...

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كره من إنسان شيئا قال:ن، ومن أضر أنواع الغيبة غيبة ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، وال يعي

المتسمين بالفهم والعلم المرائين، فإنهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصالح والتقوى ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ويفهمون

ياء والغيبة، هم جمعوا بين فاحشتين: الر المقصود وال يدرون بجهلهم أن وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول: الحمد لله الذي لم يبتلنا بحب

ة أو بقول نعوذ بالله من ة الفالني الرياسة أو حب الدنيا، أو بالتكيف بالكيفية الحياء أو من سوء التوفيق، أو نسأل الله أن يعصمنا من كذا، بل قل

د الحمد على شيء إذا علم منه اتصاف المحدث عنه بما ينافيه ونحو مجر ذلك فإنه يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصالح، وإما قصده أن يذكر

عيبه بضرب من الكالم المشتمل على الغيبة والرياء ودعوى الخالص منه قد يقدم الرذائل، وهو عنوان الوقوع فيها، بل في أفحشها، ومن ذلك أن

مدح من يريد غيبته فيقول: ما أحسن أحوال فالن ما كان يقصر فية الصبر، العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما يبتلى به كلنا وهو قل

فيذكر نفسه بالذم ومقصوده أن يذم غيره وأن يمدح نفسه بالتشبه بالصالحين في ذم أنفسهم فيكون مغتابا مرائيا مزكيا نفسه فيجمع بينه من الصالحين المتعففين عن الغيبة، ثالث فواحش وهو يظن بجهله أن

هكذا يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعلم والعمل من غير أن يتقنوا الطريق فيتبعهم ويحبط بمكائده عملهم ويضحك عليهم ويسخر

منهم.

208

ة اإلصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب، فإنه إنما ومن أقسامها الخفي يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيزيد فيها فكأنه يستخرج

منه الغيبة بهذا الطريق، فيقول: عجبت مما ذكرته ما كنت أعلم بذلك إلى اآلن ما كنت أعرف من فالن ذلك، يريد بذلك تصديق المغتاب واستدعاء الزيادة منه باللطف والتصديق لها غيبة بل اإلصغاء إليها بل السكوت عند

.1سماعها

- حكم المستمع للغيبة:4 "السامع للغيبة أحدعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

.2"المغتابينضا واإليثار ال على وجه االتفاق، أو مع القدرة امع على قصد الر ومراده الس

على اإلنكار ولم يفعل. ووجه كون المستمع والسامع على ذلك الوجه مغتابين لمشاركتهما للمغتاب في الرضا وتكيف ذهنهما بالتصورات

المذمومة التي ال تنبغي وإن اختلفا في أن أحدهما قائل واآلخر قابل.

: "من رد الخالئق عنعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلما على الله أن يرد عن عرضه يوم عرض أخيه بالغيب كان حق

.3"القيامة

مستثنيات حرمة الغيبة: إذا كان الله قد حرم الغيبة لألضرار الناجمة عنها على مستوى الفرد

والمجتمع، فقد ذكر الفقهاء بعض االستثناءات لحرمة الغيبة وذلك في الموارد التي قد تكون المصلحة فيها في جانب الغيبة أكثر من المفسدة

التي تختزنها الحرمة.

ويذكر الفقهاء نماذج من ذلك، منها: النصيحة للناس، فقد يحتاج كثير من األفراد والجماعات إلى النصيحة في القضايا المتصلة بالعالقات العامة

والخاصة

.15- 13 ينظر: كشف الريبة عن أحكام الغيبة، ص 1.199، ص 9مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي، ج  2)م.ن(.  3

209

في مسائل الزواج والمشاركة والمسؤولية، ما قد يفرض الحاجة إلى التعرف على مواصفات األشخاص المعنيين بالموضوع في عيوبهم

الشخصية ونقاط ضعفهم العامة، لتفادي الوقوع في المشاكل المستقبلية إذا قدر للعالقة أن تنشأ معهم، ليكتشفوا العيوب بعد ذلك، فتكون الغيبة

في هذه الدائرة أسلوبا وقائيا يمنع المشاكل قبل حدوثها، ويجنب المجتمعمن الوقوع في المهالك المرتقبة.

حالة الظلم التي يحتاج فيها المظلوم إلى الحديث عن ظالمهومنها: بعيوبه الخفية المتصلة بمسألة الظلم، على رأي بعض، ليرفع الظلم عن

نفسه بذلك، أو في مطلق عيوبه، على رأي بعض آخر، ليملك فرصة الدفاع عن نفسه بالهجوم على ظالمه والضغط على سمعته في نقاط

ضعفه، ليتراجع عن ظلمه، أو ليضغط اآلخرون في ذلك، وهذا ما نستوحيهوء من القول إال من ظلم، في ما من قوله تعالى: ال يحب الله الجهر بالس

استثناه من كالم المظلوم بالسوء ضد ظالمه.

ر على عيب الشخص مصدرومنها: الحاالت التي قد يكون فيها التست خطر على المجتمع، ألن العيب قد يؤثر تأثيرا سلبيا على سالمته، كما إذا كان هذا الشخص جاسوسا خفيا لألعداء الذين يكيدون لألمة أو للشخص

البريء، مما يجعل من إخفاء صفته خطرا محققا على سالمة الفرد أو المجتمع، أو ألن إخفاء العيب يؤثر على نفس صاحبه، باعتبار أن ظهوره

قد يدفعه إلى إصالحه، وإلى تغيير موقفه أو شخصيته، فتكون الغيبة مصدر خير له، كما تكون مصدر سالمة وخير للفرد والمجتمع في الفرضية

األولى.

فموارد االستثناء ال تنحصر في عدد. نعم، الظاهر استثناء موضعين لجوازالغيبة من دون مصلحة:

ما إذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق، فإن من ال يبالي بظهورأحدهما: فسقه بين الناس ال يكره ذكره بالفسق. نعم، لو كان في مقام ذمه كرهه

من حيث المذمة، لكن المذمة على الفسق المتجاهر به ال تحرم، كما اليحرم لعنه.

210

تظلم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متسترا به -الثاني: كما إذا ضربه في الليل الماضي وشتمه، أو أخذ ماله - جاز ذكره بذلك عند

.1من ال يعلم ذلك منه

آثار الغيبة: إن اآلثار الوضعية للغيبة تظهر في عالم الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة،

ومنها: - إن المغتاب يأكل من لحمه يوم القيامة: روي عن اإلمام علي عليه1

اجتنب الغيبة فإنها إدام كالب النار, ثم قال: يا نوفالسالم: " )السائل( كذب من زعم أنه ولد من حالل وهو يأكل لحوم

، وال منافاة بين أن يأكل لحم الميتة أو أن يأكل لحم2"الناس بالغيبةجسده.

- الفضيحة يوم القيامة على رؤوس األشهاد: عن رسول الله صلى الله2 "... ومن مشى في غيبة أخيه وكشف عورتهعليه وآله وسلم:

كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم وكشف الله عورته.3"على رؤؤس الخالئق

- حال المغتاب في عالم البرزخ: عن رسول الله صلى الله عليه وآله3 مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههموسلم: "

بأظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل! من هؤالء، قال: هؤالء الذين.4يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم"

- الفضيحة في الدنيا: إن بعض مراتب الغيبة يدفع بصاحبها إلى الفضيحة4 سمعت أبا عبد الله عليهفي عالم الدنيا، عن إسحاق بن عمار، قال: "

السالم يقول: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص اإليمان إلى قلبه ال تذموا المسلمين وال تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع

عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو.5"في بيته

.348- 342ينظر: كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى األنصاري، األمر الثالث: مستثنيات الغيبة، ص 1.283، ص 12وسائل الشيعة، ج 2.15كشف الريبة، ص  3.222، ص72بحار األنوار، ج 4.354، ص2الكافي، ج 5

211

:1عالج الغيبة - إن عالج هذا المرض األخالقي الخطير يحتاج إلى مجاهدة كبيرة، ومتابعة

دقيقة، وال بد من رعاية األمور التالية للوقاية من الوقوع في هذا المرض أو عالجه:

- أن يفكر في اآلثار المفيدة التي تترتب على معالجة هذه الموبقة،ويقارنها مع اآلثار السيئة التي تترتب على الغيبة.

- أن يفكر ويتأمل في الروايات التي تحدثت عن اآلثار الغيبية لهذهالمعصية.

- أن يفكر في اآلثار الدنيوية للغيبة كسقوط اإلنسان من أعين الناس.

- من الناحية العملية فال بد من كف النفس عن هذه المعصية لبعض الوقت مهما كان صعبا، ولجم اللسان، والمراقبة الكاملة للنفس، ومعاهدةالنفس بعدم اقتراف هذه الخطيئة، ومراقبتها، والحفاظ عليها ومحاسبتها.

- معالجة العوامل واألسباب والجذور التي تؤدي بالشخص أن يرتكبالغيبة، كالحسد والحقد واألنانية وحب االنتقام والتكبر والغرور وأمثال ذلك.

- أن يفكر ويستحضر دائما هذه الحقيقة وهي أن الغيبة حق الناس ألنهاتتسبب في هدم سمعتهم والذهاب بماء وجوههم.

الدروس المستفادة من اآلية - اإليمان الحقيقي يقتضي أن يتجنب اإلنسان األفكار السيئة تجاه1

يا أيها الذmين آمنوااآلخرين وكل ما من شأنه هتك حرمة المؤمن ﴿ ﴾... )سوء الظن - التجسس - الغيبة(.اجتنmبوا

ب2 - من أجل االبتعاد وعدم الوقوع بالمعصية حتما، ينبغي االبتعاد والتجنعن كل

، )بتصرف(، األخالق في القرآن، ناصر مكارم290راجع: األربعون حديثا، روح الله الخميني، ص 1 )بتصرف(.93-91، ص 3الشيرازي، ج

212

ما يحتمل أنه معصية فينبغي االجتناب عن الكثرة اإلفرادية للظن المحتملة المعصية بلحاظ كل األفراد، لكي ال نقع في بعض أفرادها القطعي الحرمة.

﴾.﴿اجتنmبوا كثmيرا ... إmن بعض الظن

- في المجتمع اإليماني، األصل هو الثقة واالعتماد على اآلخرين وبرائته3.حتى يثبت بالدليل القاطع خالف إmن بعض الظن ﴾ذلك ﴿

- من أجل االبتعاد عن الغيبة ال بد من سد كل أبواب الغيبة، أي كل ما4ن الظن ... واليمهد األرضية لهذه المعصية اجتنmبوا كثmيرا م .﴿

. سوا وال يغت ﴾تجس

- المعصية في ظاهرها قد تبدو جميلة ولذيذة ويلتذ بارتكابها اإلنسان5 كالغيبة، ولكنها في الباطن والصورة الملكوتية هي من أخبث الصور ومن

.أنتن الروائح ومن أبشع األعمال يهm ميتا mيأكل لحم أخ﴾ ﴿

- من طرق األمر بالمعروف والنهي عن المنكر االستفادة من األمثلة6وال يغتب ... بعضكم بعضا أيحmب أحدكم أنالتي تحرك العواطف .﴿ . mيه mيأكل لحم أخ﴾

- الغيبة حرام لكل األفراد من غير فرق بين صغير وكبير وال بين عرق7 شامل"ال يغتب...أحدكم" هووعرق وال بين مقام ومقام فالكل حرام.

للجميع.

- كما أن الميت ال يمتلك قدرة الدفاع عن نفسه فالمستغاب هكذا من8هذه الناحية "ميتا".

- الغيبة نوع من االفتراس الذي هو من عالمات الحيوانات وبالفعل الذي9 ﴿يأكليقوم بهذه المعصية فهو يغلب قواه الحيوانية على قواه العقلية.

يهm ميتا mلحم أخ.﴾

من الله يترافق دائما مع الرحمة اإللهية. - طلب التوبة والمعذرة10. يم mح اب ر ﴾تو ﴿

﴿تواب- إن قبول التوبة من الله تعالى هو مظهر من مظاهر الرحمة. 11. يم mح ﴾ر

213

( بالمحور:12( و )11ربط اآلية ) هذا المقطع من سورة الحجرات يتضمن المنهيات التي ال تتناسب مع

أخالقية المجتمع اإلسالمي فينبغي على أفراد المجتمع اجتناب هذه الرذائل األخالقية من سخرية، ولمز، وتنابز باأللقاب، وسوء الظن، وتجسس، وأخيرا الغيبة. ودعى الله تعالى المؤمنين إلى التوبة من هذه األعمال الشنيعة والموجبة النفصام عرى األخوة بين المؤمنين وبالعمل بهذه

المنهيات يجانب التقوى، واالبتعاد عنها هو التقوى بعينها وكما هو واضح كل ذلك ال يتم إال من خالل التربية األخالقية للمجتمع على ضوء سورة

الحجرات.

رسالة اآلية: إن واقع أمتنا اإلسالمية هي في أمس الحاجة لهذه األخالق الفاضلة

والحفاظ على حرمات المؤمنين، ألنه في رصد بسيط لألفراد المجتمع اإلسالمي، نرى كم يعاني هذا المجتمع من أمراض أصبحت ولألسف من عاداته السلوكية والتي قد ال يستنكرها أغلب أفراده بل يمارسونها على

أنها أمور مألوفة وطبيعية فالسخرية واالستهزاء والهمز واللمز والغيبة هي مواد سفرنا واجتماعاتنا ومحادثاتنا وهذا إن دل على شيء فيدل على مدى االنحطاط األخالقي في المجتمع مما يجعله بحاجة إلى عالج هذه األمراض

المزمنة من خالل التزامه بالمبادىء العظيمة التي جاءت في سورةالحجرات.

214

215

للمطالعة

رواية جامعة في الغيبة روي عن اإلمام الصادق عليه السالم الغيبة حرام على كل مسلم، مأثوم

صاحبها في كل حال، وصفة الغيبة: أن تذكر أحدا بما ليس هو عند الله عيب أو تذم ما تحمده أهل العلم فيه، وأما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم وصاحبه فيه ملوم فليس بغيبة، وإن كره صاحبه إذا سمع به وكنت أنت معافا عنه وخاليا منه ويكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن على شرط أن ال يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق والباطل في دين الله عز وجل، وأما إذا أراد به نقص المذكور بغير ذلك المعنى فهو مأخوذ بفساد مراده

وكان صوابا، وإن اغتبت مبلغ المغتاب فاستحل منه، فإن لم تبلغه ولم تلحقه فاستغفر الله له. والغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب،

أوحى الله عز وجل إلى موسى بن عمران عليه السالم المغتاب هو آخر من يدخل الجنة، إن تاب وإن لم يتب فهو أول من يدخل النار، قال تعالى:

يهm ميتا فكرmهتموه﴿ mب أحدكم أن يأكل لحم أخmووجوه الغيبةأيح ﴾ تقع بذكر عيب في الخلق والعقل والفعل والمعاملة والمذهب والجهل

وأشباهه.

وأصل الغيبة متنوع بعشرة أنواع: - ومساعدة قوم.2 - شفاء غيظ. 1- وتصديق خبر بال كشفه. 4- وتهمة. 3- وحسد.6 - وسوء ظن. 5- وتعجب.8- وسخرية. 7- وتزين. 10 - وتبرم.. 9

فإن أردت اإلسالم فاذكر الخالق ال المخلوق فيصير لك مكان الغيبة عبرة .1ومكان اإلثم ثوابا

.205- 204 مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب لإلمام الصادق عليه السالم، في الغيبة، ص 1

216

الدرس الحادي عشر: التقوى معيار التفاضل

 مفاهيم محورية:- نفي التفاخر في اإلسالم.

- نفي العنصرية في اإلسالم.- قيمة التسابق في العمل الصالح.

- وظيفة التقوى في اإلسالم.- تالزم العمل والتقوى.

- موارد التقوى في القرآن.- الدروس المستفادة من اآلية.

217

218

النص القرآنيmنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴿قال الله تعالى: يا أيها الناس إ

ند اللهm أتقاكم mن أكرمكم عmتعارفوا إmل لmوجعلناكم شعوبا وقبائ . ﴾إmن الله علmيم خبmير

تمهيدند اللهm أتقاكم﴿قال تعالى: mن أكرمكم عmواآلية استئناف مبين لماإ ،﴾

فيه الكرامة عند الله سبحانه، وذلك أنه نبههم في صدر اآلية على أن الناس بما هم ناس يساوي بعضهم بعضا ال اختالف بينهم وال فضل ألحدهم على غيره، وأن االختالف المترائي في الخلقة من حيث الشعوب والقبائل إنما هو للتوصل به إلى تعارفهم ليقوم به االجتماع المنعقد بينهم إذ ال يتم

ائتالف وال تعاون وتعاضد من غير تعرف، فهذا هو غرض الخلقة من االختالف المجعول، ال أن تتفاخروا باألنساب وتتفاضلوا بأمثال البياض

والسواد، فيستعبد بذلك بعضهم بعضا، ويستخدم إنسان إنسانا، ويستعلي قوم على قوم، فينجر إلى ظهور الفساد في البر والبحر وهالك الحرثه سبحانه في ذيل اآلية بهذه الجملة أعني والنسل فينقلب الدواء داء. نب

ند اللهm أتقاكم﴿قوله: mن أكرمكم عmعلى ما فيه الكرامة عنده، وهيإ ﴾ حقيقة الكرامة.

219

شرح مفردات اآليةاس: اسم للجمع من بني آدم، واحده: إنسان من غير لفظه، وقد يراد النبه الفضالء دون غيرهم، مراعاة لمعنى اإلنسانية، وفي التنزيل العزيز:

نوا كما آمن الناس mيل لهم آم mذا قmإذا راجعنا المعاجم اللغوية1﴾﴿وإ . ". فمن معانيالناسنجدها ذكرت استعماالت ومعاني متعددة لكلمة "

" يعني:أناس من حلي أذنيالناس في اللغة الحركة. كقول أم زرع " أن زوجها أكرمها بحلي حتى أن هذه الحلي قد مألت أذنيها فأصبحت هناك حركة لهذه الحلي قالت: أناس يعني: ظهرت حركة من هذه الحلي. ومنها:

النسيان. ومنها: األنس ألن بعضنا يأنس ببعض. منها: الظهور والبروز ألنناmني آنست نارا﴿نبرز ونظهر، قال عز وجل عن موسى: يعني أبصرت2﴾إ

.3ورأيت نارا قد ظهرت

: هو إيجاد شيء على كيفية مخصوصة وبما أوجبته إرادتهخلقناكم واقتضته الحكمة. والفرق بين الخلق واإليجاد واألحداث واإلبداع والتقدير والجعل واالختراع والتكوين: أن النظر في اإليجاد إلى جهة إبداع الوجود

فقط، وفي األحداث إلى اإليجاد من جهة الحدوث وكونه حادثا، وفي اإلبداع إلى اإليجاد على كيفية لم يسبقها غيرها، وفي الخلق إلى كون

اإليجاد على كيفية مخصوصة، وفي االختراع إلى جهة االشتقاق بسهولة، وفي التقدير إلى جهة التحديد وتعيين الحدود فقط، وفي التكوين إلى

اإليجاد ومن جهة حالة الكون والبقاء إجماال، وفي الجعل إلى جهة إحداث.4تعلق وارتباط

: إضفاء حالة وهيئة وتقدير وصيرورة معينة على الخلق. ثانيا:جعلناكم تحويل المخلوق من هيئة ألخرى. فالمعنى المحصل من الجعل هو ما

يقرب من التقدير

 .13سورة البقرة، اآلية 1.7سورة النمل، اآلية 2.163، 158، أنس، ص 1التحقيق في كلمات القرآن، ج 3.115، خلق، ص 3التحقيق في كلمات القرآن، ج 4

220

.1والتقرير والتدبير )ويجمعها تصيير الشيء على حالة( بعد الخلق والتكوين

الشعوب هو ما ينشعب من أصل نوع اإلنسان، كاألسود شعوبا وقبائmل: واألحمر واألبيض واألصفر. الشعوب باعتبار االمتيازات الطبيعية الخارجية، والقبائل باعتبار الخصوصيات الحاصلة بالنسب، وهذه االمتيازات ال توجب

ند اللهm أتقاكم﴿فضيلة وال شرفا في مقاماتهم المعنوية - mن أكرمكم عmإ ﴾2.

: األصل في الكرم هو ما يقابل الهوان، كما أن العزة ما يقابلأكرمكمة، والكبر ما يقابله الصغر. والذلة هو هوان بإذالل من هو أعلى منه، الذل

بخالف الهوان، فيعتبر في العزة مفهوم االستعالء والتفوق، بخالف.3اإلكرام

: وقى: كلمة واحدة تدل على دفع شيء عن شيء بغيره، ووقيتهأتقاكم أقيه وقيا، والوقاية: ما يقي الشيء. واتق الله: توقه، أي اجعل بينك وبينه

.4كالوقاية

المعنى التفصيلينفي التفاخر:

: اآلية مسوقة لنفي التفاخر باألنساب، وعليه فالمرادالتفسير األول" آدم وحواء."من ذكر وأنثىبقوله:

ا خلقناكم من أب وأم تشتركون جميعا على التفسير األول معنى اآلية: أن فيهما من غير فرق بين األبيض واألسود والعربي والعجمي وجعلناكم شعوبا وقبائل مختلفة ال لكرامة لبعضكم على بعض بل ألن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا ويتم بذلك أمر اجتماعكم فيستقيم مواصالتكم

ومعامالتكم فلو فرض ارتفاع المعرفة من بين

.89، جعل، ص 2التحقيق في كلمات القرآن، ج  1.68، شعب، ص 6التحقيق في كلمات القرآن، ج 2.47، وقى، ص 10التحقيق في كلمات القرآن، ج 3.184، وقى، ص 13التحقيق في كلمات القرآن، ج 4

221

أفراد المجتمع انفصم عقد االجتماع وبادت اإلنسانية، فهذا هو الغرض منجعل الشعوب والقبائل ال أن تتفاخروا باألنساب وتتباهوا باآلباء واألمهات.

: وقيل: المراد بالذكر واألنثى مطلق الرجل والمرأة،التفسير الثاني واآلية مسوقة إللغاء مطلق التفاضل بالطبقات كاألبيض واألسود والعرب

والعجم والغني والفقير والمولى والعبد والرجل والمرأة.

وعلى الثاني معنى اآلية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من رجل وامرأة فكل واحد منكم إنسان مولود من إنسانين ال تفترقون من هذه الجهة،

واالختالف الحاصل بالشعوب والقبائل - وهو اختالف راجع إلى الجعل.1اإللهي - ليس لكرامة وفضيلة وإنما هو ألن تتعارفوا فيتم بذلك اجتماعكم

﴾:إmن الله علmيم خبmير﴿- قوله: 1 فيه تأكيد لمضمون اآلية وتلويح إلى أن الذي اختاره الله كرامة للناس 

كرامة حقيقية اختارها الله بعلمه وخبرته بخالف ما اختاره الناس كرامة وشرفا ألنفسهم فإنها وهمية باطلة فإنها جميعا من زينة الحياة الدنيا قال

رة﴿تعالى: mن الدار اآلخmب وإmال لهو ولعmالحياة الدنيا إ mهmوما هذ ي الحيوان لو كانوا يعلمون mوفي اآلية داللة على أن من الواجب2﴾له .

بعوا في غايات الحياة أمر ربهم ويختاروا ما يختاره ويهدي على الناس أن يت إليه وقد اختار لهم التقوى كما أن من الواجب عليهم أن يختاروا من سنن

.3الحياة ما يختاره لهم من الدين

﴾:يا أيها الناس﴿- قوله: 2 يا أيها الذmين﴿النداءات التي تكررت في اآليات السابقة كانت بلفظ

﴾ وفي هذه اآلية الكريمة جاء الخطاب بلفظ )أيها الناس(. والسببآمنوافي تبديل الخطاب هو:

.226، ص 18تفسير الميزان، ج 1.64سورة العنكبوت، اآلية 2.227، ص 18تفسير الميزان، ج 3

222

أوال: هو تعقيب عام على هذه األحكام وتلك اآلداب، التي كانت خطابا للذين آمنوا، ليرتلوها، ويأخذوا أنفسهم بها.. وليس هذا فحسب، بل إن

عليهم أن يراعوا هذه األحكام وتلك اآلداب مع غير المؤمنين.. مع الناس جميعا، من كل أمة، ومن كل دين.. إنها أخالق إنسانية، يجب أن تكون

طبعا وجبلة فى المؤمن، يعيش بها فى الحياة كلها، ومع الناس جميعا، فال تكون ثوابا يلبسه مع المؤمنين، حتى إذا كان مع غير المؤمنين نزعه فإنه

..1بهذا إنما ينزع كماال خلعه الله عليه، و يتعرى من جالل كساه الله إياه

ثانيا: الخطاب هو لإلنسانية جمعاء، فإن كل الناس لهم مرجعية واحدة وهم خلقوا من ذكر وأنثى وال تفاضل بينهم من هذه الجهة أصال، وهذا يدل على

الوحدة اإلنسانية وهي قاعدة مهمة في فهم كل التشريعات اإلسالمية فأنتم أيها الناس- مؤمنين وغير مؤمنين- إخوة فى اإلنسانية. كما كان

المؤمنون إخوة في اإليمان. بناء على هذه القاعدة فإن عالقة المؤمنين بغيرهم ينبغي أن تقوم على أساس هذه الوحدة اإلنسانية، فال يجوز أن

يتعالى العرب على العجم منهم بلغتهم أو عنصرهم، ألن هذه العقيدةالجاهلية ستشكل حاجزا دون دخول سائر الشعوب في دين الله.

تنفي العنصرية: هذه اآلية الكريمة تهدينا إلى األمور التالية:

: إلى مشروعية هذه التقسيمات الطبيعية وأنها - في األساس - نافعة،أوال وعلينا أن نعيدها الى طهرها، بعيدا عن كل ألوان العصبية والتعالي لنجني

ثمارها الطيبة. وهذا ما يدعو اليه اإلسالم كما جاء في النصوص الدينية منضرورة صلة الرحم والتواصل مع العشيرة وما شابه ذلك.

.454، ص 13 التفسير القرآني للقرآن، ج1 

223

: أن التعارف بين الناس واحد من أهم مقاصد الشريعة الغراء،ثانيا لماذا؟. ألنه لوال معرفة الناس لما اكتملت حكمة االبتالء في الخلق؟ أو ألن االبتالء ال يتم إال بالحرية والمسؤولية فلو اختلط الناس ببعضهم كيف يميز

الصالح فيثاب عن المجرم فيعاقب؟ أم كيف تتراكم مكاسب المحسنينز الناس وتحصن من أن يسرقها الكسالى والمجرمون؟ كال. ال بد أن يمي

عن بعضهم تمييزا كافيا ليأخذ كل ذي حق حقه، فيشجعه ذلك على المزيدمن العطاء، ويأخذ التنافس دوره في دفع عجلة الحياة قدما الى االمام.

إن حكمة االختالف هو التكامل - بعد التنافس على الخيرات - وليسثالثا: وتعاونوا على البر﴿الصراع والتطاحن، وقد قال ربنا سبحانه:

ومن دون التعارف كيف يتم التعاون، إن على الناس أن1﴾والتقوى يكتشفوا إمكانات بعضهم ليتبادلوا الخيرات، أما إذا تقوقعت كل طائفة فيحدودها الجغرافية أو االجتماعية ولم يتعارفوا فكيف يمكن التعاون بينهم؟.

قيمة التسابق على العمل الصالح: ونفهم من هذه اآلية: إن التنافس على العمل الصالح والتسابق في

الخيرات هو هدف اختالف الشعوب، وإن لكل منهم شرعة ومنهاجا، بل إن هذا االختالف والتنوع مطلوب إذا كان وسيلة للتنافس البناء، والتعارف

والتعاون، كما أن االختالف بين الناس في مجتمع واحد هدفه التسارع الى الخيرات، والتعاون فيها، كذلك التفرع بين الشعوب والمجتمعات المتنوعة

مون رحمة ربك نحن قسمنا﴿أليس يقول ربنا سبحانه: mأهم يقس عmيشتهم فmي الحياةm الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض بينهم م

ا م يا ورحمت ربك خير م mذ بعضهم بعضا سخر mيتخmدرجات ل . وإذا كان الهدف من هذا التنوع التسارع في الخيرات، فإن2﴾يجمعون

أكرم الخلق عند الله من استبق إليها، فاألقرب إلى

 .2سورة المائدة، اآلية 1.32سورة الزخرف، اآلية 2

224

الصراط المستقيم، واألسبق في الصالحات هو األكرم، ألنه الذي يحققالهدف دون غيره، وإلى هذه تشير كلمة التقوى..

أليست التقوى هي المعرفة بالله والعلم بشريعته، واالجتهاد في تنفيذها؟. وأصل الكلمة من الوقاية، أي التحصن ضد أسباب الهالك وال تحصل هذه الوقاية من دون معرفة الطريق واالستقامة عليه، بعيدا عن أمواج الفتن،

وضغوط الهوى ورياح الشهوات، لذلك كانت التقوى أرفع درجة من اإليمان، كما إن اإليمان أرفع درجة من اإلسالم كما سيأتي. وإنما رفع

اإلسالم قواعد المجتمع الفاضل على أساس التقوى، ألنه من دونها تمزق العصبيات الجاهلية التجمع البشري، وال تدعه يتكامل، بل في كثير من

األوقات يتقابل مع بعضه، ويسير في طريق الهدم.

ية﴿قال الله سبحانه: mية حم mم الحم mهmي قلوبmين كفروا فmذ جعل الذmإ نmين mوعلى المؤم mهmينته على رسولmفأنزل الله سك mيةmل mالجاه

وألزمهم كلmمة التقوى وكانوا أحق بmها وأهلها وكان الله بmكل.1﴾شيء علmيما

إن كلمة التقوى هي صبغة التجمع اإليماني ومحوره، وعماد تماسكه، ومبعث قوته، بينما العصبيات الجاهلية هي صبغة سائر المجتمعات غير

اإليمانية.. وحين حارب اإلسالم هذه العصبيات استطاع أن يصهر المجتمع الجاهلي المتشرذم في بوتقة التوحيد، ويبني منه تلك الحضارة التي لم

.2يشهد التاريخ لها مثيال

وظيفة التقوى في اإلسالم: التقوى من الوقاية بمعنى: التوقي. وفي عرف- حقيقة التقوى: 1

المتشرعة يقصد بها: التوقي من عذاب اآلخرة، أو من غضب الرحمن، أومن االبتعاد عن الله تعالى أو ما إلى ذلك.

ويستفاد من مجموع اآليات القرانية أن التقوى هي اإلحساس بالمسؤوليةوالتعهد

.26سورة الفتح، اآلية   1.438 – 437 - 436، ص 13ينظر: من هدى القرآن، ج 2

225

الذي يحكم وجود اإلنسان وذلك نتيجة لرسوخ إيمانه في قلبه حيث يصده عن الفجور والذنب ويدعوه إلى العمل الصالح والبر ويغسل أعمال

اإلنسان من التلوثات ويجعل فكره ونيته في خلوص من أية شائبة. وحين نعود إلى الجذر اللغوي لهذه الكلمة نصل إلى هذه النتيجة أيضا ألن

" ومعناها المواظبة والسعي على حفظ"الوقاية" مشتقة من التقوى" الشيء، والمراد في هذه الموارد حفظ النفس من التلوث بشكل عام،

وجعل القوى تتمركز في أمور يكون رضا الله فيها.

وقد قسمها العالمة المجلسي رضوان الله عليه- مراتب التقوى:2إلى ثالث مراتب:

" عن طريق تحصيل االعتقادات"العذاب الخالد- حفظ النفس من الصحيحة.

ب كل إثم وهو أعم من أن يكون تركا لواجب أو فعال لمعصية. - تجند واالصطبار عن كل ما يشغل القلب ويصرفه عن الحق، وهذه - التجل

تقوى الخواص بل خاص الخاص.

واستظهر أن يكون المقصود بالتقوى في الروايات التي جعلتها فوق اإليمان وجعلت اليقين أعلى منها: المعنى الثاني, إذ لو كان المقصود هو

األول لما صح جعلها فوق اإليمان، ولو كان المقصود الثالث ألشكل الفرق عن اليقين وكون اليقين فوقه. ثم قال: لكن درجات المرتبة األخيرة ـ أيضا ـ كثيرة، فيمكن حمل اليقين على أعلى درجاتها، فيجتمع مع تفسير التقوى

بالمعنى الثالث أيضا.

نماذج من موارد التقوى في القرآن: إن القرآن جعل التمايز األكبر بين البشر هو للتقوى، وعدها معيارا لمعرفة

القيم اإلنسانية فحسب!.والعناوين التي تحدثت عنها اآليات عن التقوىكثيرة منها:

ادm﴿ عدها خير الزاد إذ يقول: - خير الزاد:1 وتزودوا فإmن خير الزmي األلبابmيا أول m1﴾التقوى واتقون.

.197سورة البقرة، اآلية 1

226

ولmباس التقوى ذلmك خير ذلmك﴿ فقد عبر عنها باللباس: - اللباس:2ن آياتm اللهm لعلهم يذكرون m1﴾م .

: كما أنه عبر عنها في آيات آخرى بأنها واحدة من أول- أسس الدعوة3أسس دعوة األنبياء.

ويسمو بها في بعض اآليات إلى أن يعبر عن- نسبها الله الى نفسه:4رةm﴿الله بأنه أهل التقوى فيقول: m2﴾هو أهل التقوى وأهل المغف .

والقرآن يعد التقوى نورا من الله، فحيثما- التقوى باب العلم:5 ﴿واتقوا الله ويعلمكمرسخت التقوى كان العلم والمعرفة إذ يقول:

. 3﴾الله والله بmكل شيء علmيم

﴿- التقوى والبر: ويقرن التقوى بالبر في بعض آياته فيقول: 6 وتعاونوا﴿. أو يقرن العدالة بالتقوى فيقول: على البر والتقوى اعدmلوا هو﴾

.4﴾أقرب لmلتقوى

يعد القرآن كل عمل ينبع من روح اإليمان واإلخالص والنية الصادقة أساسه في المدينة حيث بنى"مسجد قبا"التقوى، كما جاء في وصفه في شأن

س على﴿" فيقول: مسجد ضرارالمنافقون في قباله " د أس mلمسج mيه mيوم أحق أن تقوم ف mن أول m5﴾التقوى م .

تالزم العمل والتقوى: عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه السالم فذكرنا

رm الله ثم قالاألعمال فقلت: أنا ما أضعف عملي فقال: mمه استغف" لmي إmن قلmيل العملm مع التقوى

.26سورة األعراف، اآلية 1.56سورة المدثر، اآلية 2 .282سورة البقرة، اآلية 3.8سورة المائدة، اآلية 4.108سورة التوبة، اآلية   5

227

ن كثmيرm العملm بmال تقوى، قلت: كيف يكون كثmير بmال تقوى؟ mخير م يرانه ويوطئ mم طعامه ويرفق جmيطع mجل ثل الر mقال: نعم م

كناية عن كثرة الضيافة وقضاء حوائج المؤمنين بكثرة الواردينرحله"ن الحرامm دخل فmيه فهذا العملإلى منزله " mذا ارتفع له الباب مmفإ

ن mذا ارتفع له الباب مmنده فإ mال تقوى ويكون اآلخر ليس عmب .1الحرامm لم يدخل فmيه"

وقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي أن العمل يتقبل من المتقين، ومن يسلب صفة التقوى ال يقبل عمله قل أم كثر فال عبرة بذلك قال

با قربانا فتقبل﴿تعالى: م نبأ ابني آدم بmالحق إmذ قر mواتل عليه mنما يتقبل ن اآلخرm قال ألقتلنك قال إ mما ولم يتقبل م mهmن أحدmم

ين mن المتق m2﴾الله م.

واعلم أن الصادق عليه السالم سئل عن تفسير التقوى فقال عليه السالم: أن ال يفقدك الله حيث أمرك وال يراك حيث نهاك. وهذا هو بعينه قوله عليه

السالم في أول الباب: ولكن ذكر الله عندما أحل وحرم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها. وهذا هو حد التقوى وهي العدة الكافية

في قطع الطريق إلى الجنة، بل هي الجنة الواقية من متالف الدنيافة لكل إنسان، ولقد شحن واآلخرة، وهي الممدوحة بكل لسان. والمشر

﴿بمدحها القرآن، وكفاها شرفا قوله تعالى: ينا الذmين أوتوا ولقد وصmياكم أنm اتقوا الله ولو كان في العالم خصلة3﴾الكmتاب مmن قبلmكم وإ

أصلح للعبد وأجمع للخير وأعظم في القدر، وأنجح لآلمال من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان الله سبحانه أوصى بها عباده لمكان حكمته ورحمته، فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جمع األولين وآخرين واقتصر عليها علم

أنها الغاية التي ال يتجاوز عنها وال مقتصر دونها.

.76، ص 7، باب الطاعة والتقوى، ح 2الكافي، ج 1 .27سورة المائدة،اآلية 2.131سورة النساء، اآلية 3

228

الدروس المستفادة من اآلية - الذكورة واألنوثة واألعراق والقبائل وما شابه ذلك ليست مورد افتخار1

وتفاضل بين الناس "خلقنا، جعلنا".

- إن الحكمة من خلق البشر مختلفين في األجناس واألعراق واأللوان2﴾.﴿لmتعارفواواللغات هو التعارف ال التفاخر.

- إن الكرامة الظاهرية التي يكتسبها اإلنسان في المجتمع من خالل3 بعض العناوين االجتماعية هي زائلة ال محالة وال ثبات لها، إنما العبرة

بالكرامة الحقيقية التي يكتسبها اإلنسان عند الله تعالى ومدى قربه منه.﴿mند الله mأكرمكم ع.﴾

ز عنصري أو قبلي أو اقتصادي أو4 - القرآن الكريم ال يعترف بأي تمي ثقافي أو اجتماعي أو فكري أو سياسي بل يعتبر كل هذه األمور وغيرها

ليست موردا للتمايز والتفاضل، إنما مالك التمايز والتفاضل عنده هو.التقوى. ند اللهm أتقاكم mن أكرمكم عmإ﴾ ﴿

- إن التمايز موجود في الفطرة اإلنسانية والقرآن الكريم حدد المسار5ند اللهmالتصاعدي لهذا التمايز الفطري بالتقوى. mن أكرمكم عmإ﴿

. ﴾أتقاكم

- ال يمكن ادعاء التقوى ألنه حالة باطنية تتجسد باألعمال الصالحة، ألن6﴾.علmيم خبmير﴿الله

ربط آية التقوى بالمحور: إن المقطع السابق تضمن المنهيات التي ال تتناسب مع أخالقية المؤمن والمجتمع اإليماني، وهذه اآلية الكريمة دعت إلى التقوى وجعلته المعيار األساس للتفاضل بين البشر، وبينت أن أصل البشر واحد وهو اإلنسانية،

فترك المنهيات السابقة والعمل يما يوجب التقوى هو الذي يجسد األخالقفي مجتمعنا اإلسالمي وهذا ما دعت له سورة الحجرات في كل آياتها.

229

رسالة آية التقوى: إن على الناس أن يتقربوا إلى الله تعالى كما يريد وذلك من خالل العمل الصالح في المجتمع وأن يسارعوا إلى عمل ما يقربهم من الله تعالى وأن

يعلموا أن األساس في عالقتهم مع بعضهم بعضا هو تقوى الله وأن ال يتفاخروا ويتفاضلوا باألعراق واألجناس واأللوان والتي ال قيمة لها عند الله

.تعالى ألن ند اللهm أتقاكم mأكرمكم ع﴾ ﴿

230

للمطالعة

أهمية التقوى قد الحظت من خالل التدبر في القرآن والروايات أخيرا أن المعيار الذي

تؤكد عليه اآليات والروايات أكثر من أي شيء آخر - حتى من اإلسالم نفسه - هو مسألة التقوى، فالتقوى هي التي ترشد الناس - منذ بداية

ن الفرد أو المجتمع - إلى قبول دين الحق واالستجابة لألوامر اإللهية, تديين﴿ولذا يصف الباري عز وجل القرآن الكريم بأنه mهدى للمتق.﴾

ومن البديهي أن اإلنسان عندما يريد االجتناب عن شيء ما فإن اجتنابهنة ومرتكز على مبنى فكريا يؤمن به, ذلك مستند على أصول ومعايير معي ولهذا قد تجد إنسانا آخر - واستنادا إلى مبنى فكري آخر - ال يكتفي بعدم

االجتناب عن ذلك الشيء بل يمارسه وينجذب إليه، إذن فالمبنى الذي تستند إليه التقوى عند اإلنسان المتدين هو الدين. والتقوى الدينية تعني أن

اإلنسان أينما حل يجب عليه أن يكون مراقبا لنفسه لكي يصونها من االنحراف عن الطريق الصحيح، ويجب أن تكون تلك المراقبة شاملة

لجميع األعمال التي يمارسها اإلنسان وال سيما األعمال المهمة واألمور التي تعتبر معالم في حياة الناس، وباإلخص لمسؤولي الدولة فيما

يمارسونه من أمور ترتبط بإدارة شؤون البالد.

فيجب على اإلنسان رعاية الموازين الدينية في جميع تلك الشؤون، أن يرى ما هي األمور التي تنسجم مع األسس الدينية وتجلب رضا الله

سبحانه وتعالى، فيأخذ بها من دون أي مجاملة، ويالحظ األمور المخالفة.1لرضا الباري عز وجل فيتركها، هذا هو المعيار األساس

هـ.ق.1415 ربيع األول 22من كلمة لإلمام الخامنئي دام ظله, ألقاها بتاريخ 1

231

232

األعراب والصادقون:

مفاهيم محورية:- حقيقة اإليمان واإلسالم.

- الفرق بين اإليمان واإلسالم. - تحقيق حول مراتب اإلسالم واإليمان.

- من هم األعراب؟ - قيمة العالقة بالصادقين.

- اتباع الصادقين وبناء المجتمع الفاضل.

233

234

النص القرآنينوا ولكmن قولوا﴿قال الله تعالى: mاألعراب آمنا قل لم تؤم mقالت

ا يدخلm اإلmيمان فmي قلوبmكم وإmن تطmيعوا الله أسلمنا ولمmنما يم * إ mح ن أعمالmكم شيئا إmن الله غفور ر ورسوله ال يلmتكم م

نون الذmين آمنوا بmاللهm ورسولmهm ثم لم يرتابوا وجاهدوا mالمؤم ادmقون م فmي سبmيلm اللهm أولئmك هم الص mه mم وأنفس mهmأموالmب.﴾

تمهيد كان الكالم في اآلية المتقدمة عن معيار القيم اإلنسانية أي التقوى، وحيث

إن التقوى ثمرة لشجرة اإليمان، اإليمان النافذ في أعماق القلوب، ففي قالتm﴿اآليتين اآلنفتين بيان لحقيقة اإليمان إذ تقول اآلية األولى:

mا يدخل نوا ولكmن قولوا أسلمنا ولم mاألعراب آمنا قل لم تؤم .﴾اإلmيمان فmي قلوبmكم

في أن:اإليمان" و "اإلسالم"وطبقا لمنطوق اآلية فإن الفرق بين " اإلسالم له شكل ظاهري قانوني، فمن تشهد بالشهادتين بلسانه فهو في

زمرة المسلمين وتجري عليه أحكام المسلمين. أما اإليمان فهو أمر واقعي وباطني، ومكانه قلب اإلنسان ال ما يجري على اللسان أو ما يبدو

ظاهرا! اإلسالم ربما كان عن دوافع متعددة ومختلفة بما فيها الدوافعالمادية والمنافع الشخصية، إال أن اإليمان ينطلق من دافع معنوي،

235

ويسترفد من منبع العلم، وهو الذي تظهر ثمرة التقوى اليانعة على غصنشجرته الباسقة!.

نوا﴿ mاألعراب آمنا قل لم تؤم mإذ اإليمان تصديق مع ثقةقالت ﴾ وطمأنينة قلب، ولم يحصل لكم وإال لما مننتم على الرسول باإلسالم وترك

﴾ فإن اإلسالم -ولكmن قولوا أسلمنا﴿المقاتلة كما دل عليه آخر السورة الذي هو انقياد - دخول في السلم وإظهار الشهادة. وترك المحاربة يشعر

به.

شرح مفردات اآلية العرب: اسم جنس كالعجم، وإذا نسب اليه بياء النسبة يقالاألعراب:

عربي كالعجمي واألعجمي، فيدل على اإلفراد. واألعراب: في األصل جمع عرب، ثم يطلق على البدويين، فإن الجمع فيه داللة على التكثير واألفراد

المختلفة المجتمعة، وهذا يالزم تحقيرا وتعميما في قبال التشخص والتعزز واالختصاص. وفي الواحد يلحقه ياء النسبة، فيقال أعرابي، أي من ينسب

إلى األعراب. فالمراد هنا من األفراد معناه اللغوي ال االصطالحي.

﴿mن األعراب mفاقا﴿. 1﴾وجاء المعذرون مm2﴾األعراب أشد كفرا ون.

﴿mن األعراب هلm المدmينةm ومن حولهم م mن. 3﴾ما كان ألmوم﴿ ق مغرما mذ ما ينف mمن يتخ mيراد األفراد العامة التى ال امتياز4﴾األعراب .

.5لهم وال خصوصية وال شخصية، وليس مخصوصا بالبدويين

.90سورة التوبة، اآلية   1.97سورة التوبة، اآلية 2.120سورة التوبة، اآلية 3.98سورة التوبة، اآلية 4.75، عرب، ص 8التحقيق في كلمات القرآن، ج 5

236

األمن" في أي معنى استخدمت هو "أمن: األصل الواحد في مادة "آمنا والسكون ورفع الخوف والوحشة واالضطراب. يقال: أمن

يأمن أمنا، أي اطمأن وزال عنه الخوف، فهو آمن، وذاك مأمون، ومأمون منه، واألمانة مصدر ويطلق على العين

الخارجي الذى يتعلق به األمن كالوديعة فهي مورد األمن والمأمون عليها. واآلمن هو المطمئن وبلدة آمنة إذا لم تكن

.1"فيها خوف وال وحشة

: اإلسالم عبارة عن جعل شيء سلما أي موافقا متالئما ال يبقىأسلمنا خالف وال ترى جهة مغايرة ومنافرة. ولإلسالم مراتب: األول إسالم في

األعمال الظاهرية وفي األركان البدنية والجوارح واألعضاء الجسمانية، كمانوا ولكmن قولوا أسلمنافي: mاألعراب آمنا قل لم تؤم mقالت﴾ ﴿2.

: قلب: أصالن صحيحان، يدل أحدهما على خالص شيء وشريفه،قلوبmكم واآلخر على رد شيء من جهة إلى جهة، فاألول - القلب، قلب اإلنسان وغيره، ألنه أخلص شيء فيه وأرفعه، وخالص كل شيء وأشرفه قلبه. واألصل اآلخر - قلبت الثوب قلبا. والقلب: انقالب الشفة، وهي قلباء،

. األصل الواحد في المادة: هو التحول المطلق في مادي3وصاحبها أقلب.4أو معنوي، زماني أو مكاني أو في حالة أو في صفة أو في موضوع

ليت يقال: الته عن كذا يليته: صرفه عنه، ونقصه حقا له، ليتا.ال يلmتكم:ن أعمالmكم شيئا﴿قال تعالى: أي: ال ينقصكم من أعمالكم، ﴾ال يلmتكم م

يت، أي: صفحة العنق .5الت وأالت بمعنى نقص، وأصله: رد الل

.151، ص 1راجع: التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي،ج 1.188- 187، سلم، ص 5التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي،ج 2.17، ص 5معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا )ابن فارس(،ج 3 .303، قلب، ص 9التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 4.749مفردات ألفاظ القرآن، الراغب األصفهاني، ليت، ص 5

237

. الفرق بين الشك1: ريب: أصيل يدل على شك، أو شك وخوفيرتابوا واالرتياب: أن االرتياب شك مع تهمة، والشاهد أنك تقول إنى شاك اليوم

في المطر، وال يجوز أن تقول إنى مرتاب بفالن: إذا شككت في أمره . األصل الواحد في هذه المادة: هو التوهم مع الشك، والتوهم هو2واتهمته

التخيل والتصور والتمثل مأخوذا من أمور مشاهدة محسوسة أو معقولة، وهو يالزم الشك أو الظن، وعلى هذا فهو ال يقبل االعتماد واالستناد إليه. ومن يطمئن عليه: يذم عند العقالء. والتوهم في مقابل اليقين والتصديق

والتحقيق، وال ينتج من الحق شيئا. وبناء على هذا، فال توجد الريبة في الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته وأفعاله، وال في مراتب تكوينه وخلقه، وال

في ما يظهر من جانبه كالوحي واإللهام والرسالة واألحكام االلهية والكتب.3المنزلة

: هو بذل الطاقة والسعي البليغ إلى أن ينتهي النهاية الممكنةوجاهدوا ويبلغ غاية وسعه. ثم إن االجتهاد إما بالمال أو بالبدن واألعضاء أو بالفكر، وكل منها إما في سبيل الله تعالى أو في طرق دنيوية وأغراض شخصية.

فالمجاهدة هو إدامة الجهد، واالجتهاد هو الجهد بالطوع والرغبة.mالله mيلmي سبmدون فm4﴾﴿يجاه ،﴿mهmيلmي سبmهاد ف mل الله﴿، 5﴾وج فض

م mه mم وأنفس mهmأموالmين بmد mم﴿، 6﴾المجاه mهmأموالmوجاهدوا ب م mه m8 7﴾وأنفس.

.463، ص 2معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا )ابن فارس(،ج  1.107، ص 1الفروق، أبو هالل العسكري، الفرق بين الشك واالرتياب ، ج 2. )بتصرف(.292، ريب، ص 4التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 3.54سورة المائدة، اآلية 4.24 سورة التوبة، اآلية 5.95سورة النساء، اآلية 6.72سورة األنفال، اآلية 7.44، سبل، ص 5 التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج8

238

mيلmسبل: هو إرسال شيء بالتطويل، كما في إسبال المرأة ذيلها،سب : وإسبال الثوب، وإسبال الشعر، وإسبال الماء، وإسبال الستر، وإسبال

السحاب، وإسبال المطر. والسبيل هو ما يمتد ويرسل ويسبل من نقطة، فهو الطريق السهل الطبيعي الممتد الموصل إلى نقطة مقصودة، مادية

.1أو معنوية

ادmقون : صدق: أصل يدل على قوة في شيء قوال وغيره. من ذلكالص الصدق: خالف الكذب، سمي لقوته في نفسه، وألن الكذب ال قوة له، هو باطل، وأصل هذا من قولهم - شيء صدق أي صلب ورمح صدق. األصل

الواحد في هذه المادة: هو التمامية والصحة من الخالف والكون على.2حق

المعنى التفصيلياإليمان:

اآلية الكريمة نفت اإليمان عنهم وأوضحت بأنه لم- اإليمان واإلسالم:1 يدخل في قلوبهم بعد وأثبت لهم اإلسالم، ويظهر من خالل هذه المقارنة أنه هناك فرق بين اإليمان واإلسالم، بأن اإليمان معنى قائم بالقلب من

قبيل االعتقاد، واإلسالم أمر قائم باللسان والجوارح، فإنه االستسالم والخضوع لسانا بالشهادة على التوحيد والنبوة وعمال بالمتابعة العملية ظاهرا سواء قارن االعتقاد بحقية ما شهد عليه وعمل به أو لم يقارن،

وبظاهر الشهادتين تحقن الدماء وعليه تجري المناكح والمواريث، وسيأتيتفصيل البحث حول اإليمان واإلسالم.

: المراد باإلطاعةإطاعة الله ورسوله قوام حقيقة اإليمان -2 اإلخالص فيها بموافقة الباطن للظاهر من غير نفاق، وطاعة الله استجابة ما دعا إليه من اعتقاد وعمل، وطاعة رسوله تصديقه واتباعه فيما يأمر به

فيما له الوالية عليه

.128، جهد، ص 2التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 1.215، صدق، ص 6التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 2

239

من أمور األمة، والمراد باألعمال جزاؤها المراد بنقص األعمال نقص جزائها. والمعنى: وإن تطيعوا الله فيما يأمركم به من اتباع دينه اعتقادا،

وتطيعوا الرسول فيما يأمركم به ال ينقص من أجور أعمالكم شيئا، وقوله:يم﴿ mح ﴾ تعليل لعدم نقصه تعالى أعمالهم إن أطاعوهإmن الله غفور ر

.1ورسوله

نون الذmين﴿: قوله تعالى: - صفات صادقي اإليمان3 mنما المؤمm إم mه mم وأنفس mهmأموالmثم لم يرتابوا وجاهدوا ب mهmورسول mاللهmآمنوا ب

ادmقون تعريف تفصيلي للمؤمنين بعد ﴾فmي سبmيلm اللهm أولئmك هم الص ما عرفوا إجماال بأنهم الذين دخل اإليمان في قلوبهم كما هو الزم قوله:

نوا﴿ mو لم تؤم ﴿ ا يدخلm اإلmيمان فmي قلوبmكم﴾ ﴿. فقوله: ولم mنما﴾ إmهmورسول mاللهmين آمنوا بmنون الذ mفيه قصر المؤمنين في الذين﴾المؤم

آمنوا بالله ورسوله إلخ، فتفيد تعريفهم بما ذكر من األوصاف تعريفا جامعا مانعا فمن اتصف بها مؤمن حقا، كما أن من فقد شيئا منها ليس بمؤمن

حقا. واإليمان بالله ورسوله عقد القلب على توحيده تعالى وحقية ما أرسل به رسوله وعلى صحة الرسالة واتباع الرسول فيما يأمر به. وقوله:

﴾ثم لم يرتابوا ﴿ أي لم يشكوا في حقية ما آمنوا به وكان إيمانهم ثابتا مستقرا ال يزلزله شك، والتعبير بثم دون الواو - كما قيل - للداللة على انتفاء عروض الريب حينا بعد حين كأنه طري جديد دائما، فيفيد ثبوت

اإليمان على استحكامه األولي ولو قيل: ولم يرتابوا كان من الجائز أن يصدق مع اإليمان أوال مقارنا لعدم االرتياب مع السكوت عما بعد. وقوله:

﴿mالله mيلmي سبmم ف mه mم وأنفس mهmأموالmالمجاهدة بذلوجاهدوا ب ﴾ الجهد والطاقة وسبيل الله دينه، والمراد بالمجاهدة باألموال واألنفس

العمل بما تسعه االستطاعة وتبلغه الطاقة في التكاليف المالية كالزكاةوغير ذلك من اإلنفاقات الواجبة،

.329 - 328، ص 18تفسير الميزان، ج 1

240

والتكاليف البدنية كالصالة والصوم والحج وغير ذلك. والمعنى: ويجدون بإتيان التكاليف المالية والبدنية حال كونهم أو حال كون عملهم في دين

ادmقون﴿الله وسبيله. وقوله: ﴾ تصديق في إيمانهم إذاأولئmك هم الص.1كانوا على الصفات المذكورة

: اآلية تشير إلى أصل قرآني مسلم- اإليمان شرط قبول األعمال4 به وهو أن شرط قبول األعمال "اإليمان"، إذ مضمون اآلية أنه إذ كنتم مؤمنين بالله ورسوله إيمانا قلبيا وعالمته طاعتكم لله والرسول فإن

أعمالكم مقبولة، وال ينقص من أجركم شيء، ويثيبكم الله، وببركة هذه األعمال يغفر ذنوبكم ألن الله غفور رحيم. وحيث إن الحصول على هذا

األمر الباطني أي اإليمان ليس سهال، فإن اآلية التالية تتحدث عن عالئمه، العالئم التي تميز المؤمن حقا عن المسلم والصادق عن الكاذب، وأولئك

الذين استجابوا لله وللرسول رغبة وشوقا منهم عن أولئك الذين استجابوانون الذmينطمعا أو للوصول إلى المال والدنيا فتقول: mنما المؤمm ﴿إ

م mه mم وأنفس mهmأموالmثم لم يرتابوا وجاهدوا ب mهmورسول mاللهmآمنوا ب mالله mيلmي سبmأجل، إن أول عالمة لإليمان هي عدم التردد في مسيرف !﴾

اإلسالم، والعالمة الثانية الجهاد باألموال، والعالمة الثالثة التي هي أهم من الجميع الجهاد بالنفس. وهكذا فإن اإلسالم يستهدف في اإلنسان أجلى

ثبات القدم وعدم الشك والتردد من جهة، واإليثارالعالئم " ". فكيف ال يرسخ اإليمان في القلببالمال والنفس من جهة أخرى

واإلنسان ال يقصر عن بذل المال والروح في سبيل المحبوب!؟ ولذلك فإنادmقوناآلية تختتم بالقول مؤكدة: .2﴾﴿أولئmك هم الص

.329 - 328، ص 18تفسير الميزان، ج 1.573، ص 16األمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2 

241

حقيقة اإليمان واإلسالم: تارة ويراد منها المعنى المصدري، أي اعتناق"اإلسالم"تطلق كلمة

م﴿اإلسالم والدخول فيه، ومنه قوله تعالى: mهmسالمmوكفروا بعد إ﴾، وقولهم: إسالم الكافر يتحقق بإظهار الشهادتين.

وتطلق تارة أخرى ويراد منها اسم المصدر، وهي الحالة الحاصلة من تحقق المصدر، فيقال مثال: اإلسالم يحقن به الدم والمال، أي حالة كون

اإلنسان مسلما تجعل لدمه وماله حرمة تمنع من التعرض لهما إال بسبب مبيح، أو الخروج عن اإلسالم موجب للكفر وهدر الدم إجماال، أو يقال:

اإلسالم شرط في صحة العبادات.

وتطلق ثالثة ويراد منها الدين والشريعة السماوية التي جاء بها ومن يبتغm﴿محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنه قوله تعالى:  النبي

نه mينا فلن يقبل مmد m "اإلسالم يعلو وال﴾، ومنه قولهم: غير اإلmسالم". يعلى عليه

واإلسالم بكل هذه المعاني تترتب عليه أحكام فقهية.

وقد يطلق اإلسالم أو مشتقاته على األديان السماوية السابقة كما في إmذ قال له ربه أسلmم﴿قوله تعالى - حكاية عن إبراهيم عليه السالم

يم بنmيهm ويعقوب mبراهm ين * ووصى بmها إ mرب العالمmقال أسلمت ل وأنتم يا بنmي إmن الله اصطفى لكم الدين فال تموتن إال

. سلmمون ﴾م

الفرق بين اإلسالم واإليمان: - اإلسالم - بالمعنى الثاني من المعاني االصطالحية المتقدمة - غير

نوااإليمان. ويشهد لذلك قوله تعالى: mاألعراب آمنا قل لم تؤم mقالت﴿ . ا يدخلm اإلmيمان فmي قلوبmكم ﴾ولكmن قولوا أسلمنا ولم

- اإلسالم أسبق - من حيث التحقق - من اإليمان.

242

- اإلسالم يتحقق بمجرد اإلقرار باللسان، وإن لم يقترن بالعمل. لكناإليمان هو إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.

- بعض األعمال تتوقف صحتها - من حيث إسقاط التكليف ال الثواباألخروي - على اإلسالم، وبعضها اآلخر على اإليمان.

- اتضح من خالل ما تقدم: أن اإليمان قد يطلق على االعتقاد باإلسالم بالمعنى الثالث، وهو إرادة مجموعة الدين الذي جاء به النبي محمد صلى

الله عليه وآله وسلم من عقيدة وشريعة.

االعتقاد باإلسالم بالمعنى الثالث.اإليمان العام:

: االعتقاد بما تعتقده اإلمامية، وهو مجموع ما جاء بهاإليمان الخاصالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فيه اإلمامة.

واآلية الكريمة تتحدث عن اإلسالم الظاهري لألعراب فاإلسالم حسب المعنى القرآني كما يذهب بعض المحققين يقول: "اإلسالم عبارة عن

جعل شيء سلما أي موافقا متالئما ال يبقى خالف وال ترى جهة مغايرةومنافرة.

والذي يستفاد من الروايات الواردة عن األئمة األطهار عليهم السالم هو وجود نوع من االختالف المفهومي والمصداقي بين اإليمان واإلسالم,

فاإليمان هو: التصديق القلبي الذي ينعقد في قرارة النفس، وهو أعلى رتبة من اإلسالم، في حين أن اإلسالم هو: التشهد بالشهادتين لسانا والعمل بالشرع ظاهرا. وبالتالي ستختلف الشروط والصفات لكل واحد منهما فصفات المسلم، مختلفة الى حد ما عن صفات المؤمن, وإن

كانت تتداخل معها في الرتبة المحققة لألدنى منهما وتفترق في الرتبة المختصة بأحدهما. وإن العالقة بينهما قد تلحظ باعتبار الصدق أي االنطباق

على المصداق فالعالقة بينهما هي العموم والخصوص المطلق حسب ما يقال في علم المنطق أي أن أحدهما أعم مطلقا من اآلخر والثاني أخص

مطلقا منه. فاإلسالم أعم مطلقا من اإليمان وهو أخص مطلقا مناإلسالم, فكل مؤمن هو

243

مسلم وليس كل مسلم هو مؤمن، وقد تلحظ بلحاظات أخرى. يقول "واتفقت اإلمامية على أن اإلسالم غير اإليمان،الشيخ المفيد:

وأن كل مؤمن فهو مسلم وليس كل مسلم مؤمنا، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خالف ذلك، وزعموا أن كل

.1"مسلم مؤمن وأنه ال فرق بين اإلسالم واإليمان في الدين

فضيلm بنm يسار عن أبmيوهذا ما أشارت له بعض الروايات كرواية، " عبدm الله عليه السالم قال اإليمان يشارmك اإلسالم واإلسالم ال

.2"يشارmك اإليمان

"إmنوعن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه السالم يقول: اإليمان يشارmك اإلسالم وال يشارmكه اإلسالم إmن اإليمان ما وقرmيث وحقن الدماءmح والموارmواإلسالم ما عليه المناك mي القلوبmف

. 3واإليمان يشرك اإلسالم واإلسالم ال يشرك اإليمان"

تحقيق العالمة الطباطبائي رضوان الله عليه حول مراتب اإلسالمواإليمان:

اإلسالم والتسليم واالستسالم بمعنى واحد، من السلم، وأحد الشيئين إذا كان بالنسبة إلى اآلخر بحال ال يعصيه وال يدفعه فقد أسلم واستسلم له،

﴾بلى من أسلم وجهه لmلهmقال تعالى ي وجهت4﴿ إن ﴿، وقال تعالى: ماوات واألرض حنيفا وما أنا من المشركين ذي فطر الس ، ووجه5﴾وجهي لل

الشيء ما يواجهك به، وهو بالنسبة إليه تعالى تمام وجود الشيء فإسالماإلنسان له تعالى هو وصف االنقياد

.48أوائل المقاالت، الشيخ المفيد، القول في التوبة وقبولها، 1.25، ص 2، باب أن اإليمان يشرك اإلسالم واإلسالم ال يشرك اإليمان، ح2الكافي،الكليني،ج 2.25، ص 3، باب أن اإليمان يشرك اإلسالم واإلسالم ال يشرك اإليمان، ح2الكافي،الكليني،ج 3.112سورة البقرة، اآلية   4.79األنعام, اآلية سورة 5

244

والقبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني، من قدر وقضاء، أو تشريعي من أمر أو نهي أو غير ذلك، ومن هنا كان له مراتب

بحسب ترتب الواردات بمراتبها. وهي تقسم إلى أربعة مراتب:المرتبة األولى من مراتب اإلسالم:

القبول لظواهر األوامر والنواهي بتلقي الشهادتين لسانا، سواء وافقه.﴾قالتm األعراب آمنا...﴿القلب، أو خالفه، قال تعالى:

 المرتبة األولى من اإليمان بعد المرتبة األولى من اإلسالم:

ويتعقب اإلسالم بهذا المعنى أول مراتب اإليمان وهو اإلذعان القلبيبمضمون الشهادتين إجماال ويلزمه العمل في غالب الفروع.

المرتبة الثانية من اإلسالم ما يلي المرتبة األولى من اإليمان: ما يلي اإليمان بالمرتبة األولى، وهو التسليم واالنقياد القلبي لجل

االعتقادات الحقة التفصيلية وما يتبعها من األعمال الصالحة وإن أمكن ﴿الذmينالتخطي في بعض الموارد، قال الله تعالى في وصف المتقين:

ين mمmنا وكانوا مسلmآياتmوقال أيضا: 1﴾آمنوا ب ،﴿ ياأيها الذmين آمنواة لمm كآف ،2﴾ادخلوا فmي الس

المرتبة الثالثة من اإلسالم ما يلي المرتبة الثانية من اإليمان: ما يلي اإليمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست باإليمان المذكور

وتخلقت بأخالقه تمكنت منها وانقادت لها سائر القوى البهيمية والسبعية، وبالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة، وصار اإلنسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، ولم يجد في

باطنه وسره ما ال ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره، قالنون ﴿الله سبحانه: mفال وربك ال يؤم

.69سورة الزخرف، اآلية   1.208سورة البقرة، اآلية   2

245

م حرجا mه mي أنفسmدوا ف mيما شجر بينهم ثم ال يج mحتى يحكموك ف ا قضيت ويسلموا تسلmيما م ، ويتعقب هذه المرتبة من اإلسالم1﴾م

نون *﴿المرتبة الثالثة من اإليمان، قال الله تعالى: mقد أفلح المؤم mاللغو mين هم عنmعون * والذ mم خاش mهmي صالتmين هم فmالذ

إmذ قال له ربه أسلmم قال أسلمت﴿، ومنه قوله تعالى: 2﴾معرmضونين mرب العالمmإلى غير ذلك، وربما عدت المرتبتان الثانية والثالثة3﴾ل

مرتبة واحدة. واألخالق الفاضلة من الرضا والتسليم، والحسبة والصبر فيالله، وتمام الزهد والورع، والحب والبغض في الله من لوازم هذه المرتبة.

المرتبة الرابعة من اإلسالم ما يلي المرتبة الثالثة من اإليمان: الرابعة ما يلي: المرتبة الثالثة من اإليمان فإن حال اإلنسان وهو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مواله، إذ كان قائما

بوظيفة عبوديته حق القيام، وهو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه ويرتضيه، واألمر في ملك رب العالمين لخلقة أعظم من ذلك وأعظم

وإنه حقيقة الملك الذي ال استقالل دونه لشيء من األشياء ال ذاتا وال صفة، وال فعال على ما يليق بكبريائه جلت كبريائه. فاإلنسان - وهو في

المرتبة السابقة من التسليم - ربما أخذته العناية الربانية فأشهدت له أن الملك لله وحده ال يملك شيء سواه لنفسه شيئا إال به ال رب سواه، وهذا معنى وهبي، وإفاضة إلهية ال تأثير إلرادة االنسان فيه، ولعل قوله تعالى:

نا﴿ mمة لك وأرmسل ة م يتmنا أم ربنا واجعلنا مسلmمينm لك ومmن ذركنا m45﴾مناس .

.65سورة النساء، اآلية 1.3 - 1سورة المؤمنون، اآليات 2.131سورة البقرة، اآلية 3.128سورة البقرة، اآلية 4.303- 301، معنى اإلسالم - مراتب اإلسالم واإليمان، )بحث قرآني(، ص 1تفسير الميزان، ج 5

246

ونحاول أن نوضح هذه المراتب الثمانية لإلسالم واإليمان في الجدولالتالي:

247

بحث حول اآلية

من هم األعراب؟ األعراب:هي مجموعة أسلمت في الظاهر ولكنها لم تؤمن في الواقع وفي

باطنها، أي لم يوافق ظاهرها باطنها. واآلية ال تريد أن تقول بأن األعراب هم مجموعة من البادية أوصافهم كذا وكذا وينتهي األمر، بل إنها تريد أن

تحذر النبي والمجتمع اإليماني من خطر هؤالء األعراب المنافقين كما ذكرتهم اآلية السابقة بل وصفتهم بأنهم أشد كفرا ونفاقا مما يؤكد خطورة

هذه المجموعة على اإلسالم، ولذا اآلية من الموارد التي فضحهم الله ورسوله وبين نفاقهم وأنهم لم يؤمنوا وإن كانوا من المسلمين بمعنى

إظهار الشهادتين. وباقي اآليات توضح حقيقة هؤالء وأنهم نخبة المنافقين أو أنهم مجموعة أخرى أشد خطرا من غيرهم على كيان اإلسالم وعلى

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

واألعرابي، العرب: جيل من الناس، والنسبة إليهم عربي بين العروبة، وهم أهل األمصار. واألعراب منهم سكان البادية خاصة. وجاء في الشعر

الفصيح: األعاريب. والنسبة إلى األعراب أعرابي، ألنه ال واحد له. وليس األعراب جمع العرب، كما كان األنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم

جنس.

ويعرفه الشهيد الثاني رضوان الله عليه األعرابي بقوله: "وهو المنسوبان البادية، لنقصه بذلك عن مكارم األخالق ومحاسن إلى األعراب سك الشيم المستفادة من الحضر. وقد يطلق األعرابي على من ال يعرف

ان البوادي المعني بقوله تعالى: محاسن اإلسالم وتفاصيل األحكام من سك يعلموا حدود ما أنزل الله﴿ األعراب أشد كفرا ونmفاقا وأجدر أال

mهmوعلى من عرف ذلك منهم ولكن ترك المهاجرة مع﴾على رسول .1وجوبها"

.295الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية، الشهيد الثاني، عدم كون اإلمام أعرابيا، ص 1

248

ن األعرابm﴿وقوله تعالى: mذ ومن منافقي األعراب ﴾وم mيعد"من يتخ " ق" mيصرفه في سبيل الله ويتصدق به "مغرما" غرامة وخسرانا،ما ينف "

وال يحتسبه عند الله تعالى، وال يرجو عليه ثوابا، وإنما ينفق رياء أو تقية دوائر الزمان"ويتربص بmكم الدوائmر"من أهل اإلسالم، ال لوجه الله

وحوادث األيام وعواقب األمور من نوب الشدائد، لينقلب األمر عليكم،وتذهب غلبتكم عليه، فيتخلص من اإلنفاق.

م ولعmنوا mيهmمغلولة غلت أيد mاليهود يد الله mاعتراض﴿وقالت ﴾ .بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون، من قبيل: mوء م دآئmرة الس mعليه﴾ أو﴿

باإلخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم. والدائرة في األصل مصدر، أو اسم فاعل من: دار يدور. وسمي به عقبة الزمان. والسوء بالفتح مصدر أضيف

إليه للمبالغة، كقولك: رجل صدق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: السوء، هنايعوفي الفتح بضم السين، وهو العذاب. mلما يقولون عند"والله سم "

بما يضمرون. قيل: هم أعراب أسد وغطفان وتميم. ثم"علmيم" اإلنفاق ن األعرابmبين سبحانه من األعراب المؤمنين المخلصين، فقال: mوم﴿

ق قربات mذ ما ينف mويتخ mر mاآلخ mواليوم mاللهmن ب mسبب﴾من يؤم ند الله" "يتخذقربات. وهي ثاني مفعولي mصفتها، أو ظرف ل "ع "

سولm ""يتخذ" " وسبب صلواته، ألنه كان يدعو للمتصدقينوصلواتm الر بالخير والبركة ويستغفر لهم، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم صل

mنها قربة لهمعلى آل أبي أوفى، لما أتاه أبو أوفى بصدقته. " "أال إ تقربهم إلى ثواب الله. وهذا شهادة من الله تعالى بصحة معتقدهم،

المحققة"إن"وتصديق لرجائهم على االستئناف، مع حرف التنبيه، و لهم الله﴿للنسبة، والضمير لنفقتهم. وقرأ ورش: قربة بضم الراء. mسيدخ

mهmي رحمتmوعد لهم بإحاطة الرحمة عليهم. والسين لتحقيقه. وقوله:ف ﴾ يم mح ﴾إmن الله غفور ر لتقريره. وهذه اآلية في عبد الله ذي البجادين﴿

.1ورهطه

.155- 154، ص 3زبدة التفاسير، فتح الله الكاشاني، ج 1

249

قيمة العالقة بالصادقين: بعد أن بينت اآليات القرآنية الشريفة أوصاف الصادقين بشكل ال يقبل

اللبس طلبت من المؤمنين والمتقين الكون معهم أي الكون مع الصادقين عندما تتوفر في الناس مواصفات خاصة تنسجم مع الذين صدقوا، فقال

ينتعالى: mقmاد .1﴾﴿يا أيها الذmين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصواآلية تدل على عدة أمور:

- المتقون هم طائفة غير طائفة الصادقين ألن الله أمر المتقين أن1يكونوا مع الصادقين.

" يدلل على أن المتقين ال يمكنهم أن يكونوا منمع" - إن استخدام لفظ2 الصادقين وفي عرض واحد معهم بل ينبغي على المتقين االلتحاق

بالصادقين.

- معنى أن يكون المتقي مع الصادقين هي المعية االقتدائية أي أن يكون3تابع لهم في أقوالهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم.

.119سورة التوبة، اآلية 1

250

- الطلب من المتقين أن يلتحقوا بالصادقين ويكونوا معهم يعني أن4.1الصادقين هم األصل الذي يجب االلتحاق واالقتداء بهم

تأمالت حول اآلية الكريمة: - روي في األخبار المتواترة أن المراد بالصادقين هم األئمة المعصومون

عليهم السالم.

- في الكافي، عن عجالن أبي صالح، قال: قلت ألبي عبد الله عليه السالم:mله إmال الله وأنأوقفني على حدود اإليمان، فقال: "شهادة أن ال إ

ندm الله وصلوات mن ع mه مmما جاء بmمحمدا رسول الله واإلقرار ب ج البيتm ووالية mرمضان وح mوصوم شهر mكاة الخمسm وأداء الز

ين mقmاد نا والدخول مع الص . ولعل المراد2"ولmينا وعداوة عدو بالدخول مع الصادقين متابعة أهل بيت العصمة والطهارة في أقوالهم

يا أيها الذmين آمنوا اتقوا الله﴿وأفعالهم وهو ناظر إلى قوله سبحانه ين mقmاد ﴾. وكونوا مع الص

- معنى الصادقين ليس المراد بالصادقين الصادقين في الجملة إذ ما من أحد إال وهو صادق في الجملة حتى الكافر، والله سبحانه ال يأمر بالكون معه بل المراد بهم الصادقون في أيمانهم وعهودهم وقصودهم وأقوالهم

وأخبارهم وأعمالهم وشرايعهم في جميع أحوالهم وأزمانهم وهم األئمة المعصومون من العترة الطاهرة ألن كل من سواهم ال يخلو عن الكذب

. 3في الجملة

- إن المأمورين باتباع الصادقين هم بعض األمة بمعنى من توفرت فيهم صفات اإليمان والتقوى فللتقوى دور مهم وأساس في الكون مع الصادقين

قد ثبت أن المنادي به غيريقول الشيخ المفيد قدس سره: "المنادي إليه، وأن

.184- 171ينظر: في ظالل العقيدة واألخالق، كمال الحيدري، مناهج بحث اإلمامة، ص 1.18، ص 2، باب دعائم اإلسالم، ح2الكافي، الكليني، ج 2.263، ص 5شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني، ج 3

251

المأمور باالتباع غير المدعو إلى اتباعه. فدل ذلك على أن المأمورين باتباع الصادقين ليسوا هم األمة بأجمعها، وإنما هم طوائف منها، وأن المأمور باتباعه غير المأمور باالتباع، وال بد

من تمييز الفريقين بالنص، وإال وقع االلتباس وكان فيه تكليف ما ال يطاق. فلما بحثنا عن المأمور باتباعه، وجدنا القرآن

ثم استعرض اآليات التي أشرنا إليها الدالة على من هم الصادقون.1"داال

اتباع الصادقين وبناء المجتمع الفاضل: "الدخول مع الصادقين"مر في الرواية السابقة أن من حدود اإليمان

والدخول مع الصادقين يكون حسب تعبير اإلمام الصادق عليه السالم د بن يحيى عن أحمدبطاعتهم المطلقة وفي بعض الروايات: "محم

ضا عليه د عنm ابنm أبmي نصر عن أبmي الحسنm الر بنm محمين﴿" قال: سألته عن قول الله عز وجل السالم mقmاد ﴾وكونوا مع الص

. أي بطاعة األئمة2قال: الصادقون هم األئمة والصديقون بطاعتهم والصديق الذي يصدق قوله بالعمل، واألمر بالكون معهم باعتبار أنهم مع

األئمة.

واآلية اشترطت بشكل واضح التقوى كمقدمة إلزامية للكون مع الصادقين، فالصديقون ال بد أن تتوفر فيه صفات خاصة تجمعها صفة

التقوى، فللتقوى دور أساس في الكون مع الصادقين. وقد ثبت من خالل اآليات والروايات أن المراد بالصادقين هم أهل البيت عليهم السالم. وإذا

راجعنا كل المقاطع المتقدمة لسورة الحجرات سنصل إلى النتيجة التالية: إن الوصول إلى المجتمع الفاضل الذي أرادت سورة الحجرات بناءه،

طريقه الوحيد والحصري هو الكون مع الصادقين.

.157تفسير القرآن المجيد، الشيخ المفيد، ص 1 من الكون مع ، باب ما فرض الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم1الكافي، الكليني، ج 2

.208، ص 2األئمة عليهم السالم، ح

252

للمطالعة

نداءات سورة الحجرات للمؤمنين سورة الحجرات وجهت خمس نداءات للمؤمنين وبعد كل نداء بينت

مجموعة من اآلداب وبينت أيضا أن االلتزام بهذه اآلداب من شأن المتقين والهدف من االلتزام بهذه اآلداب هو الوصول إلى حقيقة اإليمان، ثم بينت

أن الذين جسدوا حقيقة اإليمان هم الصادقون، وإذا ضممنا هذه النتيجة إلى اآلية مورد البحث والتي قالت بأن المتقي ال بد أن يكون مع

الصادقين، فالوصول إلى كل تلك األمور المتقدمة متوقف على التمسك بالصادقين، فلكي نصل إلى مجتمع تحقق فيه العدالة االجتماعية وتحكمه

األخالق اإليمانية ويسوده الوئام والوفاق بين أفراده بأن يصبح أفراده متوافقون مع أنفسهم في العقيدة والقول والعمل وال يكونوا كالمنافقين

واألعراب الذين ال تتوافق ظواهرهم مع بواطنهم، للوصول إلى كل ذلك الك بفكر ونهج وأخالق الصادقين وهم من استوت ظواهرهم بد من التمس

وبواطنهم.أي من صدق قوله فعله وصدق فعله قوله وصدق اعتقاده فعله في كل األحوال وعلى حد سواء. ولتوضيح ذلك نبينه من خالل آيات

السورة: يا أيها الذmين آمنوا ال تقدموا بين يديm اللهm ورسولmهm﴿النداء األول:

يع علmيم mن الله سمmواتقوا الله إ .﴾

يا أيها الذmين آمنوا ال ترفعوا ... وال تجهروا ... إmن﴿النداء الثاني: ون أصواتهم ... .  الذmين يغض ﴾امتحن الله قلوبهم لmلتقوى

ق بmنبأ... حبب﴿النداء الثالث: mن جاءكم فاسmين آمنوا إmيا أيها الذ mليكم الكفر والفسوق ه إ mليكم اإلmيمان وزينه فmي قلوبmكم وكر إ

. نmين اقتتلوا فأصلmحوا... ﴾والعmصيان mن المؤم mم mفتانmن طائmوإ﴿ . نون إmخوة فأصلmحوا بين أخويكم واتقوا الله mنما المؤمm ﴾إ

زوا أنفسكم يا أيها الذmين آمنوا ال يسخر﴿النداء الرابع: mوال تلم .. mاأللقابmوال تنابزوا ب.﴾

253

ن الظن ...﴿النداء الخامس: يا أيها الذmين آمنوا اجتنmبوا كثmيرا مسوا وال يغتب .وال تجس .. ﴾

ند اللهm أتقاكممالك التفاضل mن أكرمكم عmإ ..:﴿.﴾

نون الذmين آمنوا بmاللهm ورسولmهm ثم﴿بيان حقيقة اإليمان: mنما المؤمm إم فmي سبmيلm اللهm أولئmك mه mم وأنفس mهmأموالmلم يرتابوا وجاهدوا ب

. ادmقون ﴾هم الص

إن تحقيق المجتمع الفاضل الذي دعت إليه سورة الحجراتالنتيجة:يكون باتباع الصادقين وهذا االتباع ال يتحقق اال من خالل التقوى.

254

الدرس الثالث عشر: مظلة األسوار علم الله تعالى

مفاهيم محورية:- اإليمان أعظم منة إلهية.- الله تعالى بصير بعباده.

- اسم الله البصير وعالقته ببصيرة المؤمن.- البصير في اللغة واالصطالح.

255

256

النص القرآني قل أتعلمون الله بmدmينmكم والله يعلم ما فmي﴿قال الله تعالى:

ماواتm وما فmي األرضm والله بmكل شيء علmيم * يمنون عليك الس أن أسلموا قل ال تمنوا علي إmسالمكم بلm الله يمن عليكم أن

mماوات ين * إmن الله يعلم غيب الس mقmن كنتم صادmإ mيمانmإلmهداكم ل ير بmما تعملون mوالله بص mواألرض.﴾

تمهيد إنه من العجيب بالفعل أن يمن اآلخذ على المعطي، والتلميذ على األستاذ، ويطلب المريض الجزاء من الطبيب الذي طببه لمرضه، وشفاه من علته!!

ولكن قاتل الله الجهل هكذا يفعل بأهله. والله تعالى في القرآن ذكرهم بأن عائدة هذا اإليمان وثمراته راجعة إليهم، ألنهم خرجوا بهذا اإليمان من

الضالل إلى الهدى، ومن الظالم إلى النور، ومن البالء والهالك والعذاب األليم في اآلخرة، إلى العافية، والسالم، و.. وتلك نعمة أو نعم ال يقدر أن

إmذ كنتم أعداء فألف بين﴿يقوم بشكرها إنسان. وهو قوله تعالى: ن mخوانا وكنتم على شفا حفرة م قلوبmكم فأصبحتم بmنmعمتmهm إنها كذلmك يبين الله لكم آياتmهm لعلكم تهتدون .1﴾النارm فأنقذكم م

﴾ أي: بإسالمكم. فنصب بنزع الخافض، أوقل ال تمنوا علي إmسالمكم﴿تضمين

.103سورة آل عمران، اآلية 1

257

﴾بلm الله يمن عليكم أن هداكم لmإلmيمانmالفعل معنى االعتداد. بل﴿ الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم لإليمان على ما زعمتم،

﴾إmن كنتم صادmقmينوادعيتم أنكم أرشدتم إليه ووفقتم له في ادعاء﴿ اإليمان، إال أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخالفه. وجواب الشرط

ه المنة عليكم. محذوف يدل عليه ما قبله، أي: فلل

شرح مفردات اآلية : هو الحضور واإلحاطة على شيء، واإلحاطة يختلف باختالف القوىيعلم

والحدود، ففي كل بحسبه. وإن كان العلم مقارنا بالتمييز وإدراك الخصوصيات: فمعرفة. وإذا وصل العلم إلى حد الطمأنينة والسكون:

.1فيقين

: هو ورود النعمة المعينة المقطوعة المخصوصة. وبهذه المناسبةيمنون تطلق على معنى القطع. قال في الفروق: الفرق بين النعمة والمنة: أن المنة هي النعمة المقطوعة من جوانبها كأنها قطعة منها. ثم إن المن له

مراتب: األول - من فعلي خارجي كما في قولنا - مننت عليه به: أي أنعمت عليه بشيء مخصوص مقطوع بارز. الثاني - إظهار من وإبرازه

ال تبطmلوا صدقاتmكم بmالمن﴿وادعاء أنه يمن عليه كما في قوله تعالى: أي بإبراز المن وإظهاره والقول بأنه من عليه أو منعم عليه2﴾واألذى

﴿يمنون عليك أن أسلمواباعتبار إنعامه السابق. وكما في قوله تعالى أي﴾قل ال تمنوا علي إmسالمكم بلm الله يمن عليكم أن هداكم

ينعمون عليك بإسالمهم أو يظهرون اإلنعام بإسالمهم عليك. وكما في قولهقون أموالهم فmي سبmيلm اللهm ثم ال يتبmعون ما﴿تعالى: mين ينفmالذ

أي ال يأتون بعد اإلنفاق بمن وإظهار إنعام وإعادته3﴾أنفقوا منا وال أذى .4قوال

ن من الوصول إلى الشيء، أيهداكم : هدى هو بيان طريق الرشد والتمك

0209، ص 8التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، علم، ج 1 .264سورة البقرة، اآلية 2.262سورة البقرة، اآلية 3.183، ص11التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، علم، ج 4 

258

داللة إليه. فالهداية يقابله الضاللة. والرشاد يقابله الغي وهو الداللة إلى. 1الشر والفساد، كما أن الرشاد هو االهتداء إلى الخير والصالح

غيب: يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس، من ذلك الغيب: ما غاب مما ال يعلمه إال الله. والغيبة: الوقيعة في الناس من هذا، ألنها ال تقال

هادةm﴿. والله تعالى: ال غيب عنده فهو 2اال في غيبة .3﴾عالmم الغيبm والش

بصير: بصر هو العلم بنظر العين أو بنظر القلب. وإذا أطلق بصير على.4الله تعالى معناه أنه ناظر وعالم ال يخفى عليه شيء

المعنى التفصيلي ﴾: إن اإلنسان إذا عرف مدى سعة علم اللهقل أتعلمون الله بmدmينmكم﴿

به وصار عنده نوع من الرقابة الذاتية والتي هي األساس في عز وجل تهي حركة اإلنسان تجاه الله تعالى. فالله تعالى هو الخالق والرازق والعالم

الذي يعلم غيب السموات واألرض وهو الذي خلقني ولم أكن شيئا مذكورا وهو الذي من علي بنعمة اإلمداد، وبنعمة الهدى، واإليمان، وبكل شيء فهو يعلم إذا كنت مسلما أم مؤمنا أم محسنا، يعرف مستوى إيماني وإسالمي

ير بmما﴿وإحساني. mوالله بص mواألرض mماوات إmن الله يعلم غيب الس﴾.تعملون

إن اإلنسان إذا تحقق هذا العلم في قلبه وشعر بوجود الله وعلمه في كل شيء وأن الله بصير به، سيتحول هذا العلم إلى دافعية للعمل ويبدأ بقطف

ثمار اإليمان الحقيقي وعند ذلك سيشعر بعظيم المنة اإللهية والمنحة الربانية ويزداد شكرا أمام عظمة المنة اإللهية، فالمؤمن كلما ازداد توفيقا

ازداد شكرا لله تعالى ال أنه يمن على الله بعمله، أما من لم يصل إلىمرتبة اإليمان

 .249، ص 11التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، هدى، ج 1.403، ص 4معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا )ابن فارس(، غيب، ج 2.73سورة األنعام، اآلية 3.281، ص 1التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، بصر، ج 4

259

فإنه من جهله وغروره سيمن على الله كما تصور لنا اآلية سواء كانت تستهدف المناقفين أم األعراب أم المسلمين ال فرق من هذه الجهة ألن

الكل لم يصل إلى مرتبة اإليمان.

وبعد أن ركزت اآلية علم الله تعالى وإحاطته بكل شيء والذي وصفته بعض اآليات بأنه أقرب إليكم من حبل الوريد، ويحول بين المرء وقلبه،

فمع هذه الحال ال حاجة الدعائكم، وهو يعرف الصادقين من الكاذبين ومطلع على أعماق أنفسهم حتى درجات إيمانهم المتفاوتة ضعفا وقوة،

وقد تنطلي عليهم أنفسهم، إال أنه يعرفها بجالء، فعالم تصرون أن تعلمواالله بدينكم.

والله يعلم ما﴿وبصياغة علمية اآلية تقول: كيف تعلمون الله بدينكم؟ ماواتm وما فmي األرضm والله بmكل شيء علmيم ال يخفى﴾فmي الس

ها عليه خافية. وفيه تجهيل لهم، ألنه العالم بالذات، فيعلم المعلومات كلمه، كما أنه كان قديما موجودا في األزل بنفسه، فال يحتاج إلى معلم يعل

بالذات، واستغنى عن موجد أوجده.

ثم يعود القرآن لكلمات األعراب من أهل البادية الذين يمنون على النبي بأنهم أسلموا وأنهم أذعنوا لدينه في الوقت الذي حاربته القبائل العربية

األخرى.

يمنون عليك أن أسلموا قل ال تمنوا علي إmسالمكم بلm الله﴿ين mقmن كنتم صادmإ mيمانmإلmالمن: هو القطعيمن عليكم أن هداكم ل :﴾

﴾ أي﴿فلهم أجر غير ممنونبإيصال النفع الموجب للحق، ومنه قوله غير مقطوع، ومنه قولهم: المنة تكدر الصنيعة وقيل: إذا كفرت النعمة

.1حسنت المنة

﴾ يعدون إسالمهم عليك منة. وهي: النعمةيمنون عليك أن أسلموا﴿ها إليه. من المن بمعنى القطع، ألنه إنما التي ال يستثيب مسديها ممن يزل

يسديها إليه ليقطع بها حاجته ال غير، من غير أن يعمد لطلب مثوبة. ثميقال: من عليه صنعه، إذا اعتده عليه منة وإنعاما.

.355، ص 9التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج 1

260

ويمكن تعريف المن باختصار: اإلدالل باإلحسان على من أحسن إليه.. وهو مما يذهب بثواب اإلحسان، ويفسد مغارسه.. والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ قون أموالهم فmي سبmيلm اللهm ثم ال يتبmعون ما أنفقوا mين ينفmالذ م وال هم mم وال خوف عليه mند ربه mمنا وال أذى لهم أجرهم ع رة خير من صدقة يتبعهآ أذى mعروف ومغف .1﴾يحزنون * قول م

ير بmما تعملون﴿ mوالله بص mواألرض mماوات :﴾إmن الله يعلم غيب الس في سركم وعالنيتكم، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم؟ وفي هذه اآلية بيان لكونهم غير صادقين في دعواهم. وتوضيح المعنى: أنه عز وجل يعلم

كل مستتر في العالم، ويبصر كل عمل تعملونه في سركم وعالنيتكم، ال يخفى عليه منه شيء، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم، وال يظهر على

.2صدقكم وكذبكم؟ وذلك أن حاله مع كل معلوم واحدة ال تختلف

أي يمنون عليك بأن أسلموا وقد أخطأوا في منهم هذا من وجهين، أحدهما: أن حقيقة النعمة التي فيها المن هو اإليمان الذي هو مفتاح

سعادة الدنيا واآلخرة دون اإلسالم الذي له فوائد صورية من حقن الدماء أن ليس للنبي صلى الله عليه وآلهوثانيهما:وجواز المناكح والمواريث،

وسلم من أمر الدين إال أنه رسول مأمور بالتبليغ فال من عليه ألحد ممن أسلم. فلو كان هناك من لكان لهم على الله سبحانه ألن الدين دينه لكن ال من ألحد على الله ألن المنتفع بالدين في الدنيا واآلخرة هم المؤمنون دون

.3الله الغني على اإلطالق فالمن لله عليهم أن هداهم له

ير بmما تعملون﴿ mوالله بص mواألرض mماوات ﴾:إmن الله يعلم غيب السهو تأكيد يعلل

.263- 262سورة البقرة، اآليتان 1.438، ص 6زبدة التفاسير، فتح الله الكاشاني، ج 2.330، ص 18تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج  3

261

ويؤكد به جميع ما تقدم في السورة من النواهي واألوامر وما بين فيها من الحقائق وما أخبر فيها عن إيمان قوم وعدم إيمان آخرين فاآلية تعلل

.1بمضمونها جميع ذلك

اإليمان أعظم منة إلهية: اإليمان نعمة كبرى ال تساويها نعمة، وحين يزكي اإلنسان نفسه ويروضها بالتقوى، ويسعى لرؤية الحقائق، حينئذ يتجلى الله لقلبه، فيرى الله بنور اإليمان ويرى بنور الله كل شيء. اإليمان هو كبرى المنن التي ينعم بها

الله على عبد من عباده في األرض. إنه أكبر من منة الوجود الذي يمنحه الله ابتداء لهذا العبد, وسائر ما يتعلق بالوجود من آالء الرزق والصحة

والحياة والمتاع.

وأول ما يصنعه اإليمان في الكائن البشري، حين تستقر حقيقته في قلبه، هو سعة تصوره لهذا الوجود، والرتباطاته هو به، ولدوره هو فيه, وصحة

تصوره للقيم واألشياء واألشخاص واألحداث من حوله, وطمأنينته في رحلته على هذا الكوكب األرضي حتى يلقى الله، وأنسه بكل ما في الوجود

حوله، وأنسه بالله خالقه وخالق هذا الوجود, وشعوره بقيمته وكرامته, وإحساسه بأنه يملك أن يقوم بدور مرموق يرضى عنه الله، ويحقق الخير

لهذا الوجود كله بكل ما فيه وكل من فيه.

فمن سعة تصوره أن يخرج من نطاق ذاته المحدودة في الزمان والمكان، الصغيرة الكيان، الضئيلة القوة. إلى محيط هذا الوجود كله، بما فيه من قوى مذخورة، وأسرار مكنونة, وانطالق ال تقف دونه حدود وال قيود في

نهاية المطاف.

فالمؤمن يعرف - بقلب مطمئن، وضمير مستريح، وروح مستبشرة- أنه يلبس ثوب العمر بقدر الله الذي يصرف الوجود كله تصريف الحكيم

الخيبر. وأن اليد التي ألبسته إياه أحكم منه وأرحم به، فال ضرورةالستشارته ألنه لم يكن ليشير كما

.331)م.ن(، ص 1

262

يشير صاحب هذه اليد العليم البصير. وأنه يلبسه ألداء دور معين في هذا الكون، يتأثر بكل ما فيه، ويؤثر في كل ما فيه. وأن هذا الدور يتناسق مع

جميع األدوار التي يقوم بها كل كائن من األشياء واألحياء منذ البدء حتىالمصير.

ذلك سر قوة العقيدة في النفس، وسر قوة النفس بالعقيدة. سر تلك الخوارق التي صنعتها العقيدة في األرض وما تزال في كل يوم تصنعها.

الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم، وتدفع بالفرد وتدفع بالجماعة إلى التضحية بالعمر الفاني المحدود في سبيل الحياة الكبرى

التي ال تفنى, وتقف بالفرد القليل الضئيل أمام قوى السلطان وقوى المال وقوى الحديد والنار، فإذا هي كلها تنهزم أمام العقيدة الدافعة في روح

فرد مؤمن.

تلك الخوارق التي تأتي بها العقيدة الدينية في حياة األفراد وفي حياة الجماعات ال تقوم على خرافة غامضة، وال تعتمد على التهاويل والرؤى.

إنها تقوم على أسباب مدركة وعلى قواعد ثابتة. إن العقيدة الدينية فكرة كلية تربط اإلنسان بقوى الكون الظاهرة والخفية، وتثبت روحه بالثقة

والطمأنينة، وتمنحه القدرة على مواجهة القوى الزائلة واألوضاع الباطلة، بقوة اليقين في النصر، وقوة الثقة في الله. وهي تفسر للفرد عالقاته بما

حوله من الناس واألحداث واألشياء، وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه، وتجمع طاقاته وقواه كلها، وتدفعها في اتجاه واحد. ومن هنا كذلك قوتها. قوة تجميع القوى والطاقات حول محور واحد، وتوجيهها في اتجاه واحد،

.1تمضي إليه مستنيرة الهدف، في قوة، في ثقة، وفي يقين

وهذه القوة اإليمانية هي التي دفعت زهير بن القين رضوان الله عليه أن يقول لإلمام الحسين عليه السالم فقال: قد سمعنا - هداك الله يا بن

رسول الله - مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، آلثرناالنهوض معك على اإلقامة فيها. ومثله هالل بن

.3353، 6في ظالل القرآن، ج 1

263

نافع البجلي رضوان الله عليه، فقال: والله ما كرهنا لقاء ربنا، وإنا على نياتنا وبصائرنا، نوالي من واالك ونعادي من عاداك. وقال برير بن خضير رضوان الله عليه: والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل

بين يديك فيقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامةوغيرهما من عظماء واقعة الطف.

بحث حول اآليةالله بصير بعباده:

ير بmما تعملون﴿ختمت سورة الحجرات بقوله تعالى: mونحنوالله بص ﴾ نختم األبحاث حول هذه السورة المباركة باسم الله تعالى البصير وعالقته

بسلوكيات المؤمن، وقد قلنا فيما سبق أن علم الله تعالى هو مظلة أسوار األمان التي تحدثنا عنها في تفسير السورة ولذا كان من المناسب تسليط

الضوء على هذا البحث ولو بشكل مختصر.

كثيرة هي اآليات التي تحدثت عن علم الله تعالى وإحاطته المطلقة بالموجودات وأنه ال يخفى عليه شيء، وإلى غير ذلك من التعابير التي

هو الله﴿سنقف على بعضها من خالل اآليات التالية: قال الله تعالى: يم mح حمن الر هادةm هو الر mله إmال هو عالmم الغيبm والش .1﴾الذmي ال إ

قل إmن تخفوا ما فmي صدورmكم أو تبدوه يعلمه﴿وقال الله تعالى: ماواتm وما فmي األرضm والله على كل الله ويعلم ما فmي الس

.2﴾شيء قدmير

الله تبارك وتعالى هو العليم بكل شيء، الذي يعلم بكل شيء في السموات واألرض، وفي الدنيا واآلخرة، وفي الظاهر والباطن وهو سبحانه

العالم بكل شيء في السموات واألرض من األشياء واألشخاص، والنيات واألعمال، والخواطر والحركات وهو سبحانه العليم الخبير، الذي ال يخفى

عليه شيء في األرض وال في السماء، يعلم

.22سورة الحشر، اآلية   1.29سورة آل عمران، اآلية   2

264

مثاقيل الجبال.. ومكاييل البحار.. وعدد قطر األمطار.. وعدد ذرات الرمال.. وعدد ورق األشجار.. وما أظلم عليه الليل.. وما أشرق عليه

النهار. ال تواري منه سماء سماء، وال أرض أرضا، وال جبل ما في وعره..وال بحر ما في قعره.

وهو سبحانه اللطيف الخبير الذي يعلم القليل والكثير، ويعلم الصغيرثقال حبة من﴿والكبير، ويعلم القريب والبعيد mن تك مmنها إm يا بني إ

mيأت mي األرضmأو ف mماوات خردل فتكن فmي صخرة أو فmي الس.1﴾بmها الله إmن الله لطmيف خبmير

فسبحان اللطيف الخبير، المطلع على البواطن واألسرار، الذي يعلم خفاياالقفار والبحار والجبال والظالم.

والله جل جالله عالم الغيوب، وعلمه محيط بكل شيء، ال يند عنه شيء في الزمان وال في المكان، في األرض وال في السماء، في الليل وال في

النهار.

يعلم ما في البر والبحر، وما في جوف األرض، وما في طباق الجو، من حي وميت، ورطب ويابس، يعلم ذلك ويراه، في الليل أو النهار، في النور

يم﴿أو الظالم: mح هادةm العزmيز الر .2﴾ذلmك عالmم الغيبm والش

وهو سبحانه الذي يعلم أستار الغيوب المختومة في العالم العلوي وفي العالم السفلي، ويعلم مجاهل البر الواسعة، وغيابات البحر العميقة، ويعلم

عدد األوراق الساقطة من أشجار األرض، وكل حبة مخبوءة في ظلمات األرض، وكل رطب ويابس في هذا الكون العظيم، ال يند منه شيء عن

علم الله المحيط بكل شيء.

اسم الله البصير وعالقته ببصيرة المؤمن: البصير كما هو معروف من أسماء الله الحسنى وهذه األسماء المطلوب

أوال معرفة معانيها، وثانيا معرفة كيفية تجلياتها في قلوب المؤمنينالموحدين المخلصين.

 .16سورة لقمان، اآلية 1.6سورة السجدة، اآلية 2

265

" ورد في أكثر من"البصيرإذا راجعنا آيات القرآن الكريم فنجد أن اسم خمسين آية، ورد معرفا بأل وورد منونا، ورد مقترنا باسم السميع والخبير،

" معرفا قولهالبصيروورد غير مقترن، فمن اآليات التي ورد فيها اسم " سبحان الذmي أسرى بmعبدmهm ليال من﴿تعالى في مطلع سورة اإلسراء:

دm األقصى الذmي باركنا حوله لmنرmيه mلى المسجmإ mالحرام mد mالمسج ير mيع البص mم mنه هو الس ن آياتmنا إ m1﴾م.

ي مmن﴿وورد هذا االسم أيضا منونا في قوله تعالى: mالله يصطف ير mيع بص mن الله سمmإ mن الناس mرسال وم mكةmوقد ورد في2﴾المالئ .

ير﴿القرآن الكريم آيات كثيرة تصف الله تعالى بأنه mما تعملون بصmأو3﴾ب ير بmما يعملون﴿ mير﴿ وتصفه أيضا بقولها 4﴾والله بص mوالله بص

mبادmالعmير﴿، 5﴾ب mير بصmلخب mهmبادmعmن الله بmإلى غيرها من التعابير6﴾إ القرآنية.

البصير في اللغة واالصطالح: البصير على وزن فعيل وهو من أبنية وصيغ المبالغة والتي تعني المبالغة

في النوع وفي الكم، فإذا قلنا الله تعالى بصير يعني يبصر في كل االتجاهات، يبصر كل األشياء، يبصر كل األنواع، وال يمكن حد هذه الصفة

في حقه تعالى فهو بصير ويبصر كل شيء على اإلطالق هذا من جهة. ومن جهة أخرى قد قلنا فيما سبق أن البصر ال يمكنه رؤية األشياء من

دون االستعانة بوسائل إرشادية أخرى، صحيح أننا نرى األشياء الخارجية بواسطة البصر، ولكن من دون أن يتوسط النور بين البصر والشيء

المبصر ال تحقق الرؤية ويستوي في غرفة مظلمة البصير وغير البصير)الكفيف(، اذا ال بد من نور

.1سورة اإلسراء، اآلية 1.75سورة الحج، اآلية   2 وغيرها.237 - 233 - 110سورة البقرة، اآليات 3.96سورة البقرة، اآلية 4 غيرها.20 - 15سورة آل عمران، اآليتان 5.31سورة فاطر، اآلية 6

266

يتوسط بين العين وبين المرئيات كنور الكهرباء أو نور الشمس.

وما نريد قوله أن عقل اإلنسان مهما وصل إلى درجات عالية من الكمال والذكاء والفطنة وكذلك قلبه الذي يبصر به الموجودات الباطنية والالمرئية ال يتمكن من االهتداء والوصول إلى الغايات المنشودة منه إال بواسطة نور الوحي، فنور الوحي المتمثل بنور المعصوم عليه السالم هو الواسطة بينه

وبين عقله وقلبه. فاإلنسان من دون نور النبي األعظم صلى الله عليه وآله وسلم ونور اإلمام المعصوم عليه السالم ونور القرآن الكريم هو أعمى وال يهتدي إلى سواء السبيل فهذه األنوار هي التي تحقق له الهداية والوصول

ياإلى مقصده الذي خلق من أجله فال بصيرة بال نور الشريعة قال تعالى: ﴿ نوا بmرسولmهm يؤتmكم كmفلينm مmن mين آمنوا اتقوا الله وآمmأيها الذ ر لكم والله غفور mويغف mهmويجعل لكم نورا تمشون ب mهmحمت ر

يم mح .1﴾ر

البصير: هو الذي يعلم بما ينظر له، أو يبصر ما يبصر وما ال يبصر لنا، ويطلق على من يعلم بما يصلحه أو ألشياء معينه أو عامة وما تحتاجه خلقا

وتكامال وهدى.

والله تعالى هو البصير: ألنه تعالى محيط بكل األشياء ما يبصر وما ال يرى، وهو الخالق والممد للكائنات بالشكل والصورة وما تتحرك به وتنتقل،

سواء ال نبصره بوضوح لكبره كالكون والمجرات وما يبعد عنا، أو لصغره كالذرة وأجزائها ولطيف الخلق، أو نبصره علما كصور خيالنا وأوهامنا

ونياتنا أو مشاهدة حين ينتقل لنا، فهو بصير بها قبل وحين وبعد وجودها، وبأي صورة وحال وزمان ومكان كانت، وألي موجود كان صغر أو كبر

شكله، لطف أو عظم حجمه، ثقل أو خف وزنه، وهو بصير بها وبماتستحقه من نور أسمائه الحسنى حسب شأنها عطاء أو منعا.

ومن تجلى عليه البصير بالتجلي الخاص: يقوى بصره، بل يجعل بصره الفكري والعقلي حديد، ويكون على بصيرة من أمره وأمر دينه وهداه، بل يجعله معلما له ودليال عليه، ويرى الله متجليا في كل شيء عظمة وقدرة

وعلما، قد أتقن صنعه،

.28سورة الحديد،اآلية   1

267

وأنه خلقه ليسير لغاية حقة ونهاية نورانية منعمة ماجدة، وهو كما خص بهاألنبياء وبالخصوص نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

وكل من أبصر في دين الله بحق: كان بصيرا بهداه إلى الصراط المستقيم، وهذا المهم في معنى البصير، كما أن البصر لألشياء له أهمية

للمعرفة العلمية باألشياء، لكن الجزاء والثواب على البصيرة بالهدى الحق والعمل به وهذا ما خص به أولياءه. عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد

"إmحاطة الوهمm أالالله عليه السالم في قوله "ال تدركه األبصار" قال بكم قد جاءكم بصآئmر مmن ر ﴾ترى إmلى قولmه: ليس يعنmي بصر1﴿

ن البصرm بmعينmه: mي مmليس يعن mه mنفسmفمن أبصر فل : mالعيون﴾ ﴿ mنما عنى إmحاطة ي فعليها ليس يعنmي عمى العيونm إ mومن عم﴾ ﴿

قه وفالن mالفmير ب mوفالن بص mعر ير بmالش mكما يقال فالن بص mالوهم ن أن يرى mالله أعظم م mالثيابmير ب mوفالن بص mمmالدراهmير ب mبص

" mالعينm2ب.

والبصير فهو إن جاء مفردا كان لرؤية أعمال الخلق ليثيب ويجازي المحسن والعمل الصالح وغيره، وإن جاء مع السميع أو غيره فهو أوسع

في بيان عظمة الله تعالى.

والمؤمن: بصيرا ومستبصرا ومذعنا بعظمة الله سبحانه البصير به وبكل شيء، وهو يقر له تسليما وإيمانا، وتهفو روحه للتوجه لعظمة الله حبا

ويقينا، ويسكن له قلبه تسليما واطمئنانا، وهو على بصيرة من أمره في دينه وما يجب عليه ليتقرب لنور رحمة الله وثوابه الجزيل، ولذا تراه ال

يبصر إال للحق ليعمل به ويذعن له، ويغض بصره عن الباطل وال ينظر به إال لنقضه أو لهدمه إن استوجب ذلك، ويغض بصره عن الحرام وال ينظر

نظرا مريبا المرأة أو مال ال حق له به وال حاسدا ولئيما

.104سورة األنعام، اآلية 1.48، باب في إبطال الرؤية، ص 1الكافي، الكليني، ج 2

268

لمؤمن ليخيفه، بل ينظر في كل عبادة تقربه لله كالنظر في المصحف ولنبينا وألئمة الحق ومعلمه ولألب ولألم ولالبن ولإلخوان وللزوجة

ولألصدقاء المؤمنين، ولكل ما يوصل لإليمان بالله تعالى ويقرب إليه، وينظر لألشياء للعبرة ولالتعاظ بها ولداللتها على عظمة الله، وفي العلم

ليكون بصير بدينه عالما وعامال به، وعن يقين وبصيرة وهدى ال ضالل فيه، وللعلم المادي ليساعده في الطاعة وللكسب الحالل الذي هو أهم أجزاء

العبادة.

الدروس المستفادة من اآلية - إن الهداية إلى اإليمان واإلسالم وقبولهما هي نعمة إلهية كبرى وهي1

.منة من الله تعالى على عباده ﴾بلm الله يمن ﴿

- إن الله تعالى غني مطلق فهو غير محتاج أو منتفع بإسالمكم وإيمانكم2﴾.﴿ال تمنوا علي

- إن عالمة صدق اإليمان هو االعتقاد بأن الله تعالى يمن على عباده3وا... بل الله يمن... إن كنتم ويتفضل عليهم ال أنهم هم يمنون عليه. ال تمن

صادقين.

ون4 - إن المنة على رسول الله هي في الحقيقة منة على الله تعالى. يمنعليك... بل الله يمن...

- إن المقصد األساس لتكامل اإلنسان هو وصوله إلى حقيقة اإليمان.5﴿mيمانmإلmهداكم ل.﴾

6 - إن كل األشياء في السموات واألرض حاضرة ومنكشفة انكشافا مطلقاماواتm واألرضm واللهلدى الله تعالى. ﴿إmن الله يعلم غيب الس

. ير بmما تعملون mبص﴾

269

للمطالعة

البصير والبصيرة - على المؤمن أن يستحضر دائما أن الله تعالى بصير بعباده أي أن الله1

تعالى يراه ومطلع على باطن أعماله، وعليه أن يقوم بتربية نفسه وأبنائهعلى مراقبة الله له، وهذا يستدعي منه مراقبته ومحاسبته لنفسه.

- على المؤمن أن يطلب من الله البصير في دعائه أن يبصره عيوب2 نفسه ليعمد إلى إصالحها لكي ال تكون حاجبا وحاجزا بينه وبين الله تعالى

وأن يبصره أمور دينه كما ورد في الدعاء عقب صالة المغرب عن أبي عبد كنت كثmيرا ما أشتكmي عينmي فشكوت ذلmكالله عليه السالم قال: "

إmلى أبmي عبدm الله عليه السالم فقال: أال أعلمك دعاء لmدنياكmي دبرmعينيك قلت: بلى قال: تقول ف mوجعmك وبالغا لmرت mوآخ

د د وآلm محم mني أسألك بmحق محم الفجرm ودبرm المغرmبm - اللهم إد واجعلm النور فmي بصرmي د وآلm محم عليك صل على محم

ين فmي قلبmي واإلmخالص فmي عملmي mي واليقmينmي دmيرة ف mوالبص كر لك أبدا ما عة فmي رmزقmي والش ي والس mي نفسmالمة ف والس

كنت كثيرا ما أشتكي عيني". ومعنى الدعاء الشريف: "1"أبقيتنmيكان االشتكاء من الشكوى وهي المرض.

- أن يتفقه في دين الله تعالى ألن الفقه مفتاح البصيرة.3

- أن يحسن ويقوي عالقته بالقرآن والمعصوم وهم الصادقون كما تقدم4 فأهل القرآن العاملون المتدبرون وأهل الوالية المتمسكون بالصادقين

المعصومين يرزقهم الله البصيرة. 

إن الدوافع الخفية في نفس اإلنسان هي أعقد بدرجات من غيب -5 " للسمواتيعلمالسموات واألرض ولعله لهذا استخدمت اآلية مفردة "

" لألعمال التي يقوم بها البشر.بصيرواألرض ومفردة "

- إذا اعتقد اإلنسان حقيقة بأن الله عليم بصير سينعكس ذلك على6أعماله وسلوكياته.

، باب الدعاء في أدبار2. الكافي، الكليني، ج215مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، صالة الصبح، ص 1.550، ص 11الصلوات، ح

270

271